ممثل الاتحاد الأفريقي لـ «الشرق الأوسط»: الانتخابات في دول «الربيع العربي» ليست كافية للحكم

فرانسيسكو: عودة الاستقرار إلى مالي مرهون بأوضاع ليبيا ومصر قادرة على تجاوز أزمتها

فرانسيسكو ماديرا الممثل الخاص لرئيس لجنة الاتحاد الأفريقي للتعاون ضد الإرهاب
TT

حذر السفير فرانسيسكو ماديرا الممثل الخاص لرئيس لجنة الاتحاد الأفريقي للتعاون ضد الإرهاب، من خطورة الجماعات الإرهابية المسلحة في القرن الأفريقي، سواء كانت بالمغرب أو في نيجيريا أو بالصومال، وذلك بعملها على التحرك نحو جنوب القارة الأفريقية وعدم اقتصار أنشطتها على نطاق محدد، مشيرا إلى أن الوضع في عدد من الدول الأفريقية ما زال معقدا وصعبا.

وأكد ماديرا أن التدخل الفرنسي سيخلق الأجواء التي تسمح بقيام الحوار في وقت مبكر في مالي عوضا عن تأخره سنوات، مشددا في الوقت ذاته على ضرورة إيجاد حل سياسي يتزامن مع التدخل العسكري.

وفي تعليق على الأحداث الحاصلة في كل من تونس ومصر، اعتبر المبعوث الخاص لمنظمة الوحدة الأفريقية أن الانتخابات ليست كافية للحكم، وإنما هي مجرد جواز عبور إلى السلطة، منوها بأن الحكم الحقيقي يعني تحقيق السلام والاستقرار. وفي الشأن السوري أكد السفير فرانسيسكو أنه لا مخرج أمام السوريين سوى في التفاوض، وهو ما سيحدث بحسبه، «عاجلا أم آجلا»، وإلى نص الحوار:

* عقب ما عصف بمنطقة الشرق الأوسط والقارة الأفريقية ما يسمى بـ«الربيع العربي».. إلى أين يتوجه الإرهاب حاليا؟

- لقد تأثرت وما زالت تتأثر الدول الأفريقية بشكل كبير من الأعمال الإرهابية التي يقوم بها تنظيم القاعدة فيما يسمونه «جزيرة العرب»، و«القاعدة في المغرب الإسلامي» و«القاعدة في أفريقيا»: «بوكو حرام» و«الشباب»، جميعهم يعملون على تعزيز الإرهاب، وأستطيع القول إن الوضع في الدول الأفريقية ما زال صعبا ومعقدا للغاية، فبالإضافة إلى الجماعات الإرهابية لدينا العصابات الإجرامية المنظمة؛ من تجار المخدرات وغسل الأموال والاتجار بالبشر، وأنا سعيد بنجاح حكومة إثيوبيا وكينيا في إخراج جماعة «الشباب» المحسوبة على «القاعدة» من العاصمة كيسمايو ومقديشو، إلا أننا ما زلنا بحاجة إلى بذل المزيد من الجهود للإبقاء على سيطرتنا.

* ماذا بشأن الأحداث في شمال مالي؟ ألا ترى أن هناك تحالفا بين الجماعات المسلحة في القرن الأفريقي؟

- نعم هناك تحالف منظم بين الجماعات المسلحة، ونحن مستبشرون بتدخل الجيش المالي، وبالتعاون مع الجانب الفرنسي، اللذين تمكنا مؤخرا من إضعاف الجماعات المسلحة هناك، إلا أننا بحاجة إلى بذل المزيد من الجهود لضمان عدم انتقال العصابات مرة أخرى، واستعادة نشاطها من جديد، من خلال تعزيز قوة الجيش المالي والإبقاء على الوجود العسكري.

* أين تكمن خطورة هذه الجماعات المسلحة في القرن الأفريقي؟

- إن هذه الجماعات الإرهابية المسلحة لا تعتزم البقاء في نطاق محدد، سواء كان ذلك بالمغرب أو في نيجيريا أو بالصومال، أو حتى في مالي، وإنما لديها النية والتنظيم للانتقال إلى جنوب القارة الأفريقية، وكلنا يعلم جيدا بوجود سيطرة صامتة لهذه الجماعات المسلحة هناك استعدادا للقيام بأعمالها الإرهابية.

* كيف تنظر إلى الأوضاع في مالي؟

- هناك مشكلة سياسية في مالي لا بد من حلها، ويجب على الحكومة الانتقالية تنظيم البيت المالي من الداخل، إضافة إلى اتحاد القوى السياسية هناك لعدم إتاحة الفرصة أمام الجماعات الإرهابية باستغلال والاستفادة من النزاعات السياسية، وأرى أنه عاجلا أم آجلا سيأخذ الحوار المشترك مكانه مع الجماعات الانقلابية للاتفاق على نبذ الجماعات الإرهابية وتقسيم الدولة، وعلى الماليين مناقشة السلام والاستقرار.

* هل هناك فرصة جيدة لحصول ذلك حتى بعد تدخل القوات الفرنسية؟

- في الحقيقة التدخل الفرنسي سيخلق الأجواء والظروف التي ستسمح بقيام مثل هذا الحوار في وقت مبكر عوضا عن أن يتأخر سنوات.

* يرى البعض أن التدخل الفرنسي في مالي بداية لانقسام ومواجهة إثنية بين العرب والأفارقة.. فما تعليقك على ذلك؟

- لا أنظر إلى الموضوع من هذه الزاوية. من جانبي أشعر أن العرب وغير العرب جميعهم أفارقة على اختلاف أصولهم، ولا بد لهؤلاء أن يتعايشوا معا بغض النظر عن اختلافاتهم الإثنية؛ فالأرض لهم جميعا، ولكن لسوء الحظ فإن الأحداث في شمال مالي نسبت إلى الطوارق أو الأفارقة ذوي الأصول العربية، والمطالبين بالانقسام، وإعلان الاستقلال، إلا أن إشكالية الطوارق ليست بسبب التدخل الفرنسي، وإنما لوجود بعض الأفارقة العرب ممن يسعون إلى فرض الشريعة وتطبيقها بالقوة ضد من لا يرغبون في ذلك، ولهذا تم تفسير الأمر على كونه صراعا إثنيا، إلا أن على الجميع أن يدرك أن هذا الأمر هو قائم منذ زمن حتى قبل التدخل الفرنسي، ولا بد من التقارب بنظام سياسي يجمع ويحترم الجميع دون احتمالية المواجهة مستقبلا.

* هل تعتقد أن ما تشهده مالي من أحداث سيحولها إلى أفغانستان جديدة؟

- في حال لم تكن القيادات السياسية حذرة للغاية؛ فالانقسام أمر وارد، كما يمكن أن تستفيد من ذلك القوى الأجنبية.. لذلك كل الاحتمالات واردة، إلا أننا ندعو أن لا يحدث ذلك، وأعتقد أن الماليين حكماء بالحفاظ على وحدتهم التي يمكن الحفاظ عليها بطرق عدة. ويجب أن لا نتجاهل حقيقة أن ما يجري في مالي هو بسبب الأوضاع في ليبيا، حيث تم اكتشاف كثير من الأسلحة والمتفجرات المهربة من هناك إلى مالي، ولطالما بقيت ليبيا ضعيفة فإن الخطر سيظل قائما؛ لذلك علينا العمل لمساعدة ليبيا لإعادة الاستقرار هناك.

* هل عرضتم في الاتحاد الأفريقي تقديم الدعم والمساعدة لليبيا في هذا الشأن؟

- نحن على استعداد لتقديم مساعدات كبيرة إلى ليبيا، إلا أن على ليبيا أن تفتح يديها لنا وتقول إنها جزء من أفريقيا.

* ماذا بشأن مكافحة الإرهاب بالدول الأفريقية؟ وما الخطوات الفعلية للدول الأعضاء بهذا الشأن؟

- هناك اتفاقية منظمة الوحدة الأفريقية لمنع ومكافحة الإرهاب التي تم المصادقة والتوقيع عليها في 1994م، تلاها بروتوكولات إلحاقية في 2002 و2004، وكان آخر جهودنا هو في اعتماد القانون النموذجي الموحد بين الدول الأفريقية العام الماضي، وكان أهم بنوده التي خرجننا بها مؤخرا اعتبار أموال دفع الفديات للإفراج عن المخطوفين أموالا لتمويل الإرهاب بعد استغلال الملايين من هذه الأموال في توسعة نشاط الجماعات الإرهابية، ورغم الدواعي الإنسانية لذوي المخطوفين استطعنا تجريم هذا الفعل ووضعه ضمن لوائح التشريعات القانونية المجرمة.

* أثارت العملية الأخيرة في الجزائر وبعبور منفذيها حدود عدد من الدول الأفريقية بدءا من مالي ونيجيريا، وصولا إلى ليبيا، تساؤلات بشأن مدى تأمين الحدود الأفريقية وسيطرة الدول عليها! - نعم هذا صحيح؛ إذ لا بد من تعزيز القوة والتحكم بحدودنا بين الدول الأفريقية، والإشكالية تكمن في مدى اتساع هذه الحدود مقابل الإمكانيات الأمنية المحدودة للسيطرة عليها، وما نحن بحاجة إليه هو تعزيز قدراتنا الأمنية والعسكرية، وعلينا أن لا ننسى أن منفذي العملية هم من الأفارقة ومن غير الأفارقة.

* هناك تهم من جهات مختلفة للدور الموريتاني في وجود مخيمات تدريب لمسلحين لحساب دول أخرى في المنطقة.. ما رأيك في ذلك؟

- موريتانيا تقوم بأعمال جيدة في مكافحة الإرهاب، وليس لدي فكرة عما إذا كان هناك وجود فعلي لهذه المخيمات؛ فهي ما زالت في نطاق الإشاعات ولا يوجد ما يؤكدها.

* كيف ترى ما يجري من أحداث في مصر؟ وإلى أي مدى قد يؤثر ذلك على استقرار القرن الأفريقي؟

- مصر دولة عريقة وقديمة مرت بأزمات مختلفة عبر تاريخها وتمكنت من تجاوزها، وأنا على ثقة من أن مصر ستتجاوز هذه المرحلة لما لديها من نضج وخبرة.

* كيف ترى حكم الإخوان المسلمين بمصر ووصولهم إلى السلطة؟

- إن الإسلاميين والإخوان المسلمين جزء من الواقع السياسي المصري، ووصولهم إلى السلطة أتى عبر بوابة الانتخابات، إلا أنني أومن بأنهم سيدركون أن الانتخابات ليست كافية للحكم، وإنما هي مجرد جواز عبور إلى السلطة، فالحكم الحقيقي يعني تحقيق السلام والاستقرار وخلق الظروف المناسبة لذلك، وأنا متأكد أن المصريين يعون ذلك وسيطبقونه.

* بعد عملية اغتيال المعارض السياسي في تونس ألا تخشون بدء مرحلة جديدة في عدد من دول الربيع الأفريقية؟

- إن الانتخابات هدفها تجنب العنف، وهذا الثمن الذي يدفع لتحقيق الاستقرار يكون بأوجه مختلفة؛ فهناك من يستفيد من الاغتيالات، وآخرون يلجأون إلى الانضمام للجماعات الإرهابية، ولن نفاجأ بأن يتم اقتباس هذه الأحداث في أماكن أخرى.

* كيف تصف علاقة الدول الأفريقية بإيران؟

- نحن منفتحون على إقامة علاقات جيدة مع كل الدول الأعضاء بالأمم المتحدة، وإيران تعد دولة عضوا، كما أن الاتحاد الأفريقي لم يوقع على العقوبات تجاه إيران، وكل دولة لها حرية القرار في تحديد مدى علاقاتها بإيران، وليس هناك أي شيء ضد تكوين علاقات جيدة مع إيران، فهناك 54 دولة أفريقية، وكل له سياسته الخاصة، وليس لدينا شيء نعمله تجاه ذلك.

* لكن هناك اتهامات بوقوف دول وتنظيمات محددة خلف تمويل ودعم الجماعات المسلحة في الدول الأفريقية.

- عدم الاستقرار في بعض الدول الأفريقية له أسباب مختلفة ولا تتعلق بوقوف دول معينة منها الفقر وأسلوب الحكم، بالإضافة إلى تدخل القوى الأجنبية، لذلك لا أستطيع تحديد دول بعينها؛ كأن أقول إيطاليا أو فرنسا أو البرازيل أو غواتيمالا.

* ما موقفكم من الأحداث الجارية حاليا في سوريا؟

- إن الوضع الحالي في سوريا خطير ومعقد، ويجب على السوريين الجلوس والتحاور معا من أجل تحقيق السلام وحل مشكلاتهم كلها بأنفسهم.

* ألا ترى أن كل الجهود وفرص إجراء هذا الحوار قد فشلت؟

- لا أرى أي مخرج آخر مختلف للمرحلة، ولا بد على المسؤولين السوريين القيام بدورهم، وهي مسألة وقت، وعاجلا أم آجلا سيتم الحوار والتفاوض، فأي شيء لا يمكن أن ينتهي سوى من خلال طاولة المفاوضات، حتى وإن كانت النتيجة بتوقيع استسلام أحد الطرفين. ولا بد من عدم النظر تجاه الأزمة السورية بحصره في مدى الموافقة على التدخل العسكري ودعم المسلحين بالسلاح.