ظاهرة العمليات الانتحارية تزيد الوضع هشاشة في مالي

أميركا ترسل مائة جندي إلى النيجر للمساعدة في القتال في مالي

جندي مالي رافعا سلاحه أمام أحد المنازل التي دمرها القصف الفرنسي الذي استهدف إسلاميين في مالي أمس (أ.ف.ب)
TT

بينما تواصل القوات الخاصة الفرنسية بالتعاون مع القوات المالية ملاحقة مقاتلي الشمال التابعين لـ«القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» ولحركة التوحيد والجهاد وأنصار الدين، الذين هربوا من المدن الرئيسية «تومبوكتو، غاو، كيدال..»، ما زال الوضع الأمني في المدن والمناطق المحررة بالغ الهشاشة. وما يزيد من هشاشته، رغم وصول نحو 2000 جندي من القوة الأفريقية - الدولية ومشاركة 1600 مقاتل تشادي في العمليات الأمنية خصوصا في كيدال، بروز ظاهرة العمليات الانتحارية التي لم تكن مالي تعرفها سابقا، وتواتر تسلل «الإرهابيين» وفق التسمية الرسمية الفرنسية إلى المدن «المحررة»، مما ينذر بمخاطر كبرى. ويزيد من «تشاؤم» المراقبين بطء العملية السياسية ورفض الحكومة المركزية في مالي الحوار مع «الحركة الوطنية لتحرير أزواد» التي تقول إنها تمثل الطوارق في شمال البلاد، فضلا عن استمرار أعمال الثأر ضد السكان المحليين، وهو ما من شأنه مضاعفة التوتير.

ودفع هذا الأمر رئيس بعثة الصليب الأحمر في مالي جان نيكولا مارتي إلى قرع ناقوس الخطر واعتبار أن الوضع «غير مستقر»، فيما تحدث منسق مكتب النشاطات الإنسانية التابع للأمم المتحدة عن «تقارير مخيفة» لجهة انتهاكات حقوق الإنسان والعنف الجنسي وعمليات الانتقام وتجنيد الأطفال. وبحسب مارتي، فإنه «بعكس ما كان يتصوره البعض بعد استعادة القوات الفرنسية والمالية للمدن الرئيسية، فإن الوضع لا هادئ ولا مستقر». وحذر مسؤول الصليب الأحمر من استمرار العمليات الانتحارية ومن المخاوف المنتشرة من عمليات الثأر التي يمكن أن تقوم بها القوات المالية وما لها من تأثير على امتناع عودة اللاجئين إلى بيوتهم. ويزيد من مناخ القلق انتشار الألغام واستمرار الاشتباكات في أكثر من مكان، وتدهور الوضع الإنساني والغذائي الذي يصيب نحو 600 ألف شخص مباشرة، ونحو 1.2 شخص بصورة أقل. وأخيرا، لفت مارتي الانتباه لوضع السجناء المحتجزين إن في العاصمة باماكو أو في مدن الشمال، ولحالة التوتر القائمة في هذه السجون.

ويمثل الوضع الأمني المصدر الأول للقلق، إذ إنه بعد مرحلة استعادة مدن الشمال الرئيسية من دون قتال جدي يبدو أن حربا من نوع آخر قد بدأت، وتتمثل إن في العمليات الانتحارية والسيارات المفخخة أو في استهداف قلب المدن المحررة خصوصا غاو كبرى مدن الشمال، حيث قامت عناصر مقاتلة بالتسلل إلى قلب المدينة والسيطرة على قصر العدل وعلى دار البلدية. وجرت يومي الخميس والجمعة معارك حقيقية استخدمت فيها القوات المالية مدعومة بقوة فرنسية وبطوافتين من طراز «غازيل» الأسلحة الثقيلة لمواجهة المتسللين. وبحسب قيادة الأركان المالية، فإن العمليات العسكرية أسفرت عن مقتل 15 «إرهابيا»، فيما جرح جنديان فرنسيان وأربعة جنود ماليين.

وأعلنت حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا في بيان لها أن «معركة تحرير غاو من المارقين قد بدأت». وفي الوقت عينه، تعرض موقع تابع للحركة الوطنية لتحرير أزواد المشكلة من الطوارق والتي تتعاون مع القوات الفرنسية، لعملية انتحارية أدت إلى مقتل خمسة أشخاص. ويقع الموقع على مدخل مدينة إينهال القريبة من مدينة تساليت، المحاذية للحدود الجزائرية. ووقع الاعتداء بسيارتين مفخختين كان يقودهما انتحاريان. ويرجح أن يكون استهداف الحركة المذكورة جاء للانتقام منها بسبب الموقف الذي التزمت به بعد انطلاق العملية العسكرية الفرنسية في 11 من الشهر الماضي. وجدير بالذكر أن الحركة المذكورة انقلبت على «أنصار الدين» وعلى «القاعدة» وحركة التوحيد والجهاد مع اقتراب القوات الفرنسية من مدن الشمال الرئيسية.

وكانت عملية انتحارية مشابهة تبنتها حركة التوحيد والجهاد حصلت صباح الخميس على مدخل مدينة كيدال التي تتولى الأمن فيها القوة التشادية. كذلك قامت عناصر مقاتلة بالتسلل أكثر من مرة إلى غاو من القرى المحيطة بها والمحاذية لمجرى نهر النيجر.

وأعلنت باريس رسميا أول من أمس أنها «تتعاون» مع هذه الحركة. وتشكل هذه النقطة سببا للاختلاف بين باريس وباماكو، إذ إن السلطات المالية ترفض التفاوض معها وتضع شروطا كثيرة مستندة إلى أن الحركة ذات طابع انفصالي رغم اعترافها المتأخر بوحدة الأراضي المالية.

ومع تكاثر هذه الأعمال المخلة بالأمن، تبدو المهمة الفرنسية والدولية لإعادة الاستقرار إلى مالي بالغة الصعوبة، بعكس الانطباعات الأولى. وتؤكد باريس على ضرورة السير بالعملية السياسية مع استمرار ملاحقة «الإرهابيين» في أقصى مناطق الشمال مستعينة بدول الجوار مثل موريتانيا والجزائر اللتين أغلقتا حدودهما.

في غضون ذلك، قال الرئيس الأميركي باراك أوباما، أمس للكونغرس، إن الولايات المتحدة، أرسلت مائة جندي إلى النيجر لمساعدة القوات الفرنسية في عملياتها في مالي. وتركز القوات الأميركية على جمع المعلومات الاستخباراتية لمساعدة فرنسا وحلفائها، لكنها ستكون أيضا مسلحة من أجل توفير الحماية لنفسها. ووصل 40 جنديا إلى النيجر الأربعاء، ليرتفع العدد إلى مائة جندي منذ أن وقعت الولايات المتحدة اتفاقا مع النيجر في يناير (كانون الثاني) الماضي، حسب رويترز.