أبو جرة سلطاني: التيار الإسلامي في الجزائر لم يتراجع.. يمكن أن ينام لكن يستحيل أن يموت

رئيس حركة مجتمع السلم الجزائرية ينتقد في حوار مع «الشرق الأوسط» من يقولون إن الربيع العربي صناعة غربية

TT

قال أبو جرة سلطاني، رئيس حركة مجتمع السلم الجزائرية (تيار الإخوان المسلمين) إن «التيار الإسلامي في الجزائر لم يتراجع، وإن شعبيته ما زالت قوية رغم جرعة التزوير التي كانت عالية جدا في الانتخابات الماضية»، وأوضح سلطاني في حوار خص به «الشرق الأوسط» أن «التيار الإسلامي يمكن أن ينام ولكن يستحيل أن يموت».

وبشأن الانتقادات الموجهة للحركة خاصة تحولها إلى صف المعارضة في وقت متأخر، مستغلة أحداث الربيع العربي من أجل الوصول إلى الحكم، وتكرار تجربة مصر وتونس، قال سلطاني: «أولا، هذه التهمة ليست عيبا، فمن حيث المبدأ السياسي، يعتبر الوجود في السلطة حقا لمن يزكيهم الشعب، والوجود في المعارضة حقا لمن وضعوا أنفسهم في موقع الرقابة على عمل الحكومة، فالسياسة في مجال التعددية تفرض وجود سلطة ومعارضة، وقد تتبادل السلطة والمعارضة الأدوار والمواقع بتزكية شعبية، فتصبح المعارضة سلطة والسلطة معارضة».

وانتقد سلطاني بشدة من يقولون بأن الربيع العربي صناعة غربية، وقال عن هؤلاء إنهم «يسبون الشعوب العربية والإسلامية، بمعنى أنهم يتهمون الشعب التونسي بأنه يتحرك بالريموت كنترول الفرنسي أو الأميركي، والشعب المصري أيضا يتحرك بنظام التحكم عن بعد.. هذه شتيمة للشعوب العربية والإسلامية التي صنعت ثوراتها، وأدت فاتورة ثقيلة في سبيل الحرية». وفي ما يلي نص الحوار:

* أعلنتم مؤخرا عن قرار عدم الترشح لعهدة جديدة لرئاسة الحزب، لماذا الإعلان عن هذا القرار خلال هذا الوقت بالذات، وليس أثناء أو قبل انعقاد مؤتمر الحركة المقرر في مايو (أيار) من هذا العام؟

- تعودنا قبل موعد كل مؤتمر أن تبدأ الصحافة في ترشيح رئيس الحركة المقبل، وقد عانينا من هذا الضغط الإعلامي الشيء الكثير أثناء كل مؤتمراتنا، لا سيما المؤتمر الرابع، فأردت أن أقطع هذا الحبل الإعلامي قبل ستة أشهر، وأن أنهي مسلسل المزايدات باسم مرشح الإعلام، وهكذا أدرك الرأي العام الوطني وأبناء حركة مجتمع السلم أنني لست راغبا في الترشح لعهدة ثالثة.

* البعض يقول إن السبب في إعلان عدم ترشحكم لعهدة ثالثة، راجع إلى كون القانون الأساسي للحزب يمنعكم من ذلك؟

-هذا ليس صحيحا؛ فالقانون الأساسي لم يرد فيه لا بالتلميح ولا بالتصريح أي مادة أو جزء من مادة قانونية تمنع على رئيس الحركة من أن يترشح لأكثر من عهدتين.

* هناك من يتحدث عن التحضير لخارطة سياسية جديدة استعدادا للانتخابات الرئاسية المقررة العام المقبل، وأن قراركم بعدم الترشح يأتي في هذا السياق، بمعنى أن هناك علاقة بين قراركم وتنحية عبد العزيز بلخادم واستقالة أحمد أويحيىى، وأن التغيير الذي حدث في هذه الأحزاب ليس نابعا من إرادة داخلها، وإنما التغيير فرض من جهة ما؟

- توقيت الإعلان عن عدم الترشح مهما اخترته يجد له الخصوم السياسيون تفسيرات يحاولون من خلالها خدمة بعض الأجندات الخاصة بهم، فلو أنني أعلنت عن هذا القرار قبل أن يستقيل أحمد أويحيى، أو قبل أن تسحب الثقة من عبد العزيز بلخادم، أو بعد استقالة كل من حسين آيت أحمد وسعيد سعدي لقيل: لماذا تستبقون الأحداث ولا شيء في الأفق يفسر هذه الاستقالات؟ وإذا أخرت الإعلان عن ذلك لقيل: ماذا تنتظر والساحة صارت فارغة من القيادات المؤثرة، وأنت لا تزال متشبثا بالكرسي؟ ولما توسطت بين هذا وذاك، لقيل إن هذه العملية جاءت استجابة لخدمة أجندات خارجة عن إرادة الحزب، ومبررة لرغبة شخصية.

أقول بشكل واضح إن البيئة السياسية في الجزائر ليست بيئة صحية تغري بطرح البرامج ومناقشة الأفكار والمساهمة في بناء ديمقراطية حقيقية، هذا الوضع ينبغي عدم عزله عن السياق الذي جاءت فيه هذه المواقف.

وفي اعتقادي أن السنة التي تسبق الانتخابات الرئاسية في أي دولة، لا سيما في الجزائر، يحصل فيها نوع من الإرباك السياسي، والمزايدات الحزبية، وتكثر فيها الرهانات التي تبحث عمن سيترشح لانتخابات 2014، لذلك أنا لا أنفي ولا أثبت ما يشيعه البعض حول ظاهرة «التصحيحيات» (الحركات التصحيحية)، والاستقالات السياسية، وسحب الثقة، مع أنها ثقافة جديدة على الممارسة السياسية في الجزائر؛ لذلك حينما أقول إن الذي حصل لا صلة له بما سيكون في 2014، أكون مجانبا للصواب، وحينما أقول إنني قررت عدم الترشح لعهدة ثالثة بنية التحضير لرئاسيات 2014 يكون ذلك سابقا لأوانه، لسبب جوهري وهو أن حركة مجتمع السلم ستعقد مؤتمرها في مايو (أيار) المقبل، وسوف يغير المؤتمر بعض مواد القانون الأساسي ويدخل تعديلات على الخط السياسي، بعد ذلك سوف نجد أنفسنا في سياق جديد تحكمه الهيكلة الجديدة، وسوف يتغير كثير من الأمور قد يكون لها تأثيرها على الموقف من انتخابات 2014، فالجو لا يزال غائما، ولا أحد يملك يقينيات مؤكدة في هذا السياق.

* العديد من المؤشرات تتجه إلى ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لعهدة رابعة، ما موقف حركة مجتمع السلم من ترشح الرئيس مجددا لمنصب الرئيس؟

- الدستور الحالي لا يمنع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من الترشح لعهدة رئاسية رابعة إن أراد ذلك، لكن الذي وعد به الشعب الجزائري سنة 2011 هو أن سنة 2012 ستكون موعدا لمراجعة الدستور، ومن هنا أقول يجب أن ننظر إلى ما سوف تسفر عنه التعديلات الدستورية المرتقبة، ففتح الولايات الرئاسية أو غلقها بولاية واحدة قابلة للتجديد مرة واحدة، يترتب عليه أجواء سياسية جديدة، وكما يقول المثل: ينبغي أن لا نضع العربة قبل الحصان، وإنما ينبغي أن ننتظر التعديل الدستوري ثم نقرر بعد ذلك كيف نرتب العربة والحصان، وعندئذ يمكننا مناقشة هذا الموضوع بشكل دقيق وواضح.

* حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية دعا الرئيس إلى التنحي أو عدم الترشح، لأن وضعه الصحي لا يسمح له بممارسة مهامه على أكمل وجه، كيف تعلقون على هذا الأمر؟

- حركة مجتمع السلم ليست مستشفى، وأبو جرة سلطاني ليس طبيبا مختصا في فحص الوضع الصحي للرؤساء، فنحن سياسيون ونمارس السياسة على أساس المعطيات المتوفرة على الأرض، وإلى غاية اليوم لا أحد من الجهات المختصة في الطب تحدث عن صحة الرئيس بشكل رسمي، وما يقوله غيرنا يتحملون مسؤوليته وحدهم ولسنا ملزمين به، لأننا لا نريد أن نقحم أنفسنا في أمور ليست من اختصاص الحزب، وليست من صلاحيات رئيس حركة مجتمع السلم.

* هناك تأخر في عملية تعديل الدستور، ما موقف حركة مجتمع السلم من ذلك، وما أهم المقترحات التي ستقدمونها خلال التعديل المرتقب؟

- لما خطب الرئيس بوتفليقة يوم 15 أبريل (نيسان) 2011، وعد بالكثير من الإصلاحات، حينها تحفظت حركة مجتمع السلم على منهجية الإصلاحات من حيث المبدأ، وكان تحفظنا قائما على أساس أن الإصلاحات ينبغي أن تطال أولا الدستور، وعللنا ذلك بتفسير أن ما نحن فيه من تخبطات يعود إلى شيء واحد؛ هو الفساد السياسي، وهذا النوع من الفساد لا يتم إصلاحه إلا بإصلاح الدستور، لكن الذي حصل هو أن الإصلاحات بدأت بالقوانين العضوية قبل مراجعة الدستور، لذلك تم تمييع الإصلاحات بتفصيل مشاريع القوانين على المقاس، وحينما نذهب إلى تعديل الدستور المرتقب قد نكون مطالبين بأن نجري مرة أخرى تعديلات على القوانين التي عدلت في ضوء الدستور القديم، وهي معركة قانونية وتشريعية بحاجة إلى حسم.

إن حركة مجتمع السلم تأمل أن تخضع مراجعة الدستور لاستشارة واسعة لأهل الاختصاص والطبقة السياسية، وتأخذ حقها من النقاش الوطني المفتوح للرأي العام، حتى لا يكون دستورا مؤقتا محكوما بظروف استثنائية مدتها خمس أو عشر سنوات، فهناك ضبابية في معالجة كثير من القضايا، وهناك منهجية مقلوبة، ونحن في حركة مجتمع السلم نفضل أن نذهب إلى إقرار نظام برلماني، يكون فيه البرلمان مسؤولا أمام الشعب، وتنبثق الحكومة عن الأغلبية التي يزكيها الشعب، وتكون هذه الحكومة مسؤولة أمام البرلمان، عندئذ يعرف الشعب من ينتخب، ومن يحاسب، ومن يتحمل المسؤولية، ويعرف الفواصل بين السلطات، فتشيع الشفافية والرقابة الشعبية وعندها نتخلص مما نحن فيه من انحرافات كثيرة مست الشأن الاقتصادي، والاجتماعي، والسياسي، والثقافي.

* يرى محللون أن الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة في الجزائر أظهرت تراجعا كبيرا للتيار الإسلامي، والنتائج خلال الانتخابات المحلية الأخيرة رغم تكتل ثلاث قوى إسلامية فيما بينها، دليل هذا التراجع. ما تعليقكم على ذلك؟

- التيار الإسلامي لم يتراجع، وشعبيته ما زالت قوية رغم جرعة التزوير التي كانت عالية جدا في الانتخابات الماضية، ومن هنا ينبغي أن نتفق على المبدأ، إذا كنا نسلم بأن الانتخابات التي جرت في 10 مايو، و29 نوفمبر (تشرين الثاني) 2012 هي انتخابات نظيفة ونزيهة، عندئذ نسلم بأن التيار الإسلامي تراجع وتقهقر، أما إذا قلنا إن هذه الانتخابات كانت مزورة تزويرا فادحا شمل كامل مراحل العملية الانتخابية، كما أكد على ذلك تقرير اللجنة الوطنية لمراقبة الانتخابات، واعتبر نتائجها فاقدة للمصداقية، في هذه الحالة لا يمكننا أن نقول عن التيار الإسلامي إنه تراجع أو تقهقر في ظل التزوير، فإما أن نسلم بالتزوير وعندئذ نقول إن التيار الإسلامي لم يتراجع، وإما أن ننفي ما حصل من تزوير وفي هذه الحالة يكون التيار الإسلامي قد تقهقر فعلا.. فالتيار الإسلامي يمكن أن ينام، ولكن يستحيل أن يموت.

* بعض المتتبعين يقولون إن مشاركة الإسلاميين في الحكم بالجزائر كانت سبب انتكاستهم، وسبب فقدان الشعب الثقة في الأحزاب الإسلامية، لأن مشاركتهم في الحكومة لم تغير من الأوضاع شيئا؟

- لو سلمنا بصحة هذه الفرضية، فمن حقنا أن نتساءل: لماذا الأحزاب المنتمية للتيار الإسلامي التي لم تشارك في الحكومة انتكست خلال انتخابات 10 مايو 2012؟ خذ مثالا على ذلك حزب العدالة والتنمية، الذي يرأسه الشيخ عبد الله جاب الله، وهو حزب جديد لم يشارك في الحكومة، وكان معارضا على طول الخط، ومع ذلك خاض الانتخابات الماضية، وانتكس بحيث طاله التزوير كما طال تكتل «الجزائر الخضراء»، فبناء على ما حصل في الميدان، نقول إن الذين يعتقدون بأن سبب انتكاسة التيار الإسلامي هي مشاركتهم في الحكم أثبتت الانتخابات الماضية بطلان هذا الاعتقاد لأسباب كثيرة؛ منها أن جزءا كبيرا من التيار الإسلامي الفاعل لم يشارك في الحكم، وأن أحزاب المعارضة التي خاضت الانتخابات لم تحصد الأغلبية التي بقيت بحوزة الحزبين الحاكمين، وضربنا جميعا بعصا واحدة هي عصا التزوير، التي أخرتنا عن مواقعنا مسافات سياسية بعيدة جدا.

* ظاهرة الانشقاقات هي الأخرى أثرت على شرعية ومصداقية التيار الإسلامي، فالمواطن اليوم لا يجد فرقا بين كل الأحزاب؛ هناك نوع من العدوى انتشر بين مختلف الأحزاب: إسلامية، وديمقراطية، أو وطنية، فالكل يصارع من أجل المنصب؟ كيف تعلقون على هذا الأمر؟

- جزء من هذا الكلام صحيح، لأن بعض المناضلين في كل الأحزاب وجدوا مصالحهم الخاصة خارج الإطارات الحزبية، فصاروا لا يرون النضال السياسي سبيلا للتغيير، أو للوصول إلى قضاء المآرب، واكتشفوا ممرات أخرى لتحقيق أهدافهم، فالانسداد السياسي أدى إلى التيئيس من التغيير عن طريق النضال السياسي، كما أقنع التزوير الكتلة الناخبة بعبثية العملية الانتخابية، وتهميش الأحزاب وتعويمها بأحزاب كثيرة لا وزن لها، كل ذلك جعل السلطة تنجح في خلق حالة من اليأس لدى الرأي العام الوطني، وتجعل الكتلة الناخبة تيأس من جدوى الصندوق في الانتخابات، على أساس أنه لم يعد طريقا للتداول السلمي على السلطة، ولم يعد طريقا للإصلاح، إضافة إلى ظاهرة الانشقاقات و«التصحيحيات» التي كرست ثقافة التجوال السياسي بحماية قانونية، وفي المحصلة نقول إن البيئة السياسية لم تعد مشجعة على النضال الشريف، والعمل الحزبي وقع في قبضة رجال المال والأعمال فأصبح غير نظيف وغير قادر على إصلاح الواقع الذي تزداد دوائر الفساد فيه اتساعا يوما بعد يوم.

* تحول حركة مجتمع السلم إلى صف المعارضة حسب البعض قرار جاء متأخرا جدا، وأكثر من ذلك أثر سلبا عليها، ذلك أن الحركة من قرارها هذا تحاول استغلال أحداث الربيع العربي خدمة لأجندتها، فمع وصول الإسلاميين إلى الحكم في دول عربية قررتم الانسحاب من الائتلاف الرئاسي، ومن الحكومة والانضمام إلى صفوف المعارضة طمعا في الوصول إلى السلطة، وتكرار تجربة تونس ومصر في الجزائر.. ما تعليقكم على ذلك؟

- أولا، هذه التهمة ليست عيبا، فمن حيث المبدأ السياسي يعتبر الوجود في السلطة حقا لمن يزكيهم الشعب، والوجود في المعارضة حقا لمن وضعوا أنفسهم في موقع الرقابة على عمل الحكومة، فالسياسة في مجال التعددية تفرض وجود سلطة ومعارضة، وقد تتبادل السلطة والمعارضة الأدوار والمواقع بتزكية شعبية، فتصبح المعارضة سلطة والسلطة معارضة، هذه الفلسفة موجودة في كل الأنظمة الديمقراطية العريقة، هذا من حيث المبدأ، لكن حينما نفصل المسائل بشكل دقيق نجد أن التوقيت في الجزائر لا قيمة له، لو خرجنا قبل هذا التاريخ لقيل لنا إنكم غادرتم الحكومة من غير مبررات، ولو بقينا في الحكومة لقيل لنا بأن كل الإسلاميين انتصروا في البلاد العربية والإسلامية، إلا أنتم ما زلتم في جلباب السلطة، وحينما قررنا أن نخرج هاهم يقولون: هذه انتهازية سياسية. أنا أعتقد أن السياسة تتحرك بألوان الطيف المتعددة، ولا يمكن أن تنحصر في الأسود والأبيض، إما سلطة وإما معارضة، ونحن في حركة مجتمع السلم نعتقد أن الواقع تغير بعد رفع حالة الطوارئ وصرنا اليوم مطالبين بأن نعيد بناء الحزب على أسس جديدة، وأن نحاول التأسيس لخدمة الجزائر من مواقع أخرى، سوف تكون رافدا من روافد الديمقراطية، التي تتأسس على موازين القوى بين سلطة فاعلة ومعارضة، قادرة على أن تغير.

* وزير الشؤون الدينية الجزائري قال عن حركات الإسلام السياسي؛ و منها حركة مجتمع السلم، إنها حركات تبحث عن الحكم، ولا تبحث عن الإسلام، ومن يقارن خطاباتكم خلال عقد التسعينات من القرن الماضي والآن، يجد تحولا كبيرا في طبيعة ومحتوى هذه الخطابات، بحيث تغيب الآيديولوجية الإسلامية فيها..

- حينما كنا نقحم الآيديولوجية الإسلامية في خطاباتنا، قيل لنا: أنتم تستخدمون الإسلام لأغراض سياسية، وحينما استبعدنا الخطاب الإسلامي المباشر وبلورنا خطابا اجتماعيا اقتصاديا، قيل لنا: أنتم تنكرتم لإسلامكم، وحينما مزجنا بين البعد الأخلاقي الإسلامي والبعد الاقتصادي الاجتماعي، قيل لنا: خطابكم غامض، ما الذي يريده هؤلاء منا؟ إذا كانوا قادرين على أن يبلوروا مفردات خطاب وطني إسلامي جامع، فسوف نكون سعداء بأن ندخل هذه المفردات في خطابنا.

* هناك من يأخذ على حركة مجتمع السلم أنها حزب جزائري له ولاء لجماعة وتنظيم خارج الجزائر، أي حركة الإخوان المسلمين، هل هناك ارتباط تنظيمي لحركة مجتمع السلم حاليا مع المكتب العالمي لحركة الإخوان المسلمين في مصر؟

- لا يوجد في العالم بأسره قطر واحد مرتبط تنظيميا بمكتب جماعة الإخوان المسلمين في مصر، حتى حزب الحرية والعدالة في مصر ليس مرتبطا تنظيميا وهيكليا بحركة الإخوان المسلمين في مصر، فهو حزب سياسي لديه استقلالية في الإدارة والتسيير، ولديه قيادة مستقلة عن الجماعة، فإذا كان هؤلاء في بلدهم قد فصلوا تنظيميا بين الجماعة والحزب والرئاسة، فكيف يقال ذلك عن أحزاب خارج القطر المصري؟ فالعلاقة بيننا هي علاقة فكر ومنهج وسطي يجمع الآلاف من الناس عبر العالم بأسره في أكثر من 80 دولة، نتشاور وننسق في القضايا الكبرى مثل القضية الفلسطينية، أما الحديث عن ارتباط تنظيمي، فهي مجرد أوهام في رؤوس بعض الناس، الذين يلصقون «الإتيكيت» ببعض الحركات الإسلامية، التي تنتمي إلى منهج الوسطية والاعتدال.

* كيف تنظرون إلى الربيع العربي؛ هل هو نابع في نظركم من إرادة شعبية حقيقية، أم إنه صناعة غربية من أجل خلق الفوضى في العالم العربي؟

- الذين يقولون بأن الربيع العربي صناعة غربية يسبون الشعوب العربية والإسلامية، بمعنى أنهم يتهمون الشعب التونسي بأنه يتحرك بالريموت كنترول الفرنسي أو الأميركي، والشعب المصري أيضا يتحرك بنظام التحكم عن بعد.. هذه شتيمة للشعوب العربية والإسلامية التي صنعت ثوراتها وأدت فاتورة ثقيلة في سبيل الحرية، لما سئمت من الظلم الذي مارسه ضدها بعض الحكام وحاشياتهم، لأجل ذلك ثاروا وأسقطوا هذه الرموز.

لكن بعد ذلك تعثرت مسيرة الثورات، وذلك أمر طبيعي، لأنه في تاريخ البشرية بأسرها بدءا بالحروب الأميركية، ومرورا بالثورة الفرنسية إلى الثورة البلشفية، ووصولا إلى ما سمي «الثورات البرتقالية»، وإلى الثورات العربية اليوم، تواجه كل ثورة مقاومة داخلية تدافع عن مصالح قديمة، وحينما يتواجه الضدان ينتصر في النهاية أصحاب القضايا العادلة. أعتقد أن الثورات العربية كانت نابعة من إرادة شعبية، عبر عنها الشاعر التونسي الراحل أبو القاسم الشابي رحمة الله عليه بالقول: «إذا الشعب يوما أراد الحياة.. فلا بد أن يستجيب القدر»، و هي ثورات نجحت في إسقاط رموز الفساد والطغيان والاستبداد بإرادة شعبية، ويستحيل أن تتحول الشعوب العربية إلى أجهزة كمبيوتر تدار بالريموت كنترول.

لكن ما يحصل اليوم في بعض الأقطار مؤلم ومؤسف، ونحن نأمل إن شاء الله أن تتجاوز هذه الشعوب محنها، وأن تستدرك الثورة أخطاءها، وأن تحافظ على قدسية دماء الشهداء الذين سقطوا دفاعا عن الحرية والكرامة، وأن تصون مكاسب الثورة، وأن تصل إلى صناعة نموذج تونسي، أو مصري، أو يمني، أو ليبي، وسوى ذلك، حتى تخرج هذه الشعوب من دورة تاريخية تقليدية فرضها منطق توازن القوى بعد الحرب العالمية الثانية، إلى دورة جديدة تؤسس لها الشعوب، وتلبي مطالبها وتعبر عن أشواق الشباب الذين دفعوا جزءا من حياتهم في سبيل بناء وطن للجميع.

* هناك من يتهم الإسلاميين عموما والإخوان خصوصا باستغلال هذه الثورات للوصول إلى الحكم، ما في رأيكم أسباب نجاح التيار الإسلامي في دول الربيع العربي.. البعض يتحدث عن اتفاق أميركي - إخواني من أجل الوصول إلى الحكم، وخدمة المصالح الأميركية في المنطقة؟

- ربما أهم سببين لوصول بعض تيارات الاعتدال والوسطية إلى الحكم، هما: أنهم كانوا أكثر تنظيما، وأوسع انتشارا وتوغلا في النسيج الشعبي لبلدانهم، مثلما حصل في تونس، ومصر، وليبيا، واليمن، وغيرها.

أما القول بأن أميركا قدمت يد المساعدة، فأنا أتعجب مما نسمعه من هنا وهناك؛ فقبل الثورات العربية كانوا يقولون إن أميركا لا تقبل أن يصل الإسلاميون إلى سدة الحكم، وكانوا يقولون للإسلاميين بأن أميركا ضدكم، والاتحاد الأوروبي غير مرتاح لمواقعكم ومواقفكم، والغرب لا يقبل أن يصل الإسلام السياسي إلى الحكم، وتلك كانت حجتهم في محاربة التيار الإسلامي ورفع فزاعة الإسلاموفوبيا حتى لو أعطتهم الصناديق ذلك، وحينما زكاهم الشعب بعد ثورات الربيع العربي قيل بأن أميركا كانت وراء ذلك، أنا لا أدري أين نضع اليوم أميركا؛ هل هي عدو للتيارات الإسلامية، أم إنها صديقة لها؛ أم إن الأنظمة الحاكمة هي التي ترسم خطوط الولاء والبراء على مزاج الاستبداد؟ وعلى كل حال؛ هي تجارب ما زالت في بداية الطريق وتحتاج إلى بعض الوقت.

* لكن هذه التجارب قد تكون مدمرة للتيار الإسلامي، فما يحدث الآن من صراع في مصر وتونس دليل على أن هناك تحديات كبيرة تواجه الإسلاميين في حكمهم، وإذا فشلت هذه التجربة فستكون ضربة قاضية للتيار الإسلامي في العالم العربي..

- لا أعتقد أنها ستفشل لسبب وجيه؛ هو أنها منتخبة شعبيا، وبعضها نجح في ترسيم دساتير أقرها الشعب، وهي اليوم تواجه تيارات معارضة ألفت أن تدير الدولة بإرادتها لا بإرادة الشعب. أعتقد أن الصراع سيطول لبعض الوقت، حول الصلاحيات وحول الثروة، وحول طبيعة نظام الحكم والتحالفات وكيفيات إدارة الحكم، وحول العلاقة البينية والثنائية، والعلاقات المتعددة والاتفاقات الدولية، كل ذلك سوف يحدث، لكن في اعتقادي أن الحركات الإسلامية تملك من الكفاءات والخبرات ما يؤهلها لأن تخرج من كل هذه المعارك منتصرة.

* لكن ما يحدث في تونس من صراع علني بين التيار الإسلامي والتيار العلماني، وتطور الأمر إلى اغتيال الناشط السياسي شكري بلعيد، أعاد إلى الأذهان تجربة الجزائر الدموية خلال عقد التسعينات من القرن الماضي، هل تعتقد أن الأوضاع في تونس تسير في ذلك الاتجاه؟

- إذا لم يستوعب الأشقاء في تونس الدروس المُرة من التجربة الجزائرية، فإنهم لن يكونوا جديرين بحكم تونس، وأنا هنا لا أتحدث عن التيار الإسلامي فقط؛ وإنما أعني كل الأحزاب السياسية والمجتمع المدني والرأي العام في تونس، هم جيراننا وكانوا يتابعون بحسرة ما يجري في الجزائر عن كثب وبألم.. كانوا يرون كيف تتساقط الأرواح وكيف تبدد الثروة، وكيف يحاصر الوطن على مدار 15 سنة، فكل هذه المآسي التي حدثت في الجزائر عايشوها ويعرفون حجم الفاتورة الثقيلة التي دفعها الشعب الجزائري، وتابعها أشقاؤنا في تونس وفي المغرب وفي كل العالم العربي، فإذا لم يستوعب أشقاؤنا في تونس الدرس، فسيكون الأمر مؤلما جدا، يكفيهم شرفا أن الجزائريين دفعوا نيابة عن الأمة الإسلامية كلها ما كان واجب الدفع، وعليهم أن يستوعبوا هذه الدروس ويوسعوا دائرة التشاور، والحوار فيما بينهم من أجل تونس، ومن أجل الشعب التونسي ومن أجل الثورة التونسية التي كانت نموذجا سلميا للثورات العربية الحديثة.

* هناك كلام خطير يدور في الجزائر حول فضائح اقتصادية هزت شركة «سوناطراك» مع شركة «إيني» الإيطالية المتهمة بدفع رشى تبلغ قيمتها 250 مليون دولار من أجل الظفر بعقود استثمارية في الجزائر، ما موقف حركة مجتمع السلم من هذه القضية؟

- نحن نددنا منذ سنوات بالفساد، ودعونا إلى ضرورة وضع آليات للرقابة الصارمة والمحاسبة القضائية الرادعة، سواء كانت رقابة سياسية أو برلمانية أو شعبية، أو ردعا قانونيا أو تشريعيا، من أجل حماية ممتلكات الشعب الجزائري، بالضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه التلاعب بالمال العام، لا سيما إذا اقتربت أيدي الفساد والاختلاسات من شركة «سوناطراك»، لأن المحروقات هي المورد الأول للاقتصاد الجزائري، ومن هنا كنا نحذر دائما من سياسة السكوت ومن ثقافة اللامبالاة ومن قوانين اللاعقاب، التي شجعت كثيرين من ذوي الأطماع على مد أيديهم للتلاعب بالمال العام، كما أغرت الشركات العابرة للقارات بأن تعبث للأسف الشديد بأهم مؤسسة اقتصادية هي شركة «سوناطراك» التي تشكل عصب الاقتصاد الجزائري.

* في وقت سابق تحدثتم عن وجود ملفات فساد خطيرة بحوزتكم، لكن تراجعتم عن تصريحاتكم، ماذا حدث بالضبط في هذه القضية؟

- هذا الأمر يترك للتاريخ.