الحكومة التونسية الجديدة بين تحديات الأمن والتنمية

قيادات نهضوية تدعو للاحتفاظ بالداخلية والإسراع في كتابة الدستور

TT

يواجه علي العريض رئيس الحكومة التونسية المكلف حزمة من الملفات السياسية والاجتماعية ستكون بمثابة التحدي الحقيقي للتشكيلة الحكومية الجديدة. ولئن قللت بعض القيادات السياسية من هامش التحرك لدى الحكومة الجديدة بفعل الظروف الإقليمية المحيطة، فإن التحدي الداخلي يطرح أكثر من تساؤل حول قدرة الحكومة الجديدة على التعامل مع ملفات الأمن الداخلي وتفشي ظاهرة نقل الأسلحة وتخزينها بمواقع عدة في تونس والتشغيل والتنمية في الجهات حيث لا تزال أغلبية التونسيين تنتظر تغيير المشهد التنموي وتعيش على أمل تغير الأحوال المعيشية.

ولا يحظى تعيين علي العريض على رأس الحكومة الجديدة بتأييد كل الأطراف حيث عبر حزب نداء تونس المنافس العنيد لحركة النهضة عن خيبة أمله ورأى في تعيين العريض استمرارا للمسار الخاطئ بعد انتخابات المجلس التأسيسي وأن رئاسته للحكومة لن تحل المشكلات المتراكمة. كما أن منافسي حركة النهضة شنوا حملة قاسية ضد تعيين علي العريض على رأس الحكومة ووصفته أطراف معارضة بـ«رجل الرش» في إشارة إلى الأحداث التي عرفتها ولاية - محافظة - سليانة نهاية السنة الماضية، وقالت إنه جاء إلى رئاسة الحكومة مثقلا بالكثير من «الملفات سيئة السمعة». ودعته المعارضة إلى نزع عباءة انتمائه إلى حركة النهضة وأن يلبس جبة رجل الدولة رئيس حكومة كل التونسيين كما جاء في أول خطاب له بعد تعيينه.

ومن ناحية الملف الأمني سيجد رئيس الحكومة الجديدة نفسه موزعا بين ضغط المعارضة التي تطالبه بالتحكم في منسوب العنف ومواجهته بكل الوسائل، وبين عمليات الانفلات الأمني التي قد تقودها التيارات السلفية المتشددة والتي قد انتهت في السابق بمواجهات مسلحة على غرار ما حدث في دوار هيشر غرب العاصمة واكتشاف مخازن للأسلحة في أكثر من مدينة تونسية. وتنظر التيارات السلفية إلى علي العريض بعين غير مطمئنة وتتهمه بالتضييق على عناصرها وكانت طالبت في السابق بإطلاق سراح أكثر من 300 عنصر من المتشددين يقبعون في السجون التونسية.

وتعترف قيادات من حركة النهضة بأن رئيس الحكومة الجديدة لن تكون بيده عصا سحرية لتغيير صورة سلبية حول الاقتصاد الوطني وترى أن تحمله لحقيبة وزارة الداخلية في حكومة حمادي الجبالي ومعرفته القريبة للملفات الأمنية وبؤر التوتر الممكنة والأطراف المهددة للاستقرار الأمني والسياسي، قد تساعده على تخطي مجموعة من التحديات المتنوعة. وتعتبر أن نجاح الحكومة الجديدة يتوقف على مدى استعداد الأطراف المعارضة لدعم التشكيلة الجديدة وتوفير أرضية مشتركة للتحاور وتجاوز العقبات التي سيطرت على تعامل الائتلاف الثلاثي الحاكم مع أحزاب المعارضة خلال فترة رئاسة حمادي الجبالي للحكومة.

وحول مدى نجاح رئيس الحكومة المكلف في مهامه الجديدة، قال جلول عزونة الأمين العام للحزب الشعبي للتقدم والحرية المعارض لـ«الشرق الأوسط» إن التصريح الأولي لرئيس الحكومة الجديدة «مطمئن» ولكن انتماء العريض إلى الحكومة السابقة يجعل أمامه كثيرا من التحديات. وأشار إلى فشل الحكومة السابقة التي كان العريض عضوا نافذا فيها في التصدي للعنف المتفشي في البلاد وعدم التوصل إلى نتيجة مقنعة فيما يتعلق بالتجاوزات الأمنية التي شهدتها الساحة التونسية على غرار أحداث 9 أبريل (نيسان) الماضي وأحداث السفارة الأميركية (14 سبتمبر/أيلول 2012) وأحداث مدينة سليانة إلى جانب اغتيال شكري بلعيد القيادي اليساري يوم 6 فبراير (شباط) الجاري.

وأشار عزونة الذي يعتبر حزبه أحد مكونات تحالف الجبهة الشعبية المعارضة التي يقودها حمة الهمامي، إلى أن فشل الحكومة السابقة في تعهداتها السياسية على غرار صياغة الدستور وانتخاب أعضاء اللجنة العليا المستقلة للانتخابات إلى جانب تشيل الهيئات التعديلية مثل هيئة الإعلام والقضاء كلها تجعل العريض جزءا من الفشل المطلق.

وبخصوص التشكيلة الحكومية المقبلة، قال عزونة إن حركة النهضة التي تدير الشأن العام ترى أن الحكومة المقبلة ستكون خليطا من سياسيين وكفاءات وأنها تسعى إلى توسيع دائرة الائتلاف، ويستدرك ليشير أن التوسعة الحكومية في ظاهرها تعمل على تشريك أطراف سياسية أخرى في الحكم، ولكنها في واقع الأمر تضم مجموعة من مناصري النهضة على غرار حركة الوفاء التي يرى عزونة أنها جزء من حزب المؤتمر شريك حركة النهضة في الحكم. ويعتبر عزونة أن الحكومة الجديدة ستكون حقائب جديدة لديكور قديم. وأنهى عزونة كلامه بالقول إن الشعب التونسي سينتظر القرارات بعد أن أصيب بنصيب كبير من تخمة الأقوال دون أفعال، وأشار إلى أن أسباب فشل الحكومة المقبلة أكثر من عوامل نجاحها.

وفي سياق متصل قال وزير العدالة الانتقالية سمير ديلو «لا بد من الإسراع في كتابة الدستور فالوتيرة التي تسير بها الأمور غير كافية لتحقيق مطالب المرحلة»، وأردف «لا بد من الانتهاء من كتابة الدستور في أسرع وقت ممكن وهذا النسق يجب أن يتغير»، وعن أسباب تأخر كتابة الدستور أفاد «نحن اخترنا أن نكتب دستورا تحت سماء مفتوحة، لقد سلكنا طريقا لا يمكن التراجع عنه».

وعدد ديلو ما تم أثناء الإعداد لكتابة الدستور، من عودة لدساتير كثيرة، واستشارات فقهاء القانون في داخل تونس وخارجها، وما يتطلبه من اطلاع على تجارب دول أخرى في كتابة دساتيرها.

إلى ذلك قال رئيس حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي، إن الائتلاف الحكومي سيتوسع ليضم حليفين جديدين «سيصبح الائتلاف خماسيا بعد التحاق كتلتي وفاء والحرية والكرامة في المجلس التأسيسي بالائتلاف القائم مع المؤتمر والتكتل»، وأوضح الغنوشي أن هناك إمكانية لتحييد وزارتي الخارجية والعدل من أجل ائتلاف قوي يقود المرحلة الحالية إلى موعد الانتخابات. كما أشار إلى أن مسألة ترشح أعضاء الحكومة المقبلة من عدمه للانتخابات المرتقبة نهاية العام الجاري لم يتم البت فيها.

وإلى جانب الملفات السياسية والأمنية الشائكة، تنتظر الحكومة الجديدة مطالب اجتماعية وتنموية متراكمة طوال نصف قرن من الزمن على غرار عربة العاطلين عن العمل التي تتسع لقرابة 800 ألف عاطل من بينهم نحو 300 ألف من خريجي الجامعات التونسية وسيضاف لرصيد العاطلين عشرات الآلاف من الحاصلين على شهادات جامعية بنهاية السنة الجامعية الحالية أي مع بداية شهر يوليو (تموز) المقبل. ولئن ذكر عبد الوهاب معطر وزير التشغيل في الحكومة السابقة في حوارات إعلامية أن عدد من ادمجوا في سوق الشغل سنة 2012 قدر بنحو 100 ألف عاطل عن العمل، فإن أطرافا معارضة ترى أن السلطات قد احتسبت التشغيل الهش أو ما يسمى بـ«البطالة المقنعة» من خلال عملة الحضائر وبعض المشاريع الخاصة البسيطة.

ولا يخفى على الحكومة الجديدة مقدار التحدي الاجتماعي الذي ينتظرها خاصة على مستوى التشغيل والتنمية في الجهات مصدر معظم الاضطرابات الاجتماعية والاحتجاجات والاعتصامات، ويقلل خبراء الاقتصاد من إمكانية حل الملفات كلها دفعة واحدة ويدعون الفئات الاجتماعية المتعطشة للاستقرار الاجتماعي والاقتصادي إلى المزيد من الانتظار حتى يستعيد النسيج الاقتصادي عافيته من جديد.

وفي هذا الشأن قال سعد بومخلة أستاذ علم الاقتصاد في الجامعة التونسية لـ«الشرق الأوسط» إن الوصفة السحرية لحل مشكل التنمية في تونس غير متوفرة لدى أي حزب أو طيف سياسي، ويرى أن الحل سيكون بالتدرج في كل الحالات واعتبر أن جيلا كاملا من العاطلين سيبقى للأسف على الرفوف على حد تعبيره فهو ضحية النظام السابق وسيواصل في موقع الضحية بسبب الفترة الانتقالية وتراجع نسبة النمو الاقتصادي السنوي خلال السنة الأولى للثورة إلى ما تحت الصفر. وأشار بومخلة إلى أن الحل الأمثل يمكن في ملاءمة جدية بين سوق الشغل ونموذج التعليم والتكوين حتى لا يتخرج من الجامعات التونسية إلا من يجد منفذا إلى سوق الشغل وهذا يتطلب بعض الوقت اعتبارا إلى أن النموذج السابق لم يلائم بين التكوين والتشغيل.

ويرى بومخلة أن هيكلة سوق الشغل قد تغيرت بعد الثورة وأصبحت في حاجة إلى اختصاصات مهنية باتت غير متوفرة مما يوحي بدخول المشهد بأكمله مرحلة اضطراب قد تطول بفعل الطلب المتزايد على الاختصاصات والمهارات المهنية خاصة على مستوى السوق الليبية المجاورة التي جذبت الكثير من الاختصاصات وأفرغت السوق من كثير الكفاءات مما جعلها في حالة صعبة في الوقت الحالي على حد تعبيره.