الخريطة السياسية لمعارك جبهة حمص

TT

عندما اشتد الجدل السياسي في لبنان في أعقاب اغتيال رفيق الحريري، رئيس الوزراء السابق، وانسحبت قوات الجيش السوري من لبنان تحت وطأة تداعيات الاغتيال، الذي وقع يوم 14 فبراير (شباط) 2005، تصاعدت المطالبات بترسيم الحدود اللبنانية. وكان جزءا أساسيا من المطالبات يقوم ردا على إصرار حزب الله اللبناني على الاحتفاظ بسلاحه بذريعة تحرير مزارع شبعا وتلال كفر شوبا من الاحتلال الإسرائيلي، والموقف الصريح لحزب الله الداعم لدمشق في تلك الحقبة المتوترة من تاريخ لبنان. يومذاك كان موضوع مزارع شبعا وتلال كفر شوبا، على الرغم من بعد الاحتلال الإسرائيلي متصلا بسوريا، وذلك أن تلك المنطقة الحدودية اللبنانية النائية وضعت في عهدة القوات السورية حتى حرب يونيو (حزيران) 1967، عندما انسحبت منها تلك القوات، وسيطر عليها الإسرائيليون. وبالتالي، صار التعامل معها كجزء من ملف هضبة الجولان. وكان الطلب الشعبي اللبناني يومذاك يطالب دمشق بإبلاغ الأمم المتحدة بحقيقة الأمر، فصل ملف المزارع والتلال عن ملف الجولان ما يسهل عملية تحريرها سلميا.

غير أن دمشق رفضت المطالب اللبنانية بالإقرار بلبنانية المزارع، ولكن المفارقة أن وزير الخارجية السوري وليد المعلم عرض البدء بترسيم الحدود من الشمال وانتهاء بمزارع شبعا في الجنوب. وهذا مع العلم أنه لم تكن هناك إشكالات على الحدود الشمالية وما كان ثمة حاجة لا للحماية ولا للتحرير. بل كانت العلاقات عبر الحدود التي رسمت فعليا بين سوريا ولبنان عام 1920 علاقات أخوية وعادية، وكانت هناك عائلات كثيرة تعيش عبر الحدود من دون أي مشكلات، بل إن جزءا من أهم العائلات الإقطاعية في منطقة تلكلخ، أي آل الدندشي، يعيش عبر النهر الكبير – الذي يشكل الحدود بين البلدين – في منطقة عكار في بلدات منها مشتى حسن ومشتى حمود. كذلك كانت بعض قرى جرود شمال شرق لبنان تتعامل تجاريا بصورة دائمة مع مدينة حمص كونها أقرب جغرافيا إليها من مدينتي طرابلس أو زحلة اللبنانيتين. مسألة الحدود ما كانت مطروحة حتى الماضي القريب، وكان أبناء المنطقة يعرفون جيدا التركيبة السكانية الفسيفسائية للقرى الموجودة على جانبي الحدود. والواقع أن في منطقة عكار اللبنانية وجود سني كبير (أكبر طائفة في المنطقة) مع عدد من البلدات المسيحية الأرثوذكسية والمارونية، إلى جانب قرى علوية في ساحل عكار وقرية شيعة في الجبال فضلا عن وجود سني تركي – تركماني في ما لا يقل عن ثلاث بلدات، أما في شمال البقاع، بشمال شرق لبنان فيشكل الشيعة غالبية سكانية تمتد تقريبا إلى وسط البقاع، مع حضور سني في بلدات عرسال والفاكهة والعين، ووجود عدد لا بأس به من القرى المسيحية مثل رأس بعلبك والقاع وعيناتا ودير الأحمر جلها من الموارنة والكاثوليك.

عبر الحدود السورية كان المشهد ذاته يتكرر، ففي حين يشكل السنة (السواد الأعظم منهم من العرب) غالبية السكان في مدينة وحمص وأريافها ولا سيما مدن الرستن وتلبيسة والقصير وتلكلخ، هناك بلدات وقرى علوية كبيرة في ريف حمص الشرقي والغربي مثل عرقايا والشرقلية والمخرم والمسعودية والقبو، وبلدات مسيحية في ضواحي حمص أهمها فيروزة وزيدل ثم بلدات وادي النصارى (النضارة) وأشهرها مرمريتا والمشتاية وحبنمرة والزويتينة، وقرى شيعية جعفرية مثل الغور والمكرمية والربوة وتل الأغر، وقرى سنية تركمانية مثل السمعليل وعقرب وطلف وبرج قاعي في محيط ما يعرف بناحية الحولة – حيث وقعت مجزرة الحولة يوم 25 مايو (أيار) 2012 - وزارة وحكرجية قرب تلكلخ.

ذريعة حزب الله اليوم في التدخل المباشر في القتال هو حماية وجود القرى الشيعية على الطرف السوري من الحدود، في حين تتهم بلدة عرسال السنية اللبنانية بأنها غدت جسرا لعبور التكفيريين السنة وملاذ الجيش السوري الحر وعمقه داخل لبنان في البقاع الشمالي، على غرار منطقة عكار في شمال لبنان غير أن بعض المصادر الغربية والسورية المعارضة تتخوف من سعي النظام في دمشق إلى السير قدما في خياره الأخير الذي هو التقسيم الفعلي، وبضمنه ربط المنطقة العلوية جغرافيا بشمال البقاع اللبناني حيث الغالبية شيعية، وربطها جنوبا عبر منطقة زحلة بالمعقل الشيعي الآخر في جنوب لبنان عبرة بلدة مشغرة الشيعية – المسيحية في جنوب البقاع.