ليبيا تحبط أكبر محاولة في تاريخها لتهريب أكثر من 30 طن مخدرات

مراقبون: ضعف الحالة الأمنية بالبلاد الآن جعل منها مكانا آمنا لتخزينها

رجل أمن ليبي يشرف على إحراق أكثر من 30 طنا من المخدرات في العاصمة طرابلس أمس (أ.ف.ب)
TT

أعلنت السلطات الليبية، أمس، عن إحباط محاولة لتهريب أكثر من ثلاثين طنا من المخدرات، تمثل أكبر كمية على الإطلاق في تاريخ البلاد، في عملية مثيرة للجدل لم تتضح تفاصيلها كاملة حتى الآن، فيما قال مراقبون إن «ضعف الحالة الأمنية جعل من ليبيا الآن مكانا للتخزين الآمن للمخدرات».

وقال العقيد أيوب قاسم، الناطق الرسمي باسم القوات البحرية الليبية، إن «قوات حرس السواحل قطاع العاصمة طرابلس، التابعة للقوات البحرية، أوقفت في عملية أطلق عليها (رياس 17 فبراير) جرافة في المياه الإقليمية الليبية وعلى متنها كمية مهربة من المخدرات بلغت ثلاثين ألفا وخمسمائة كيلوغرام».

وكشف قاسم لوكالة الأنباء المحلية عن أن عملية القبض على الجرافة التي تحمل اسم «باب البحر» ومسجلة بالدولة الليبية تمت على بعد أربعين ميلا شمال شرقي حقل البوري، مشيرا إلى أن عناصر حرس السواحل اقتحموا الجرافة وسيطروا عليها بعد اعتقال خمسة أشخاص على متنها وهم، ليبي ومصري وتونسي ومغربيان. وأضاف قاسم أن رجال قوات حرس السواحل قاموا إثر ذلك باقتياد الجرافة باتجاه قاعدة طرابلس البحرية أمس، حيث تم اتخاذ الإجراءات الضبطية والقانونية من قبل إدارة ونيابة مكافحة المخدرات التي تأكدت من إثبات الشحنة ومحتوياتها ووزنها، وأعطت الإذن بالبدء في تفريغها من شحنتها التي تواصلت عدة ساعات.

واعتبر قاسم أن الشحنة التي تعد واحدة من أكبر شحنات تهريب المخدرات تم تسليمها إلى إدارة مكافحة المخدرات التي قامت بإعدامها بمعرفتها وحضورها، معتبرا أن هذه الكمية الضخمة من المخدرات تدل على أن من قام بها ومن يقف وراءها يستهدف الشعب الليبي ومسيرته ويحاول جره إلى الوراء وتعطيل عجلة التقدم التي يسعى الليبيون لتحقيقها بعد السابع عشر من فبراير (شباط) عام 2011. وشدد على أن كل هذه المحاولات لن يكتب لها النجاح، وأن ليبيا لن تعود إلى الوراء، وأن رجالها موجودون في كل المواقع.

وكانت وكالة التضامن الليبية المستقلة قد أعلنت أول من أمس أن كتيبة جمعة حي التابعة للواء الأول لحرس الحدود والمنشآت والأهداف الحيوية والاستراتيجية في مدينة غدامس قامت بإعدام كمية من المخدرات تقدر بنحو 50 قنطارا، مشيرة إلى أنه تم ضبط هذه الكميات بالمنفذ الحدودي الرابط بين ليبيا وتونس والجزائر. واعتادت السلطات الأمنية الليبية مؤخرا الإعلان بشكل دوري عن ضبط كميات كبيرة من المخدرات، علما بأن القانون الليبي يعاقب على الجرائم المرتبطة بتجارة المخدرات بالإعدام.

وحتى خلال فترة حكم العقيد الراحل معمر القذافي، اعتادت ليبيا أن تشتكي من تعرضها لمحاولات مكثفة لتهريب المخدرات التي ربطتها في السابق بعصابات التهريب التي تتعامل مع الخارجين عن القانون والمتطرفين للحصول على الأسلحة والمخدرات.

لكن السلطات الليبية لم تعرض أي صور فوتوغرافية أو لقطات فيديو لإحباط عملية أمس التي تعتبر المحاولة الأكبر من نوعها في تاريخها لتهريب المخدرات، على نحو دفع بعض القيادات الأمنية إلى التشكيك فيها، واعتبروا أنها تمثل فقط مجرد محاولة لتحسين صورة خفر السواحل في البلاد.

وقال مسؤول بإدارة مكافحة المخدرات التابعة لوزارة الداخلية الليبية لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف، إنه لا يمتلك في الوقت الحالي أي معلومات عن تفاصيل هذه العملية. ولاحقا بثت الصفحة الرسمية لقوات البحرية الليبية صورة وحيدة عبر صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، قالت إنها لكميات المخدرات المضبوطة قبل إعدامها.

وخلال الشهر الماضي اعتصم العشرات من الثوار أمام قاعدة القوات البحرية بطرابلس احتجاجا على تسرب المخدرات والخمور بجميع أنواعهما إلى داخل القاعدة، حيث لفت هؤلاء إلى أن زوارق الثوار التي تقوم بتأمين القاعدة تكتشف بشكل يومي محاولات تهريب لا تتوقف.

لكن الصحافي فيصل الهمالي قال في المقابل لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك الكثير من الأسباب تجعل من ليبيا قبلة لبضائع كبار تجار ومروجي المخدرات بأنواعها في العالم»، لافتا إلى أن غياب الأمن وفتح الحدود على مصراعيها وحيازة كبار المجرمين للسلاح والمال الذي جنوه خلال فترة حرب التحرير وبقاء الكثيرين منهم خارج أسوار السجون، كلها عوامل جعلت من تجارة المخدرات تنشط بهذا الشكل الكبير في ليبيا.

ولم يستبعد الهمالي تورط أطراف خارجية ربما لها علاقة بشكل أو بآخر بالمنظومة السياسية لدولة ما تهدف إلى تدمير المجتمع الليبي فكريا وأخلاقيا وتدعم تسريب المخدرات إلى ليبيا، على حد قوله. وتابع «ربما عمدت إلى تكوين شبكات تهريب متفننة لتحقيق هذه الغاية، ودعمت هذا النوع من التجارة بالمال بحيث تضمن وصول المخدرات إلى كل شرائح المجتمع الليبي بأبخس الأثمان إذا ما وضعنا سعر المخدرات في ليبيا في وضع مقارنة مع الدول المجاورة أو دول منشأ هذه السلعة ذاتها».

وأعرب عن اعتقاده بأن ضعف الحالة الأمنية جعل من ليبيا الآن مكانا للتخزين الآمن للمخدرات، ومعبرا لخطوط التوزيع منها إلى باقي الدول المجاورة، وما يساعد نجاح هذا الأمر الموقع الجغرافي لليبيا الذي يجعلها مثالية لتجارة العبور من وإلى الدول العربية والأفريقية وأوروبا.

واعتبر الهمالي أن «البيئة المناسبة لمثل هذه التجارة المحظورة اتساع رقعة الأرض وانعدام الأمن وضعف سياسة الدولة وطول مسافة الحدود والسواحل، وكل هذا متوافر في ليبيا، فضلا عن توافر العناصر الإجرامية المهيأة لأن تكون شبكات ترويج ضخمة محترفة قادرة على تكوين نواة للمافيا في ليبيا».

ومؤخرا، اعتبرت تقارير صحافية غربية أن ليبيا تحولت إلى ما وصفته بفريسة للمهربين بعد تنامي عمليات التهريب عبر الحدود خاصة تهريب المخدرات التي أصبحت مصدر قلق بعد القضاء على النظام السابق، حيث انتشرت كميات هائلة من المخدرات.