نتيجة البرلمان المعلق في إيطاليا يثير قلق أوروبا

برلسكوني حل ثانيا رغم الفضائح.. ومفاجأة الاقتراع كوميدي سابق تبوأ المركز الثالث

بيرساني زعيم الحزب الديمقراطي اليساري يغادر مؤتمرا صحافيا في روما أمس (أ.ب)
TT

دعا مسؤولون أوروبيون بارزون الساسة في إيطاليا، أمس، إلى التكاتف والتوصل إلى تسوية بعدما أفرزت الانتخابات برلمانا معلقا، مما يهدد بإعادة إشعال الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها منطقة اليورو منذ ما يقرب من ثلاث سنوات. وأفاق الإيطاليون أمس على وضع فريد في تاريخ بلادهم مع أغلبية في مجلس النواب مختلفة عن الأغلبية في مجلس الشيوخ ما يطرح نظريا صعوبات جمة في مستوى حكم ثالث اقتصاد في منطقة اليورو. وقالت وزارة الداخلية أمس، إن تحالف يسار الوسط حصل على 31.6% من الأصوات في انتخابات مجلس الشيوخ، مقابل 30.7% لليمين، ولكن لم يحصل أي من الجانبين على أغلبية من المقاعد في المجلس. وأعلنت الوزارة أيضا فوز يسار الوسط في انتخابات مجلس النواب بحصوله على 29.5% من الأصوات، مقابل 29.2% لليمين، ليضمن أغلبية المقاعد في المجلس.

وكان لافتا أن رئيس الوزراء السابق سلفيو برلسكوني الذي حقق نتائج جيدة رغم الفضائح الذي لاحقته في الآونة الأخيرة، دعا إلى تشكيل حكومة ائتلافية موسعة على الطراز الألماني مع يسار الوسط. ويبدو أن برلسكوني (76 سنة)، الذي يقود سادس حملة انتخابية في 18 سنة، حسن موقعه بشكل لافت مقارنة مع الوضع الكارثي لحزب شعب الحرية في استطلاعات الرأي في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وقال لإحدى وسائل الإعلام التي يمتلكها أمس، إنه لا يعتقد أن إعادة الانتخابات ستكون مفيدة بعد أن أكدت نتائج الانتخابات التي جرت الأحد والاثنين أنه لم يحقق أي تحالف أغلبية تمكنه من تشكيل الحكومة في مجلس الشيوخ. وتابع برلسكوني أمس أن «على الجميع الآن أن يعكفوا على بحث ما يمكن أن يكون مفيدا لإيطاليا. الأمر سيستغرق وقتا»، في إشارة إلى تحالف محتمل بين حزبه شعب الحرية والحزب الديمقراطي وهو أكبر حزب يساري بزعامة بيير لويجي بيرساني.

ولن ينعقد البرلمان الجديد قبل الخامس عشر من مارس (آذار)، ليترك عدة أسابيع من المفاوضات السياسية للسياسيين. وكان الحزب الديمقراطي قد استبعد أيضا إجراء انتخابات جديدة، حيث سيحاول أخذ زمام المبادرة في السعي للخروج من الأزمة السياسية، حيث إنه فاز بنصيب الأسد من الأصوات في الانتخابات العامة. وكان منتظرا أن يلقي بيرساني كلمة للشعب الإيطالي مساء أمس للمرة الأولى منذ انتهاء الانتخابات. وتحدث أحد مساعديه فرانشيسكو بوتشيا مسبقا عن «إبرام اتفاقيات تتسم بالشفافية» مع برلسكوني حول قضايا معينة مثل قانون الانتخابات الجديد.

وكانت الانتخابات العامة مؤشرا على رفض الإيطاليين للإجراءات التقشفية التي تدعو إليها أوروبا، حيث حققت الأحزاب المعارضة لهذه الإجراءات نجاحا ملحوظا. واعتبر حزب «حركة النجوم الخمسة» المعارض المتشدد، بقيادة الفنان الكوميدي السابق بيبه غريلو، مفاجأة الاقتراع، إذ احتل المركز الثالث بنسبة 25.5%. وقال غريلو الذي يقوم بعمل المتحدث باسم الحزب، إن حركته ستبقى في المعارضة وستكون عقبة أمام أي جهود لتشكيل حكومة وحدة وطنية، التي توقع أنها لن تدوم أكثر من عام.

وكان ماريو مونتي الذي يحظى بتأييد شركائه الأوروبيين، الخاسر الأكبر في هذه الانتخابات ولم يحصل سوى على 10% من الأصوات في البرلمان. وأعرب عن ارتياحه لنتائج حزبه الوسطي كونه تأسس قبل شهرين، داعيا إلى العمل على تشكيل الحكومة. وأكد مستشاروه أنهم يراهنون على فرضية تشكيل «ائتلاف واسع» يضم الحزب الديمقراطي اليساري لبيير لويجي بيرساني وحزب شعب الحرية لسلفيو برلسكوني وحزب مونتي الوسطي. وهي فرضية أشار إليها بعض كتاب الافتتاحيات في الصحف الإيطالية.

وأثار هذا الوضع تعليقات متباينة في أوروبا. فقد ذكر وزير الخارجية الألماني غيدو فسترفيلي أمس في برلين أن هذا لا يصب فقط في مصلحة إيطاليا وحدها، بل أيضا في مصلحة أوروبا بأكملها. وأضاف فسترفيلي: «إننا جميعا نجلس في نفس القارب عندما يتعلق الأمر حول السيطرة على أزمة الديون في أوروبا». وذكر فسترفيلي أن المسؤولين السياسيين في إيطاليا على علم بأن بلادهم ما زالت في حاجة لمواصلة سياسة الإصلاح وضبط الموازنة. وتابع: «إيطاليا تلعب دورا رئيسيا في تحقيق سيطرة ناجحة على أزمة الديون الأوروبية».

ومن جهته، قال رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتز في بروكسل: «نحن بحاجة إلى حكومة مستقرة في واحدة من أكثر الدول الأعضاء أهمية في الاتحاد الأوروبي وإحدى الدعائم التي تقوم عليها منطقة اليورو. ما يحدث في إيطاليا يؤثر علينا جميعا». وحث شولتز كل القوى السياسة في البلاد على «محاولة إيجاد وسيلة للحوار، للتحقق من حيث إمكانية التعاون». وتابع شولتز أن «تفسيري لهذا التصويت هو أننا ينبغي أن نأخذ على محمل الجد وبصورة أكبر أن الناس على استعداد لتقديم التضحيات، ولكن ليس بأي ثمن»، وأشار إلى أن «هذه التضحيات يجب أن تؤدي إلى تحسن في حياتهم اليومية وخصوصا في منظور أطفالهم». وفي إسبانيا، التي تواجه ضغوطا متزايدة في السوق بسبب عدم اليقين في إيطاليا، أعرب وزير الاقتصاد لويس دي جويندوس عن ثقته أن تتوصل إيطاليا إلى «حكومة مستقرة» وأن الأسواق المالية ستبقي متوترة لـ«فترة قصيرة».

وفي المقابل، قال وزير الخارجية خوسيه مانويل غارسيا مارغالو، إنه «قلق للغاية» حيال تطورات السوق. وأضاف أن نتائج الانتخابات الإيطالية «قفزة (إلى) لا شيء ولا تبشر بعواقب جيدة على أي شخص، لا لإيطاليا ولا لبقية أوروبا». كما أعربت المفوضية الأوروبية عن ثقتها في قدرة إيطاليا على تشكيل حكومة بعد انتخابات غير حاسمة، ودعت أي شخص سيأتي إلى الحكم أن يعيش في ظل الالتزامات السابقة. وقال المتحدث باسم المفوضية أوليفر بايلي في بروكسل: «لسنا قلقين ونود أن نؤكد على ثقتنا الكاملة في السلطات الإيطالية، لقدرتها على إيجاد وخلق أغلبية سياسية تواصل تحقيق أجندة النمو والوظائف». وأضاف بايلي: «أوروبا تواصل تقديم مساعدتها إلى إيطاليا واقتصادها وصناعتها والشركات الصغيرة والمتوسطة والمواطنين. التزامات إيطاليا هي للحد من عجزها، والحد من ديونها، والإصلاحات الهيكلية. بالنسبة لنا، هذه الالتزامات لا تزال قائمة. كلما أجلنا هذه الإصلاحات، كلما ارتفعت التكلفة بالنسبة للإيطاليين».