وفاة الأسير جرادات تشعل الغضب في رام الله والخوف في تل أبيب.. وتقرب انتفاضة ثالثة

نتنياهو يطلب من عباس وقف المواجهات ويتعهد بتحويل أموال.. والسلطة تريد تحقيقا دوليا

TT

تصدرت حادثة وفاة معتقل فلسطيني في السجون الإسرائيلية، المشهد، في إسرائيل والضفة الغربية، بعدما تحول الغضب الفلسطيني إلى ما يشبه انتفاضة جديدة، رفع الجيش الإسرائيلي معها كل الاستعدادات الضرورية لمنع «تدهور أمني»، وأرسل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس، يطالبه بالتدخل لمنع هذه الانتفاضة، ومغريا السلطة بالإفراج عن الأموال الفلسطينية المحتجزة، في محاولة لتهدئة الخواطر.

وجاءت وفاة عرفات جرادات، عمره 30 عاما، في وقت شديد الحساسية، بينما تشتعل الضفة الغربية في الأساس، احتجاجا على مواصلة احتجاز إسرائيل 4 أسرى مضربين عن الطعام، وفي وقت تحذر فيه الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من انفجار وشيك في الضفة بسبب انعدام الأفق السياسي والاقتصادي.

واتهمت السلطة الفلسطينية فورا إدارة السجون الإسرائيلية بتعذيب جرادات حتى الموت، رافضة الرواية الإسرائيلية عن تعرضه لذبحة قلبية وحسب.

وقال وزير شؤون الأسرى عيسى قراقع، إن جرادات قضى جراء خضوعه للتعذيب القاسي خلال التحقيق معه في معتقل الجلمة. وطالب قراقع بلجنة تحقيق دولية محايدة للتحقيق في ظروف استشهاد جرادات. ونشرت وزارة الأسرى، تقريرا لمحامي جرادات، كميل صباغ، أوضح فيه أن الأسير المتوفى، كان تعرض للشبح والتعذيب لساعات طويلة في معتقل الجلمة، على أيدي محققين إسرائيليين.

وقال صباغ إنه حضر جلسة تمديد توقيف جرادات، التي عقدت الخميس الماضي، وشاهده يجلس على كرسي خشبي مقابل القاضي، «وكان منحني الظهر وتبدو عليه علامات الإرهاق والتعب الشديدين، وأخبرني بأنه يعاني ألما حادا في الظهر وأخرى في مناطق متفرقة من جسده، بسبب ضربه وشبحه لساعات طويلة على كرسي التحقيق».

وطالب قراقع بالتحقيق الدولي مع الشاباك الإسرائيلي حول طرائق تعذيب المعتقلين الفلسطينيين. وأضاف: «إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي تشرع التعذيب، وتوفر الحصانة لمحققيها». ويرى قراقع أن أبلغ رد على الجرائم الإسرائيلية، اتخاذ قرار سياسي فلسطيني دولي، بالانضمام لاتفاقيات جنيف الثالثة والرابعة، «لتكريس الحماية الدولية للأسرى وفق القوانين الدولية، كي تكف إسرائيل عن معاملة الأسرى كمجرمين».

ويوجد في السجون الإسرائيلي قرابة 5000 أسير، أضربوا جميعهم عن الطعام، أمس، حدادا على جرادات. وتشير إحصاءات رسمية فلسطينية إلى أن 71 أسيرا قضوا جراء التعذيب منذ عام 1967، من مجموع 203 استشهدوا داخل السجون.

وفورا، طلب رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض ضرورة كشف الأسباب الحقيقية التي أدت إلى استشهاد جرادات، وعلى وجه السرعة، مضيفا: «لا يمكن إعفاء الاحتلال من المسؤولية، حيث لا يمكن فصل واقعة الوفاة عن كونها وقعت في ظروف اعتقال، وفي سجون الاحتلال داخل إسرائيل، الأمر الذي يشكل بحد ذاته مخالفة صريحة لاتفاقية جنيف الرابعة».

وينحدر جرادات من قرية سعير في الخليل جنوب الضفة الغربية. وتحول منزله إلى محج لكل المتضامنين والمسؤولين الفلسطينيين، بينما علت صرخات والدته عاليا وانزوى أشقاؤه يبكون وفاته. وجرادات متزوج ولديه طفلان في عمر الزهور، وكان يعمل في محطة محروقات في بلدته، واعتقلته إسرائيل قبل 6 أيام بتهم إلقاء الحجارة.

وأججت حادثة وفاة جرادات الغضب الذي ترجم إلى مظاهرات أكثر عنفا، واشتبك متظاهرون مع الجيش الإسرائيلي في الخليل ورام الله وجنين وطولكرم وبيت لحم. ورشق متظاهرون غاضبون الجيش الإسرائيلي بالحجارة والزجاجات، ورد الجيش بإطلاق قنابل الغاز والرصاص المطاطي.

وفي غزة، خرج متظاهرون غاضبون إلى الشوارع، وتعهد مسؤولون في حماس بالعمل على الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين بأي ثمن، بما في ذلك اختطاف جنود إسرائيليين. ودوى صدى الغضب الشعبي في الضفة وغزة فورا في تل أبيب، وطالبت إسرائيل السلطة الفلسطينية بشكل «لا يقبل التأويل» بالعمل على تهدئة الخواطر في المناطق الفلسطينية.

وأرسل رئيس الوزراء الإسرائيلي رسالة مع مبعوثه يتسحاق مولخو إلى الرئيس الفلسطيني، يطلب منه وقف المواجهات الميدانية في الضفة الغربية، خشية اندلاع انتفاضة ثالثة، وتعهد نتنياهو بتحويل مستحقات الضرائب إلى السلطة الفلسطينية عن شهر يناير (كانون الثاني) الماضي وبشكل فوري.

وثمة قلق في إسرائيل من تفجر الأوضاع في الضفة الغربية بشكل لا يمكن السيطرة عليه.

وطالبت رئيسة حزب ميرتس، زهافا غالؤون، من نتنياهو الإعلان عن الخطوات التي ينوي اتخاذها لمنع اندلاع انتفاضة ثالثة في الضفة الغربية.

وجاء في طلب رفعته غالؤون إلى رئيس الكنيست المؤقت، بنيامين بن أليعزر «يجب على نتنياهو الكشف عن حقيقة الأوضاع في المناطق الفلسطينية».

وحذرت رئيسة ميرتس من أن المناطق على شفا انفجار شديد، بسبب ما وصفته بقصور الحكومة على الصعيدين الأمني والسياسي. ويعتبر هذا موقف الأجهزة الأمنية الإسرائيلية.

وأصدر رئيس الأركان الإسرائيلي، الجنرال بيني غانتس، تعليماته إلى قادة قوات الجيش باستكمال كل الاستعدادات الضرورية، تحسبا لاستمرار الانتفاضة بما يؤدي إلى تدهور الأوضاع أمنيا في الضفة الغربية.

وسيشارك كبار ضباط الجيش هذا الأسبوع في اجتماع خاص لدراسة كل السيناريوهات المحتملة في المناطق والخطط التي أعدت للتعامل معها.

وقالت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، إن المسؤولين الإسرائيليين، مقتنعون أكثر من أي وقت بأن المنطقة على أبواب «انتفاضة جديدة»، لكن ثمة تقدير في إسرائيل كذلك أن السلطة الفلسطينية لن تسمح بتصعيد الموقف قبل زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى المنطقة الشهر المقبل.