منفذ تفجيرات دمشق لا يزال مجهولا

رغم عدم إعلان طرف بعينه المسؤولية وتبادل الاتهامات بين أطراف النزاع في سوريا

صورة وزعتها وكالة الأنباء السورية (سانا) للحفرة التي خلفتها السيارة المفخخة في قلب دمشق أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

رغم مرور أكثر من ساعة على التفجيرات الدامية التي هزت دمشق أول من أمس وراح ضحيتها ما لا يقل عن 90 شخصا بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، لا تزال الجهة المنفذة لهذه التفجيرات مجهولة.

وبعيدا عن الاتهام «الجاهز» الصادر عن نظام الرئيس بشار الأسد الذي ربط بين التفجيرات وجهات مرتبطة بالقاعدة، هناك تكهنات تدور حول الجيش الحر، وجبهة النصرة، ونظام الأسد.

ولمعرفة الجهة المنفذة لا ينبغي فقط الوقوف على مسافة واحدة من هذه الأطراف، بل أيضا الأخذ بعين الاعتبار المعطيات الواردة من عين المكان وبالتحديد في شارع الثورة بمنطقة المزرعة حيث حصل الانفجار الأكثر دموية.

فقد وقع تفجير منطقة المزرعة عندما فجر انتحاري نفسه في سيارة مفخخة مما أسفر عن مقتل 61 شخصا أغلبهم من المدنيين وبينهم 17 عنصرا من القوات النظامية، بحسب المرصد الذي يتخذ من لندن مقرا له.

وبالتوازي مع هذا الانفجار، استهدفت ثلاثة انفجارات أخرى في اليوم نفسه مقار أمنية في حي برزة الواقع شمال دمشق مما أسفر عن مقتل 22 شخصا بينهم 19 عنصرا من القوات النظامية، تبعته اشتباكات عنيفة بين القوات النظامية ومقاتلين من الكتائب المقاتلة.

ما ينبغي الإشارة إليه في البداية أن انفجار المزرعة لم يستهدف مقرا لحزب البعث أو وقع على مقربة من السفارة الروسية كما سيق في وسائل الإعلام، بل وقع على مقربة منهما واستهدف تجمعا للسيارات الأجرة (السرفيس) المتجهة نحو الغوطة الشرقية، يكتظ في هذا الوقت بالمسافرين وبالطلبة أيضا وذلك بحكم قربه من مدارس كعبد الله بن الزبير وابن الأثير وغسان عبود ودائرة امتحانات دمشق.

يذكر أن شارع الثورة في منطقة المزرعة يعتبر المخرج الشرقي لقلب دمشق باتجاه أطرافها وهنا تفصيل في غاية الأهمية تم إهماله، وهو أن التفجير حدث بسيارة مفخخة محملة بطن ونصف الطن من المتفجرات كانت قادمة من مركز المدينة باتجاه الضواحي الشرقية. وهذا يعني أن المتفجرات وضعت في السيارة في منطقة يفترض أنها محصنة أمنيا بشكل كبير، أو تم تفخيخها خارج دمشق ومن ثم اقتيدت نحو قلب العاصمة ومن هناك انطلقت باتجاه الهدف.

وبالعودة إلى الجهات التي قد تكون وراء التفجير، تبدو الجهة الأقل احتمالا لوقوفها خلف التفجيرات هي الكتائب والألوية المنضوية تحت مسمى «الجيش السوري الحر». فالمعروف أن العقلية التي يفكر بها الجيش الحر تختلف وفلسفة العمليات الانتحارية، ولم يسبق أن نفذ الجيش الحر أية علميات من هذا النوع، وهذا ما يبعده، من الناحية النظرية على أقل تقدير، من دائرة الشبهات سيما أن المجلس العسكري لدمشق وريفها أصدر أول من أمس بيانا نفى عن نفسه تهمة الضلوع بالتفجير متهما نظام الأسد بتدبيره. إضافة إلى هذا النفي الكلامي، لا يمتلك الجيش الحر الخبرة الكافية لتصنيع سيارات مفخخة.

وإذا كان الجيش الحر لا يتبنى هذا النوع من العمليات القتالية فهناك طرف يجاهر بتبنيها وهو جبهة النصرة. يقول القيادي في التيار السلفي الأردني محمد شلبي (أبو سياف) إن جبهة النصرة «تتبنى العمليات الاستشهادية وتعتبرها نوعا من أنواع القتال وذلك وفقا لفتوى «التترس» لشيخ الإسلام ابن تيمية». وتجيز فتوى «التترس» للجيوش الإسلامية، اتقاء لضرر أكبر، أن تقاتل جيوش الكفار وإن أفضى ذلك إلى قتل المسلمين الذين يتترس الكفار بهم».

يشير ما سبق إلى أن الأصل في العمليات الانتحارية لدى جبهة النصرة، وهي فتوى «التترس» غير موجود في حالة تفجير المزرعة، الذي أفضى إلى مقتل 50 مدنيا سوريا (يفترض أن يكون معظمهم من السنة بحكم كونهم الأغلبية في دمشق) ومقتل 17 عنصرا من القوات النظامية. لكن فتوى «التترس» قد تنطبق على تفجير برزة الذي أدى لمقتل 22 شخصا، ثلاثة منهم فقط من المدنيين.

لكن هذا لا يعني ألا يكون هناك سوء تقدير من «النصرة» لناحية قيامها بالتفجير خصوصا في ظل ما جاء ببيان الائتلاف السوري «التفجيرات الإرهابية أيا كان مرتكبها». وهي المرة الأولى التي تتجنب فيها المعارضة السورية توجيه الاتهامات مباشرة للنظام.

أيضا استنكر المجلس الوطني التفجيرات واستخدم لغة تقترب من لغة الائتلاف من ناحية احتمالية أن وجود طرف ثالث، برفضه «التفجيرات العشوائية» حسب البيان الصادر عنه وتحميله النظام «مسؤولية خلق المناخ المناسب لارتكاب مثل هذه الأعمال الدموية، التي تخدم سياسته في بث الرعب وإيذاء المجتمع السوري».

ووفقا لهذا التحليل فإن أصابع الاتهام تتجه لجبهة النصرة سيما أن التفجيرات أشبه ما تكون بالتفجيرات التي تحصل في العراق وتتبناها القاعدة وسيما أن «النصرة» بحسب مدير مؤسسة كويليام لمكافحة الإرهاب نعمان بن عثمان، تتقاطع مع «دولة العراق الإسلامية» في تبنيها «المنهج الفكري الجهادي». لكن ابن عثمان يشير إلى أن «النصرة» تعلمت من أخطاء «العراق الإسلامية» وتحاول تجنب ارتكاب تلك الأخطاء في الميدان.

ويؤكد الناشط السياسي حارث عبد الحق أن نظام الأسد يحاول شيطنة «جبهة النصرة» و«يفتعل عمليات انتحارية في دمشق وحلب وغيرها بهدف بث الرعب في قلوب الناس من الحركات الجهادية»، لكن هذه المساعي ستبوء بالفشل، برأي عبد الحق، بسبب «عدم كفاءة أدوات تنفيذ مشروع الشيطنة من جهة وبسبب قدرة جبهة النصرة على إقناع الناس بمشروعية أهدافها وغاياتها»، مضيفا: أن «جبهة النصرة خرجت حديثا من قوقعتها وباتت تقيم علاقات مع المجتمعات المحلية الخاضعة لسيطرتها» مؤكدا وجود نشاط خدمي لمجاهدي النصرة في مناطق سيطرتها كإصلاح الكهرباء وفتح المراكز الطبية ومنع بيع القمح من الصوامع وتأمين جرات الغاز.

أما الجهة الثالثة التي قد تكون خلف تفجيرات دمشق فهي النظام نفسه. قد لا يبدو منطقيا أن يطلق النظام النار على قدميه ويقتل الناس في دمشق، لكن أن تخرج سيارة محملة بـ1.5 طن من المتفجرات من قلب دمشق فهذا يطرح تساؤلا عن القبضة الحديدية التي يفرضها في العاصمة والحواجز المنتشرة بشكل هيستيري وتخضع من يمر عبرها للتفتيش الدقيق.

وبث التلفزيون السوري أمس وقائع «صلاة الغائب» على أرواح شهداء وشدد الأئمة وخطباء المساجد خلال صلاة الجمعة على أن «الإسلام بريء من هذه الأعمال الإجرامية التدميرية»، بحسب ما ذكر الإعلام الرسمي السوري.

أما فيما يخص الاستغلال الإعلامي، قالت وزارة الخارجية السورية إنها أرسلت رسائل مجلس الأمن لحثه على «اعتماد موقف حازم يؤكد التزامه بمكافحة الإرهاب بغض النظر عن مكانه وزمانه» مطالبة المجلس بإدانة هذا العمل الإرهابي وذلك «لبث رسالة حازمة للمجموعات الإرهابية ومن يدعمها بعدم وجود معايير مزدوجة في التعاطي مع الإرهاب أينما وقع في العالم».