أحمدي نجاد يعترف بوجود صعوبات اقتصادية على بلاده

الرئاسة تحتج بعد قطع تلفزيون الدولة مقابلة مع الرئيس الإيراني لإذاعة مسلسل مثير

نجاد يستقبل فريق المصارعة الحرة الأميركي في خطوة غير مسبوقة (أ.ب)
TT

اعترف الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، بوجود مصاعب اقتصادية جمة تواجهها بلاده، متهما الولايات المتحدة تحديدا بممارسة ضغوط كبيرة على طهران، من خلال تنفيذ عقوبات اقتصادية صارمة.

بينما اعتبر مصدر في الخارجية الأميركية، لـ«الشرق الأوسط»، أن الرئيس الإيراني لا يلوم إلا نفسه. وقال المصدر، ان العقوبات على إيران، سواء الدولية أو الأوروبية والأميركية، ما كانت ستفرض إذا التزمت إيران بقرارات مجلس الأمن حول برنامجها النووي. وقال أحمدي نجاد، في اعتراف نادر، خلال مقابلة مع محطة تلفزيونية إيرانية: «كان هذا عاما صعبا للغاية بالنسبة لاقتصادنا»، وأضاف في المقابلة التي عرض فيها أيضا ملامح خطة الميزانية الوطنية التي سيتم الكشف عنها، بعد غد (الأربعاء)، أن «الولايات المتحدة تستخدم قوتها الاقتصادية الهائلة لممارسة ضغوط غير عادلة على الاقتصاد الإيراني الأصغر بكثير».

واحتج مكتب الرئاسة الإيراني، أمس، على قرار شبكة التلفزيون الحكومية «آي آر آي بي»، بالقطع المفاجئ لمقابلة على الهواء مع أحمدي نجاد، لتبث بدلا عنها مسلسلا يحظى بشعبية عارمة. وركزت المقابلة مع الرئيس، التي بثت مساء أول من أمس على الاقتصاد. وبعد ساعة واحدة، قطعت المقابلة بشكل غير متوقع لبث المسلسل التلفزيوني. ولم توضح الشبكة السبب وراء قطعها المقابلة التي استؤنفت بعد منتصف الليل. يذكر أن أحمدي نجاد يتعرض حاليا لانتقادات لاذعة بسبب طريقة تعامله مع الاقتصاد. واستغل الرئيس، الذي تنتهي مدة ولايته الثانية والنهائية في يونيو (حزيران)، المقابلة للدفاع عن نفسه وعن سياسات حكومته. ويرأس الشبكة التلفزيونية عزت الله ضرغامي، وهو شخصية محافظة وموالية للمرشد الأعلى في إيران آية الله علي خامنئي. ودأب ضرغامي على انتقاد الرئيس، لكن مراقبين يقولون إنه نجح إلى حد كبير في الحفاظ على حيادية الشبكة وسط صراع السلطة الدائر بين المحافظين وفصيل أحمدي نجاد.

وفي وقت سابق، أمس، التقى أحمدي نجاد مع أكبر خصمين سياسيين له، هما الأخوان علي لاريجاني، رئيس البرلمان الإيراني، وصادق لاريجاني رئيس السلطة القضائية، حيث تمت مناقشة سلسلة من قضايا اقتصادية وأخرى محلية ودولية، في وقت تستعد فيه إيران للدخول في جولة جديدة من المحادثات بشأن أنشطتها النووية، مع ممثلي الولايات المتحدة، و5 قوى عالمية أخرى تعقد في ألمآتي، بكازاخستان، يوم غد (الثلاثاء).

وبثت محطات تلفزيونية إيرانية، أمس، لقطات من اجتماع الرئيس أحمدي نجاد، والأخوين لاريجاني، وكررتها على مدار اليوم، في مسعى على ما يبدو لتخفيف حدة التوتر المتصاعدة بين طرفي السلطة في إيران. واجتمع المسؤولون الثلاثة لمدة 90 دقيقة في مكتب رئيس البرلمان، حسب وسائل الإعلام الإيرانية، حيث تمت مناقشة قضايا، الأزمة السورية، والملف النووي، والميزانية الوطنية، وارتفاع الأسعار في البلاد. وعلى الرغم من أن ملامح المسؤولين الثلاثة لم يبدُ عليها الارتياح خلال لقطات التلفزيون، فإن هذه الخطوة فسرت على أنها أول علامة على استجابة الطرفين، لدعوة وجهها الأسبوع الماضي المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، لوضع خلافاتهم جانبا. وقال خامنئي وقتها: «إن تحركات العدو أصبحت أكثر كثافة، تستدعي معها تعزيز العلاقات الداخلية».

وأكد أحمدي نجاد في المقابلة التلفزيونية، أن بلاده ستقلص اعتمادها على إيرادات النفط، وتعزز الصادرات غير النفطية في ميزانيتها لمواجهة التأثير الشديد للعقوبات الاقتصادية. ومن المقرر تقديم الميزانية إلى البرلمان يوم الأربعاء لمناقشتها، ومن المرجح إدخال تعديلات عليها قبل التصويت الذي سيسبق انتخابات تجري في يونيو (حزيران) وسط أجواء اقتصادية قاتمة. وشأنها شأن الميزانيات السابقة، من المستبعد أن تنتهي عملية المراجعة في أقل من شهر، بل قد تطول لعدة أشهر إضافية. ومن المرجح أيضا أن تنشب مناقشة حادة وخلافات سياسية بين الرئيس الإيراني ومعارضيه في البرلمان الذين يتهمونه بسوء الإدارة المالية، وهو ما يقولون إنه السبب الرئيسي للأوجاع الاقتصادية لإيران.

ونقلت وكالة أنباء فارس عن أحمدي نجاد قوله إن «تطورات من خارج اقتصادنا أثرت، وثمة عوامل مؤثرة من الخارج. إذا أضرت تقلبات حادة بدخل النفط، فإنها ستؤثر بالتأكيد»، وذلك في إشارة على ما يبدو إلى العقوبات التي خفضت صادرات إيران النفطية بمقدار النصف تقريبا.

وقال أحمدي نجاد: «علينا أن نتجه لخفض الاعتماد على إيرادات النفط في اقتصادنا، وزيادة الاعتماد على مصادر أخرى للدخل مثل الصادرات غير النفطية التي تنمو بشكل سريع». وأضاف أن الصادرات غير النفطية، إضافة إلى الخدمات الفنية والهندسية، يمكن أن تصل إلى 75 مليار دولار العام المقبل، بزيادة قدرها 50 في المائة عن الأرقام المتوقعة للسنة الحالية، التي تنتهي في 19 مارس (آذار). ويقول مسؤولون إيرانيون إن تلك الصادرات تشمل مكثفات الغاز والمنتجات الكيماوية والإسمنت والسيارات والمنتجات الزراعية. من جهته، قال موقع وزارة النفط الإيرانية، أمس، إن إيران فتحت منشأة جديدة قادرة على تخزين نصف مليون برميل من النفط في منطقة بهركان. ونقل الموقع عن محمد باقر سليمان، مدير الإنتاج في شركة النفط البري الإيرانية، قوله أثناء الافتتاح إن الصهريج الذي تبلغ طاقته الاستيعابية 500 ألف برميل يرفع طاقة تخزين النفط في بهركان إلى 4 ملايين برميل. وقال إنه سيجري بناء صهريج تخزين آخر بالمنطقة نفسها، وإن الصهريجين إلى جانب وحدة تخزين عائمة بطاقة 2.3 مليون برميل ستجعل بهركان منطقة تخزين رئيسية للنفط.

ولدى إيران طاقة تخزين برية للنفط تتجاوز 20 مليون برميل في جزيرة خرج و5 ملايين أخرى في جزيرة لاوان، لكن من المعتقد أن هذه المنشآت قد امتلأت عن آخرها، بسبب تراجع الصادرات في العام الماضي.

واكتوى اقتصاد إيران على مدى العام الماضي بنيران عقوبات مشددة نالت من قطاعي النفط والبنوك فرضتها الولايات المتحدة وحلفاؤها على طهران بسبب أنشطتها النووية. وقدرت وكالة الطاقة الدولية، الأسبوع الماضي، أن صادرات إيران النفطية ربما هبطت إلى أقل من مليون برميل يوميا في يناير (كانون الثاني) من 2.2 مليون برميل يوميا، في أواخر 2011، مما كبد طهران خسائر تزيد عن 40 مليار دولار جراء تراجع إيرادات النفط العام الماضي.

وأدت الضغوط المالية إلى ارتفاع كبير في معدلات التضخم والبطالة وهبوط الإنتاج وتراجع حاد في الاستثمارات. وتسعى الحكومة الإيرانية لخفض إنفاقها، من خلال تقييد حصول رجال الأعمال والأفراد على النقد الأجنبي، وحظر استيراد المنتجات الفاخرة لاحتواء تدفق النقد الأجنبي إلى الخارج. وزادت صعوبة تدبير العملة الصعبة، منذ أن أصبحت الهند، وهي مشترٍ رئيسي للنفط الإيراني غير قادرة على دفع ثمن نصف وارداتها من إيران باليورو، بسبب العقوبات.

من جهة ثانية، أعرب رئيس الوزراء الباكستاني، راجا برويز أشرف، عن نية حكومته المضي قدما نحو تنفيذ مشروع مقترح بإنشاء خط أنابيب للغاز مع إيران، من أجل التغلب على أزمة الطاقة التي تعاني منها بلاده، على الرغم من تهديد وزارة الخارجية الأميركية بفرض الإدارة الأميركية عقوبات اقتصادية على باكستان، في حال لم تستجب واستمرت في تنفيذ المشروع. وقال خلال حديثه مع صحافيين في أحياء سينده الريفية: «تواجه باكستان أزمة طاقة، ونريد أن ننهي هذه المشكلة بأسرع وقت ممكن»، مع ذلك تفادي التعليق تحديدا على بيان المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، التي حذرت فيه من فرض عقوبات على باكستان إذا لم تنسحب باكستان من هذا المشروع».

وقالت المتحدثة يوم الجمعة الماضي: «نعتقد أن هناك طرقا أفضل وأكثر أمانا وفاعلية يمكن أن تحصل بها باكستان على الطاقة. لقد أوضحنا للدول حول العالم بما فيها باكستان أننا نعتقد أنه من مصلحتها عدم الانخراط في أنشطة تتنافى مع العقوبات المفروضة، من قبل الأمم المتحدة أو مع القانون الأميركي». وقال رئيس الوزراء إن أزمة الطاقة أصبحت عبئا ثقيلا على اقتصاد البلاد. وأوضح أن الجميع يعلم أن الهند كانت مشاركة في المشروع فيما سبق. وأشار رئيس الوزراء إلى حاجة باكستان الماسّة لمصادر طاقة يمكن الاعتماد عليها، وإلى رغبة الحكومة في إيجاد حل واضح لهذه المشكلة بأسرع وقت ممكن. وبدأ مشروع خط الأنابيب الإيراني - الباكستاني في 20 فبراير (شباط) بالجزء الباكستاني من خط الأنابيب الذي سينقل الغاز الطبيعي من إيران إلى باكستان. ويمتد خط الأنابيب من منطقة الحدود بين البلدين إلى منطقة نواب شاه في باكستان بطول 781 كلم من إجمالي 1881 كلم. وقد عبرت واشنطن أكثر من مرة عن عدم رضاها عن هذا المشروع المشترك، لكن نفت الحكومة الباكستانية شائعات انسحابها من المشروع، في ظل المحاولات الأميركية لإقناعها بالعدول عن هذا المشروع. وتتراوح التكلفة المتوقعة لهذا المشروع بين 1.2 و1.5 مليار دولار، وسيتيح لإيران تصدير 21.5 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي إلى باكستان يوميا. وقد انتهت إيران بالفعل من بناء ما يزيد على 900 كلم من خط الأنابيب على أراضيها.