مارتن لوثر كينغ الابن: الثورات العربية ستفرز قادتها الإنسانيين في نهاية المطاف

قال إن أميركا لم تفهم رسالة والده

TT

بعد خمسين سنة بالتمام على مسيرة واشنطن التي قادها مارتن لوثر كينغ حاملا شعار «عندي حلم»، ها هو ابنه الذي يحمل اسمه يزور إمارة الشارقة، ويشارك في «منتدى الاتصال الحكومي» ليعلن من هناك بأسف أن «أميركا لم تفهم رسالة والدي».

لا يريد ابن القائد التحرري الكبير الذي غير حياة السود في بلاده، وهو يحط في العالم العربي، والثورات على أشدها، أن يعطي أي نصيحة لأحد أو أن يعطي رأيه بأحداث تخص أمة يحترم خياراتها. وقال مارتن لوثر كينغ الثالث أثناء حديثه في «منتدى الاتصال الحكومي» في الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة صباح أمس: «ليس لي أن أطلب من أحد تبني الديمقراطية أو اتباع النهج الأميركي. النموذج الأميركي موجود ومن أحب فليستفد منه، ومن لم يرد فهو حر في ذلك. إن كنتم تعتبرون الكرامة أولوية بالنسبة لكم وتتقدم على الديمقراطية في الأهمية، فأنا أحترم خياراتكم، ولكل ثقافة تعريفها للكرامة الذي يختلف عن الآخر».

ورغم أن ابن المناضل الأميركي، تحاشى التعليق المباشر على الثورات العربية، فإن كل الأسئلة التي طرحتها عليه الإعلامية منى الشاذلي أثناء الجلسة المخصصة له في المنتدى، كانت للاستفادة من تجربة والده، في ظروف عربية ثورية أحوج ما تكون لما تستضيء به.

شدد كينغ على أن والده كان «سلميا» و«منظما» إلى حد بعيد. هذان العنصران كانا من بين المفاتيح المهمة، على ما يبدو، التي جعلت النصر حليف هذا الرجل، وفريقه الذي أحاط به وعمل معه بإخلاص شديد. وإذا أردنا أن نضيف عنصرا ثالثا فهو الاستناد إلى القانون لتحصيل الحقوق.

قال كينغ الابن «لقد اتبع والدي وفريقه أسلوب التسلل من الثغرات. التظاهر كان مسموحا فاستخدموا المظاهرات وسيلة للاحتجاج. وكان السود يمنعون من الجلوس في الباصات أو الأكل في المطاعم، فقاطعوا شركة الباصات لمدة 381 يوما حتى شعرت الشركة بالخسارة الكبرى، لأن السود كانوا 60 في المائة من الركاب، وبالتالي اضطر أصحابها للتفاوض معهم والسماح لهم بأمور كانت ممنوعة عليهم من قبل».

ولكن ماذا عن التفاوض مع الحكومة أو الإدارة التي تتم الثورة ضدها؟ البعض يتهم من يقبل بالتفاوض اليوم بتهم تصل إلى حد العمالة. مارتن لوثر كينغ الابن يعتبر أن التفاوض أمر لا بد منه. صحيح أن المظاهرات كانت تقوم ضد الظلم من قبل والده والفريق المحيط به ويلحق بهم الناس، لكن كان ثمة دائما بين هذا الفريق من يبحث ويخطط ليعرف من هي الجهة الصالحة للتفاوض معها. وإلا فكيف الوصول إلى نتائج؟ التفاوض بحسب ما يشرح كينغ يجب أن يبدأ بعد جمع كل المعلومات اللازمة، ليتم بقوة، وبطريقة فعالة.

عدة خطوات خاصة بالتفاوض، سردها كينغ الابن بالاعتماد على حركة والده التحررية للوصول إلى نتائج من بينها معرفة من هي الجهة التي تصلح للتفاوض معها، وما هي الأسماء، وجمع كل المعلومات المفيدة وتنظيم الأفكار ومن ثم الجلوس إلى الطاولة، وفتح المحادثات وصولا إلى المصالحة. ويضيف: «السلمية كانت أساسا لكن والدي سجن 40 مرة وقتل في النهاية على يد رجل أبيض وكان عمري 10 سنوات، وجدتي قتلت على يد رجل أسود وكان عمري 16 عاما. وعرفنا الشخصين القاتلين. لم أختر الثأر، وهذا خيار شخصي، لا يلزم أي أحد غيري يعيش ظروفي. لكنني فكرت أن الثأر لن يعيد والدي إلى الحياة».

سئل ابن الزعيم التحرري، الذي ما زال يعمل لنشر مبادئ والده، إن كان يرى أن وجود القائد ضرورة لإنجاح ثورة كالثورة المصرية مثلا، فأجاب: «عندي ثقة كبيرة بالشباب. الثورة المصرية ليس لها زعيم، لكن ربما أن زعيما ما سيتبلور مع الوقت، لا أعرف إن كان رجل دين أو رجلا مدنيا، لكن ما يهم أن يكون لهذا الشخص رؤية مستقبلية».

وهنا يلفت كينغ إلى أن والده الذي انتزع حقوق السود بالتدريج، «لم يكن معنيا فقط بقضية عرقية معزولة وإنما بفكرة العدل والحق الإنسانيين، وهنا مصدر قوته، ومن هنا تأتي أهميته. لقد تحدث عن حق الإنسان في التعليم والمسكن والصحة والمدرسة. صحيح أنه ثار في نهاية الخمسينات وبداية الستينات وكانت الظروف مختلفة عن اليوم، لكن كل صاحب قضية سيجد في مسار مارتن لوثر كينغ جزءا يعنيه ويستوحي منه». يشرح كينغ الابن أن «القادة العظام هم هكذا عادة. إنهم أصحاب قضية عادلة وجامعة، يعملون وفق رؤية مستقبلية، يزيدون الوعي الجماعي بأفكارهم، ويسعون للتغيير، وتأمين مستقبل أفضل لأولادنا».

بقي مارتن لوثر كينغ الابن يتحدث عن تجربة أميركية ثورية طوال ما يقارب الساعة، وعن والده الذي استطاع عام 1963 أن يضغط لإقرار قانون الحقوق المدنية، ومن ثم يستمر في النضال حتى الحصول على حق السود في الانتخاب عام 1965، وربما كان الأكثر تأثيرا وهو الذي بقي مصرا على سلمية حركة مارتن لوثر كينغ، عندما روى أن والده قتل بسبب عدم فهم الأميركيين له، وقال: «لقد قال والدي بضرورة إعادة توزيع الثروة ولم يقل بمصادرة أموال الأغنياء، لكن ثمة من لم يفهم، وفضل قتله والتخلص منه». وأضاف: «أصعب ما واجهه أبي هو خوفه من التهديدات، خوفه على زوجته وعائلته من أذى أولئك الذين لم يستسيغوا حركته».

جاءت مداخلة مارتن لوثر كينغ الابن في اليوم الختامي لمنتدى «الاتصال الحكومي» في الشارقة الذي ناقش على مدى يومين وسائل تحسين التواصل بين الحكومات والشعوب بمشاركة شخصيات إعلامية وسياسية وثقافية، بتنظيم من «مركز الشارقة الإعلامي». وتضمن اليوم الثاني مجموعة من الجلسات ناقشت استراتيجيات العمل الإعلامي، وتجربة الشارقة الإعلامية، والاتصال في الحكومات العربية بين تحديات الواقع والهيكل الواعد.