زعيم «التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية» الجزائري: حان الوقت لتقليص صلاحيات الرئيس الجمهورية

محسن بلعباس قال لـ «الشرق الأوسط» إن جهاز المخابرات يتدخل كثيرا في الشؤون السياسية

TT

قال محسن بلعباس، رئيس حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية الجزائري، إن السبب الحقيقي وراء تأخر تعديل الدستور، رغم مرور نحو عامين على إعلان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عن حزمة إصلاحات سياسية، هو أن «السلطة كانت لا تملك النية الحقيقية في الذهاب إلى تعديل الدستور، وحينما قبلت بإقرار إصلاحات سياسية كان هدفها ربح الوقت لا غير».

وأوضح بلعباس في حوار مع «الشرق الأوسط» أنه «حان الوقت لتقليص صلاحيات رئيس الجمهورية في التعديل الدستوري المرتقب، لأن رئيس الجمهورية يمتلك صلاحيات كثيرة جدا». وبخصوص ترشح الرئيس بوتفليقة لولاية رئاسية رابعة، قال بلعباس «الرئيس حاليا غير قادر على أداء مهامه على أكمل وجه، وبالتالي يجب تنحيه». وكشف بلعباس أن «جهاز المخابرات في الجزائر يتدخل كثيرا في تسيير الشؤون السياسية، ويتدخل في تسيير شؤون الأحزاب»، مشيرا إلى أن «الكثير من الحركات التصحيحية التي تشهدها الأحزاب السياسية يقف وراءها جهاز المخابرات». واعتبر بلعباس أن «الذي يحدث في مالي دليل فشل الدبلوماسية الجزائرية». وفي ما يلي نص الحوار:

* من جملة الإصلاحات التي أعلن عنها الرئيس بوتفليقة منذ عامين تعديل الدستور، إلا أن هذا التعديل لم يتم حتى الآن، لماذا تأخر ذلك؟

- منذ إعلان الرئيس بوتفليقة عن مشروع الإصلاحات في أبريل (نيسان) 2011، بعد مسيرات شعبية مطالبة بالتغيير، كان حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية في مقدمتها، رأينا أن هناك خداعا للرأي العام الوطني والدولي، لأن هدف السلطة من خلال الإصلاحات المعلن عنها كان هو ربح الوقت فقط، ورأينا أن الإصلاحات القليلة التي أعلن عنها كرست تراجعا في الممارسة الديمقراطية. ووفقا لخطاب الرئيس كان تعديل الدستور يشكل أولوية ضمن مشاريع الإصلاح المقترحة، والكل كان ينتظر أن يكون هذا التعديل قبل نهاية 2011، لكن السلطة تحايلت، مرة أخرى، على الرأي العام، وخادعت الجزائريين بالإعلان عن انتخابات تشريعية، قالت إنها ستكون انتخابات سنذهب من خلالها إلى إنشاء مجلس تأسيسي، وقلنا آنذاك إنه لا يمكن أن يكون هناك مجلس تأسيسي، لأن المجلس التأسيسي معناه انتخاب مجلس لديه مهمة واحدة فقط، هي صياغة دستور جديد، وثبت أن الانتخابات التشريعية الماضية كانت عادية إذ تم انتخاب برلمان لمدة خمس سنوات. وخلال الانتخابات الماضية أيضا قلنا إن هناك وعدا من طرف السلطة بتعديل الدستور، وهذا الوعد لم يجسد بعد، وهو أمر غير مقبول، وبالتالي يجب أن نضغط على السلطة لتجسيد هذا المطلب الشعبي، لأن تعديل الدستور ليس مطلب حكومة مثل الذي حدث في 2008 حين تم اغتصاب الدستور وليس تعديله.

* يرى البعض أن التأخر الحاصل في تعديل الدستور يعود إلى وجود صراع في أعلى هرم السلطة يتعلق بالانتخابات الرئاسية المقبلة، وبعض التقارير تشير إلى وجود مقترح في اتجاه تمديد الولاية الرئاسية إلى سبع سنوات، وهو ما يعني استمرار الرئيس بوتفليقة في ممارسة مهامه الرئاسية حتى 2016..

- لا أظن أن الأمر يتعلق بالأسباب التي ذكرتموها، المشكلة الحقيقية تكمن في أن السلطة لم تكن لديها نية حقيقية في الذهاب إلى تعديل الدستور، لذلك قلنا إن تعديل الدستور كان مطلب الشارع وليس مطلب السلطة، وحينما قبلت السلطة بإقرار إصلاحات سياسية كان هدفها ربح الوقت لا غير. وتعديل الدستور بالنسبة إلينا لا يتعلق بكيفية انتخاب الرئيس أو تعيين نائب له، أو إعادة تقسيم الصلاحيات بين رئيس الدولة ورئيس الوزراء.. تعديل الدستور يجب أن يتم من خلاله تحديد آليات للفصل الفعلي بين السلطات الثلاث، ويجب من خلال هذه العملية إعادة النظر في هيكلة الدولة، والحد من استعمال الدين في السياسة، وترسيم اللغة الأمازيغية. ويجب أيضا إعادة النظر في عدد ومدة الولاية الرئاسية. ونحن نرى ضرورة تحديد الولاية الرئاسية لمرتين فقط، مع تقليص مدتها من خمس سنوات إلى أربع سنوات، كما نرى أنه حان الوقت لتقليص صلاحيات رئيس الجمهورية لأنه يملك صلاحيات كثيرة جدا.

* في حال ترشح الرئيس بوتفليقة لولاية رابعة العام المقبل، كيف سيكون موقفكم إزاء ذلك؟

- نحن في التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية لم تكن لنا يوما مشكلة مع الأشخاص، ومن خلال اللائحة التي صوتنا عليها في المجلس الوطني الأخير قلنا إنه حان الوقت لتنحية الرئيس الحالي، تطبيقا للدستور الذي ينص في المادة 88 على أنه إذا كان هناك مانع يحول دون ممارسة الرئيس لمهامه بشكل كامل فيجب تنحيه.

* تبعا لحديثكم فإن الرئيس بوتفليقة لا يمكنه أن يمارس مهامه بسبب وضعه الصحي، أليس كذلك؟

- نعم الرئيس حاليا غير قادر على أداء مهامه في أكمل وجه، وبالتالي يجب تنحيه، وحتى إن كانت هناك انتخابات فإن الرئيس بوتفليقة لن يتمكن من استيفاء شروط الترشح قانونا، لا سيما من الجانب الصحي، لأن القانون واضح، إذ ينص على أنه يجب على المرشح أن يتمتع بكامل صحته. ونحن نقول حان الوقت للذهاب إلى انتخابات حقيقية ونزيهة، وعن طريق الانتخابات سيكون هناك رئيس. نحن البلد الوحيد في العالم الذي نقول قبل الانتخابات بأن ذلك الشخص يجب أن يكون هو الرئيس، وهذا أمر غير مقبول، يجب أن يكون الاختيار للشعب.

* الحديث عن الانتخابات الرئاسية المقبلة يقودنا إلى الحديث عن الحراك السياسي الذي تعيشه مختلف الأحزاب السياسية في الجزائر، من خلال ظهور ما يسمى بـ«الحركات التصحيحية» داخل الأحزاب، والتي تطالب برحيل رؤسائها، على غرار ما حدث مع عبد العزيز بلخادم (جبهة التحرير الوطني) وأحمد أويحيى (التجمع الديمقراطي)، وأبو جرة السلطاني، وقبل ذلك رحيل سعيد سعدي، رئيس التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية.. البعض يعتبر أن هذا الحراك يأتي في سياق بناء خارطة سياسية جديدة قبل الانتخابات المقبلة..

- أولا، يجب عدم المقارنة بين إعلان سعيد سعدي عدم ترشحه لمدة جديدة على رأس الحزب، والآخرين. فهذا الإعلان قام به إبان المؤتمر وليس قبل المؤتمر. كان بإمكانه القيام بذلك قبل المؤتمر، وكان بإمكانه أيضا الترشح من جديد، وكل المشاركين طالبوه بذلك، لكنه رفض. لا يمكن مقارنة هذا مع ما حدث في أحزاب أخرى مثل جبهة التحرير الوطني، أو التجمع الوطني الديمقراطي، أو غيرهما، لأن ما حدث في أحزاب السلطة كان بسبب ضغوطات من طرف مجموعات أطلقت على نفسها اسم «التصحيحيات»، وهذا المصطلح معروف لدى مجموعة وجدة، حينما تمت الإطاحة بالرئيس الأسبق أحمد بن بلة عام 1965، وهذا المصطلح ظهر بشكل أكثر منذ سنة 1999، أي بعد وصول الرئيس بوتفليقة إلى الحكم.

لكن المشكلة الحقيقية في هذا الأمر تتعلق بالمخابرات، لأنه في الجزائر، وهذا معروف ويجب أن نقوله علانية ومن دون أي خوف، تتدخل المخابرات كثيرا في تسيير الشؤون السياسية، وتتدخل في تسيير شؤون الأحزاب، وبالتالي الكثير من «التصحيحيات» وراءها جهاز المخابرات، لذلك طالبنا في اجتماع المجلس الوطني لحزبنا مؤخرا بضرورة عدم تدخل هذا الجهاز في المجال السياسي. بيد أنني لا أعتقد أن الذي يحدث حاليا لا صلة له بالانتخابات الرئاسية المقبلة، لأننا رأينا في السابق أنه كلما كانت هناك انتخابات رئاسية يعمد أصحاب القرار إلى ترشيح اسم ما، ويتم تجنيد مختلف أحزاب السلطة من أجل دعمه. إذن لا توجد مشكلة في من يترشح باسم جبهة التحرير الوطني أو التجمع الوطني الديمقراطي، ففي انتخابات 1999 و2004 و2009 كانت كل أحزاب السلطة وراء مرشح واحد. وهذا المرشح يعينه أصحاب القرار، كما قلت، وهذه مشكلة حقيقية، ففي انتخابات 2010 المزورة فاز حزب جبهة التحرير الوطني بأغلبية في البرلمان، والمنطق والقانون يقولان إن هذا الحزب ستكون له الأغلبية في الحكومة، وإن رئيس الحكومة سيكون من هذا الحزب، لكن الذي وقع عكس ذلك، والوزير الأول الآن لا ينتمي إلى حزب جبهة التحرير الوطني، وهذا غير منطقي، وهذا يثبت أن الفاعل الحقيقي في المشهد السياسي هو جهاز المخابرات. فهذا الجهاز هو من يعين رئيس الحكومة، ويعين أعضاء مجلس الأمة (الغرفة الثانية في البرلمان).

* تسبب التدخل العسكري الفرنسي في مالي في انتقادات شديدة للدبلوماسية الجزائرية.. ما موقف حزبكم مما يحدث هناك، ومن طريقة تعامل الجزائر مع هذا الملف منذ بداية النزاع؟

- الذي يحدث في مالي دليل فشل الدبلوماسية الجزائرية. نحن تحدثنا منذ سنوات عن فشل الدبلوماسية الجزائرية، ليس فقط في القضايا الدولية، حتى في ما يتعلق بالقضايا الإقليمية ودول الجوار. نحن تحدثنا عن أزمة مالي منذ أكثر من سنة، وقلنا إن تحاور السلطة الجزائرية مع حركة أنصار الدين أمر غير مقبول، لأن هذه الحركة حركة إرهابية، وحينما يتحدث النظام الجزائري عن كونه لا يتحاور مع الإرهابيين فلماذا نتحاور إذن مع الإرهاب في الخارج؟!.. بعد ذلك نرى أن جماعة أنصار الدين هي السبب الرئيسي في نشوب الحرب في مالي بعد قرارها الزحف نحو باماكو.

السلطة الجزائرية كانت تتغنى بأنها لن تتدخل في مالي بأي طريقة، لكن حينما بدأت الحرب على مالي اتخذ قرار أحادي من طرف الرئاسة الجزائرية بالترخيص للطائرات الفرنسية بعبور الأجواء الجزائرية ومن دون شروط، وأكثر من ذلك كل هذه القرارات لم يعلن عنها من طرف مسؤولين جزائريين وإنما مسؤولين فرنسيين، وهذا أمر نعتبره مساسا بالسيادة الوطنية. وهناك أمر آخر مهم هو أننا منذ سنوات نعلم، كجزائريين، أن هناك وجودا كثيفا للجماعات الإرهابية في هذه المنطقة، وحينما يكون هناك وجود إرهابي كبير في منطقة مجاورة لنا فإن ذلك يعني أننا معنيون بمحاربة هذه الجماعات. كان يجب على السلطة الجزائرية أن تفكر في تداعيات هذا الخطر منذ سنوات، والذي حدث أنه كان هناك تجاهل لهذا الخطر، والنتيجة ما حدث في عين أميناس، وتم الاعتداء على مؤسسة حيوية للاقتصاد الجزائري، وهذا أمر خطير.

وبخصوص السلاح في هذه المنطقة أود القول إنه كان موجودا قبل الأزمة الليبية، ومشكلة الإرهاب في مالي كانت مطروحة منذ أكثر من عشر سنوات، بيد أن الأزمة الليبية زادت من حجم تداول السلاح في المنطقة.