الصين تعاقب معارضيها بالحرمان من جواز السفر

14 مليون متضرر غالبيتهم من مسلمي الأويغور والتيبتيين والباحثين المنشقين

هو بينغ رئيس تحرير صحيفة مؤيدة للديمقراطية في نيويورك لم يسمح له مشاهدة أفراد أسرته في الصين منذ 1987 (نيويورك تايمز)
TT

أمضى ملايين الصينيين من الطبقة الوسطى الذين يملكون أموالا وفيرة ويتوقون لمشاهدة العالم، إجازة العام القمري الجديد التي دامت عشرة أيام وانتهت الاثنين، في أماكن مثل باريس وبانكوك ونيويورك.

وفي العام الماضي، سجل الصينيون رقما قياسيا في عدد الرحلات للخارج، حيث بلغ عددها 83 مليون رحلة، بزيادة 20 في المائة عن عام 2011، وزيادة خمسة أضعاف عن عقد مضى.

لكن رغم ذلك، فإن صن ونغوانغ، أستاذ الاقتصاد المتقاعد من إقليم شاندونغ، لم يكن بين هؤلاء الذين خاضوا مغامرات بالخارج. وليس ذلك باختياره. فبوصفه كاتبا تعرض كتبه تقييما نقديا لحكم الحزب الشيوعي، منع صن (79 عاما) مرارا من حمل جواز سفر دون مبرر، وقال: «كم أتمنى زيارة ابنتي في أميركا وأخي البالغ من العمر 90 عاما في تايوان، لكن السلطات لديها آراء أخرى. أشعر كأنني أعيش في قفص». يعد صن من بين مجموعات من الصينيين الذين منعوا من السفر للخارج من قبل الحكومة التي تزيد من استخدام قراراتها المتعلقة بجوازات السفر كعصا لضرب خصومها، أو كجزرة لتشجيع الأكاديميين الذين خرجت كتاباتهم في بعض الأحيان عن مسار الحزب للعودة إلى الوطن.

يقول وو زيهينغ، وهو معارض للنظام وزعيم روحي بوذي من جنوب إقليم غواندونغ ومنعته محاولاته الفاشلة للحصول على جواز سفر من قبول ما لا يقل عن اثنتي عشرة دعوة لإلقاء كلمات في أوروبا وأميركا الشمالية: «إنها مجرد وسيلة أخرى لمعاقبة الأفراد الذين لا يروقون لهم». تمتد القيود المفروضة على جوازات السفر في الصين إلى أفراد الجيش بالرتب المتدنية ورهبان التيبت، بل حتى أفراد الأمن الذين ينظرون في طلبات الحصول على جوازات سفر.

ويقول مخبر شرطة في بكين عمره 28 عاما: «أشعر بغيرة شديدة عندما أرى كل أصدقائي يقضون إجازات في سنغافورة أو تايلاند، لكن السبيل الوحيد الذي أستطيع من خلاله الانضمام إليهم هو ترك وظيفتي».

ويقول محامون ونشطاء حقوقيون إن عدد هؤلاء المتضررين قد زاد في السنوات الأخيرة، مع زيادة عدد سكان التيبت ومسلمي الأويغور، الأقلية التي تتحدث التركية من أقصى غرب الصين، والذين لا يكونون مؤهلين للحصول على منح بالخارج أو ترتيب إلقاء كلمات أو الانضمام إلى مجموعات زيارة المعالم السياحية المنظمة التي تقل أعدادا ضخمة من الصينيين إلى عواصم أجنبية.

ورغم أن الحكومة لا تنشر أرقاما تتعلق بهؤلاء الذين تم حرمانهم من الحصول على جوازات سفر، فإن الجماعات الحقوقية تشير إلى أن عددهم لا يقل عن 14 مليون شخص، معظمهم مصنف رسميا باعتباره من مسلمي الأويغور أو سكان التيبت والذين تأثروا بشكل مباشر بالقيود المفروضة، مثلما حدث مع مئات المنشقين الدينيين والسياسيين. ورفض ممثل بإدارة الدخول والخروج بمكتب الأمن العام مناقشة سياسات جوازات السفر التي تنتهجها الدولة.

وبالمثل، تؤثر القيود التي تبدو تعسفية، والمشابهة لتلك التي تبناها الاتحاد السوفياتي السابق لفترة طويلة، على الصينيين بالخارج ممن اعتادوا القيام بزيارات متكررة إلى أرض الوطن. وحرمت أعداد هائلة من المغتربين الصينيين من الحصول على جوازات سفر جديدة من قبل السفارات الصينية، بعد انتهاء مدة سريان جوازاتهم القديمة، فيما يقول آخرون إنه يتم رفض قبولهم بعد وصولهم بكين أو شنغهاي أو هونغ كونغ.

يرافق العائدين الذين تظهر أسماؤهم على قائمة سوداء ضباط مراقبة الحدود في رحلة المغادرة المقبلة. وحتى إذا كانت نادرا ما تقدم لهم تبريرات لترحيلهم، فإن كثيرين من هؤلاء الذين يتم ترحيلهم يشكون في أن هذا يعتبر عقابا على نشاطهم المعادي للحكومة بالخارج. ويقول هو بينغ، رئيس تحرير صحيفة مؤيدة للديمقراطية في نيويورك لم يسمح له بمشاهدة أفراد أسرته في الصين منذ عام 1987: «مقارنة بأشكال أخرى من الاضطهاد السياسي، فإن الحرمان من حق العودة إلى الوطن يبدو ضررا بسيطا، لكنه انتهاك واضح لحقوق الإنسان».

كذلك، فحتى هؤلاء الذين يحملون جوازات سفر سارية يكونون عرضة لأهواء السلطات، ففي يوم 6 فبراير (شباط)، حرم وانغ زونغشيا (28 عاما)، وهو ناشط صيني كان قد خطط لمقابلة زعيمة المعارضة في ميانمار أونغ سان سو تشي، من السفر على متن طائرة متجهة إلى ميانمار من مدينة قوانغشتو (جنوب الصين)، وبعد أربعة أيام، منع إلهام توهتي، الأستاذ الأكاديمي والمدافع عن حقوق مسلمي الأويغور في الصين، من السفر إلى الولايات المتحدة. وقال توهتي، الذي كان من المقرر أن يبدأ منحة دراسية مدتها عام في جامعة إنديانا، إنه تم التحقيق معه في مطار بكين الدولي لنحو 12 ساعة من قبل ضباط رفضوا شرح سبب إيقافه. ومن شقته في العاصمة، يقول توهتي إن الأويغور قد واجهوا صعوبات في الحصول على جوازات سفر، لكن السلطات قد جعلت ذلك أمرا شبه مستحيل في السنوات الأخيرة، ويقول: «نشعر بأننا مواطنون من الدرجة الثانية في بلدنا».

بعد مضي عقود على تولي الشيوعيين السلطة في عام 1949، لم يبق أمام معظم الصينيين سوى الحلم بالسفر إلى الخارج؛ حيث إن القلة القليلة التي تمكنت من مغادرة بكين استطاعت في كثير من الأحيان الهرب بتفادي حرس الحدود والسباحة عبر المياه المليئة بأسماك القرش للوصول بعد ذلك إلى هونغ كونغ الخاضعة للحكم البريطاني. ومع انفتاح الصين على العالم الخارجي في مطلع عام 1980، بدأت الحكومة منح جوازات سفر وتأشيرات خروج لطلاب الدراسات العليا الذين لديهم خطابات قبول من الجامعات بالخارج.

ولكن كل ذلك تغير في عام 1991 عندما أصدرت بكين قوانين تسمح للصينيين بالانضمام إلى رحلات جماعية إلى «جهات معتمدة» في جنوب شرقي آسيا، وبعد ذلك بعامين، الانتقال إلى الولايات المتحدة وأوروبا، بينما في هذه الآونة، يمكن لأعضاء طائفة الهان التي تشكل غالبية السكان في الصين الحصول على جواز سفر في غضون خمسة عشر يوما.

تبقى هذه القواعد أكثر صعوبة بالنسبة لكل من سكان التيبت والأويغور، وهما الفئتان اللتان يجب أن تحصلا على موافقات من عدة جهات تتسم بالبيروقراطية، بما في ذلك السلطات المحلية، ومكتب الأمن العام بمسقط رأس مقدم الطلب، بينما يتوجه الطلاب إلى مديري الجامعات. وتقول تسيرينغ ووزر، وهي كاتبة من التيبت حاولت الحصول على جواز سفر منذ عام 2005 وفشلت، إن الدافع وراء هذا الرفض هو المخاوف من أن مجرد سفر الأقليات للخارج سيجعلها تنتقد سياسات الصين العرقية القمعية، أو بالأحرى قد يقيم المغادرون علاقات بالجماعات الموجودة في المنفى.

قامت السلطات منذ أبريل (نيسان) الماضي بمصادرة جوازات سفر من سكان التيبت الذين أسعدهم الحظ بما فيه الكفاية ليحصلوا عليها بالأساس. ووفقا لوثائق تم الحصول عليها من قبل منظمة «هيومان رايتس ووتش»، طالبت شرطة التيبت باستجواب العائدين وتحديد ما إذا كانوا خالفوا التعهد الذي وقعوا عليه بعدم المشاركة في أنشطة «تضر بأمن الدولة ومصالحها» خلال وجودهم خارج البلاد.

تم وضع هذه الإجراءات الجديدة بعد حضور آلاف من سكان التيبت تجمعا في الهند شهد حضور الدالاي لاما، الزعيم الروحي الذي تعتبره بكين منشقا. ويقول المنفيون التيبتيون إن القيود تهدف أيضا للحد من وصول المعلومات حول الموجة الأخيرة من حالات الانتحار حرقا إلى العالم الخارجي.

لاقت الإحباطات التي أصابت هؤلاء المتضررين من تلك القواعد المشددة انتقادا علنيا بصورة نادرا ما تحدث بعدما قامت طالبة جامعية من الأويغور عمرها 21 عاما بنشر مدونة عن محاولتها الفاشلة الحصول على جواز سفر؛ حيث قالت الطالبة التي تدعى أتيكيم روزي، إن سلسلة الرفض المتكررة لطلبها بددت آمالها في الدراسة بالخارج.

* خدمة «نيويورك تايمز»