مصريون يغيرون سلوكياتهم «اليومية» بسبب الوضع الأمني المتردي

منها عدم زيارة الأقارب في الضواحي البعيدة وطلبات لتغيير أماكن العمل

TT

«إلى السيد مدير الشركة.. أرجو نقلي إلى مكان قريب من محل سكني». عبارة كتبتها فاطمة نور التي تسكن في حي مدينة نصر (شرق القاهرة) وتعمل بإحدى الشركات في ضاحية المعادي جنوبا. وشاهدت هذه المرأة اللصوص وهم يستولون على سيارة زوجها بعد أن خيروه بين السيارة وابنته البالغة من العمر 10 سنوات. كلمات فاطمة (30 عاما) لم تكن الأولى التي قدمتها نساء عاملات في مصر ورجال أيضا للانتقال من أماكن عملهم البعيدة لمناطق قريبة من منازلهم بسبب الأوضاع الأمنية المتردية التي تشهدها البلاد. وتعتبر ظاهرة توقيف المواطنين والاستيلاء على سياراتهم هي الأخطر، حيث طالت عددا من الشخصيات العامة أيضا.

وتسبب الانفلات الأمني بعد ثورة 25 يناير في العاصمة وبعض المدن في حالة من الفوضى، وانتشار كبير للأسلحة بين المواطنين. ومنذ ذلك الوقت حاولت الشرطة عدة مرات إعادة الانضباط للشارع، لكن اعتراض طريق المسافرين وقطع الطرق في المناطق النائية التي تربط بين الضواحي والمدن، ظهر من جديد، ووقع ضحيته محافظ محافظة كفر الشيخ وسيارة محافظ البنك المركزي ونائب بالمجلس التشريعي، مطلع هذا الشهر.

وتسبب الضعف الأمني على الطرق السريعة في جعل الأمور أكثر تعقيدا للأسر المصرية التي أصبحت تفضل عدم الابتعاد عن المنازل. وتقول فاطمة إنها أثناء سيرها مع زوجها بسيارتهما الخاصة على الطريق الدائري استوقفهما بعض البلطجية وطلبوا من زوجها إما ترك السيارة أو خطف ابنتيهما. وتابعت: «زوجي فضل ترك السيارة لهما، وعندما ذهبنا للإبلاغ عن السيارة وجدنا عشرات البلاغات، وإلى الآن لم تعد السيارة رغم مرور أشهر على سرقتها».

ودفعت الحالة الأمنية فاطمة إلى تغيير مواعيد زيارتها لوالدتها في مدينة السادس من أكتوبر بمحافظة الجيزة (غرب العاصمة) خوفا على نفسها وأولادها من تعرضهم للخطر من جديد على يد قطاع طرق أو بلطجية في حال البقاء هناك حتى وقت متأخر من الليل، وتقول إن الأمل في استرجاع سيارة زوجها يتضاءل.

ودفعت جرائم قتل وسرقة وتحرش محمد صبرة (65 عاما)، إلى منع بناته من الخروج ليلا، ويقول إنه يقف في شرفة المنزل حتى يطمئن على عودتهن من الجامعة (جامعتا حلوان والقاهرة)، ويضيف: «أرفض خروج بناتي ليلا وأظل قلقا عليهن حتى عودتهن من كلياتهن». وكلما شاهد قصصا عن اختطاف في برامج التوك شو المسائية على التلفزيون يعتصر قلبه ويقول: «أخشى أن تصبح بنت من بناتي الضحية التالية».

ويقول سائق التاكسي حمادة سرحان (40 عاما) الذي امتنع عن الذهاب إلى المدن البعيدة عن العاصمة خوفا على سيارته من السرقة: «كنت أسعد من قبل لو طلب مني أحد الركاب توصيله خارج القاهرة حيث المسافات الطويلة والأجرة الكبيرة، لكن الآن أرفض أن أخرج من القاهرة خوفا على سيارتي من السرقة خاصة على الطريق الدائري (طريق سريع يحيط بالقاهرة).. فأنا ما زلت أسدد أقساط سيارتي للبنك».

ويحمل السائق سرحان، وهو من منطقة شبرا الشعبية شمال العاصمة «مطواة» وقطعة من الحديد في السيارة خوفا من تعرض سيارته للسرقة، ويقول: «أصبحت أخاف من العمل ليلا وأنا أتابع في الصحف خبرا بعد الآخر عن سائق تعرض للقتل أثناء مقاومته للصوص دفاعا عن سيارته، بينما في السابق كنت أفضل العمل بعد منتصف الليل حيث الطرقات تكون أهدأ، لكن الآن أحرص على العودة لمنزلي قبل الساعة العاشرة مساء».

ويقول الخبير الأمني والاستراتيجي اللواء سامح سيف اليزل، إن «هناك 4400 سجين هربوا من السجون المصرية في أحداث الثورة ولم يتم القبض عليهم حتى الآن، وينتشرون في البلاد طولا وعرضا وكونوا تشكيلات عصابية زادت من عددهم أكثر من عشرة أضعاف».

ووفقا لأحد خبراء التأمين في مصر، فإن عدد السيارات المبلغ رسميا بسرقتها حتى سبتمبر (أيلول) من العام الماضي بلغ 3085 سيارة. ومن جانبها، تقول وزارة الداخلية إنها تحاول كبح جماح الانفلات واستغلال بعض البلطجية للمرحلة التي تمر بها البلاد في تنفيذ أعمال إجرامية. ويشير أحد المسؤولين الأمنيين إلى تأثر الشرطة بحالة الاستنفار الأمني التي تعم مصر بسبب الاحتجاجات والمظاهرات المستمرة منذ عدة أشهر، وآخرها الدعوات المتنامية للعصيان المدني في العديد من المحافظات.