المشافي الميدانية أهداف دائمة للنظام السوري.. وتكتم على أماكن المتبقي منها

تعاني نقصا حادا في التجهيزات والكوادر

TT

منذ انطلاق الحراك في سوريا لم يتمكن «الثوار» الذين كانوا يتظاهرون سلميا آنذاك، من نقل جرحاهم إلى المستشفيات التي تتبع بغالبيتها للحكومة السورية خوفا من الاعتقال. هذا الواقع دفعهم إلى إقامة مستشفيات ميدانية لمعالجة المصابين ضمن الإمكانيات المتاحة.

ومع تحوّل الحراك إلى صراع عسكري، لعبت هذه المستشفيات دورا كبيرا في مساعدة جرحى المعارضة و«الجيش الحر»، ما جعلها هدفا لطائرات النظام. وأشار «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، قبل يومين، إلى أن آخر المستشفيات التي تم استهدافها من قبل سلاح الجو النظامي كانت في مدينة درعا جنوب البلاد، حيث قتل بحسب المرصد 18 شخص في قصف من طائرة حربية على المشفى الميداني الواقع بين حي طريق السد ومخيم النازحين في مدينة درعا. ويؤكد الناطق باسم «لجان التنسيق المحلية» في مدينة درعا، عادل العمري، لـ« «الشرق الأوسط» أن استهداف المشافي الميدانية هو «سياسة ممنهجة يتبعها النظام السوري»، مشيرا إلى أن «الكثير من هذه المشافي التي تعتبر (بدائية) قد تعرضت للنهب على يد قوات النظام إثر عمليات الاقتحام التي حصلت في القرى والمناطق الثائرة». ولفت العمري إلى «وجود نقص حاد في التجهيزات الطبية في هذه المشافي»، مؤكدا أن «الكثير من الجرحى الذين يصابون في درعا إصاباتهم خطيرة يتم نقلهم إلى الأردن لعدم توافر الإمكانات لمعالجتهم».

ويعتبر مشفى الشفاء في مدينة حلب نموذجا عن المستشفيات الميدانية التي تقوم طائرات النظام بقصفها في معظم المدن السورية. إذ يؤكد ناشطون سوريون أن «المستشفى الذي كان يستوعب أعدادا كبيرة من المصابين ويقع عند طريق الباب، تم تدميره بشكل كامل بعد قصفه مرات عدة من قبل الطائرات الحربية».

وكشف ياسر النجار، عضو المجلس الأعلى لقيادة الثورة السورية لـ«الشرق الأوسط»، عن «تعرض الكثير من المشافي الميدانية في حلب للقصف والتدمير من قبل النظام السوري من بينها مشفى (الزوزو) الموجود في منطقة المشهد ومشفى (القدس) قرب حي السكري، ما دفعنا إلى إقامة مستشفيات تحت الأرض لحمايتها من القصف الهمجي». وأشار النجار إلى «النقص الكبير الذي تعاني منه هذه المشافي، على صعيد الكوادر الاختصاصية والتجهيزات الطبية، إضافة إلى عدم وجود دعم حقيقي من قبل المجلس الوطني أو أي جهة سياسية أخرى».

وأوضح أن «النظام يضرب المستشفيات الميدانية الواقعة في مناطق سكنية بهدف ترويع الناس وإتمام القضاء عليهم إضافة إلى اعتباره الكوادر الطبية التي تعمل في هذه المستشفيات متمردة عليها ويجب تصفيتها»، مؤكدا «وجود أعداد كبيرة من الأطباء الذين تم قتلهم أو اعتقالهم بسبب نشاطهم في المشافي الميدانية».

وتجنبا لغارات النظام على المشافي الميدانية في العاصمة دمشق وبغرض حمايتها من قصف الطائرات الحربية، عمدت المعارضة السورية إلى التكتم على أماكن وجودها. وفي هذا السياق، يقول المدير التنفيذي لـ«جبهة تحرير سوريا» محمد علوش لـ«الشرق الأوسط»: «حتى الجرحى الذين يتم تطبيبهم في هذه المشافي لا يعرفون أماكنها حاليا»، مشيرا إلى «تأسيس عدد كبير من المشافي في دمشق وريفها منذ اندلاع (الثورة) السورية، بعضها تم ضربها وأخرى عمد النظام إلى وضع الأسلحة فيها وادعى عبر وسائل إعلامه أنها مخازن للسلاح لتشويه سمعة المعارضة، الأمر الذي دفعنا إلى اعتماد السرية حول أماكن وجودها».

ولفت علوش إلى «النقص الكبير في الكوادر الطبية لدرجة أن طبيب الأسنان في أحد المشافي أجرى عملية جراحية بسبب عدم وجود اختصاصي جراحة». وأضاف: «النظام يتعامل مع المعدات الطبية على أنها محظورات تستوجب الاعتقال والتعذيب، (كيس الدم) مثلا هو جريمة يتم اعتقال مقتنيه». كما أشار إلى «وجود عدد من الأشخاص تم بتر أطرافهم في المشافي الميدانية بسبب نقص الجراحين».

وجراء تصاعد الصراع العسكري في سوريا وعدم وجود أماكن آمنة، أقدمت المعارضة المسلحة على تحويل أكثر من 150 مدرسة إلى مستشفيات ميدانية يتم فيها معالجة الجرحى من مقاتلي «الجيش الحر»، لكن هذه المدارس لم تسلم كذلك من قصف القوات النظامية كما يؤكد ناشطون، إضافة إلى الاستعانة بالمساجد وتحويلها في حالات الحصار إلى مراكز طبية لمعالجة المصابين.