أحمد ولد داداه لـ «الشرق الأوسط»: النظام عاجز وفاقد للشرعية.. ومستقبل البلاد مجهول

زعيم المعارضة الموريتانية يطالب بفتح تحقيق في محاولة اغتيال الرئيس ويعارض الاغتيالات السياسية

ولد داداه
TT

تشهد الساحة السياسية استقطابا سياسيا غير مسبوق بين المعارضة والنظام. وبينما تتحدث المعارضة عن فشل نظام الحكم الموريتاني وتطالب برحيله، وتنظم مظاهرات سياسية وندوات تحشد فيها أنصارها للمطالبة برحيل النظام كحل وحيد لتدارك الأوضاع الخطيرة على شتى المستويات، يتحدث النظام الموريتاني والأحزاب السياسية الموالية له عن فشل المعارضة وعجزها وتراجع شعبيتها ويتهمها بتضليل الرأي العام، إلى جانب فشلها في استنساخ تجارب الربيع العربي في موريتانيا، لكن الشعب الموريتاني، حسب النظام والموالاة، يرفض أطروحات المعارضة التي تدعو للعنف وإثارة الفتن والقلاقل في البلاد.

في خضم هذا التراشق السياسي الحاد بين المعارضة والنظام التقت «الشرق الأوسط» زعيم المعارضة الموريتانية، ورئيس حزب تكتل القوى الديمقراطية، أحمد ولد داداه. وفي ما يلي نص الحوار.

* يوما بعد يوم تتسع الهوة في الرؤية بينكم وبين النظام، وأود سؤالكم إلى أين تمضي موريتانيا اليوم؟

- فعلا، هذا هو السؤال الجوهري بالنسبة للمواطن العادي وللفاعلين السياسيين والمهتمين بالشأن الوطني عموما. فموريتانيا لا شك أنها تسير الآن إلى مستقبل مجهول بحيث إنه إذا كانت هناك سياسات منتهجة من طرف النظام الحالي فهي ليست معقلنة وليست لها أهداف واضحة، وبالتالي تبدو وكأنها في حالة ارتجال وتخبط، وهذا ماجعلنا نرى أن السلطة الحالية عاجزة وفاقدة للمصداقية وللشرعية، وقد برهنت على فشلها الذريع في مختلف المجالات، والأخطر من ذلك أنها لا تجلب للبلاد سوى المخاطر والأزمات، وهذا واضح على أرض الواقع وتجسده أحداث مالي، الدولة الجارة والصديقة لموريتانيا، التي سبق للنظام الحالي أن قام بأعمال عدائية لها قبل سقوط نظامها بدعمه وإيوائه لحركات انفصالية مناهضة للحكومة المالية، وهو اليوم مستعد للزج بجيشنا الوطني في حرب لا علاقة لنا بها.

* كيف تسقطون هذه الاتهامات الخطيرة بعجز النظام على واقع الحال في البلاد؟

- بالنسبة للسياسة العامة التي ينتهجها النظام الحالي، تتسم بتجاهل تام ومتعمد للمعارضة الديمقراطية في مكوناتها الأساسية، فليس هناك أي حوار مع المعارضة، بل يحرص النظام على تجاهلها وعدم إشراكها في العملية السياسية، والمعارضة لاعب أساسي في كل الدول الديمقراطية، ولا يستطيع النظام أن يلعب دورها أو يستغني عنه.

* لكن تم تنظيم حوار وطني شاركت فيه أحزاب معارضة كانت معكم في منسقية المعارضة الديمقراطية؟

- حسب معلوماتي ليس هناك حوار مع أحزاب المعارضة الديمقراطية حتى هذه اللحظة، وما حدث مع جهات أخرى نحترمها لا يعني لنا شيئا. نحن نرى أن أفعال العقلاء مصونة عن العبث، وقد طالبنا بالحوار وطرحنا رؤية موضوعية وعقلانية لذلك الحوار، لكن النظام أصر على أن يكون الحوار كما يرسم هو وما يريد، ونحن لا يمكن أن نشارك فيما لا يخدم مصلحة البلاد، لذلك نعتبر أن الحديث عن الحوار مع النظام غير مجد لأنه فعلا ليس هناك حوار.

* الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز قال إن باب الحوار مفتوح، واستغرب حديثكم عن وجود أزمة سياسية في البلاد قائلا إنه لا علم له بتلك الأزمة؟

- الحوار ينبغي أن يكون هو الأسلوب السائد في كل دولة، سواء كانت هناك أزمة أو لم تكن. على السلطات أن تهتم بالوطن والمواطنين وتحاور الجميع معارضة أو موالاة فالسلطة هي المسؤولة عن تسيير البلاد والعباد، سواء جاءت عن طريق الانتخابات أو بقوة السلاح، كما هو حال السلطة الحالية، وبغض النظر عن طريقة تلك السلطة في تسيير نظام الحكم يجب عليها أن تستمع للجميع وتحاور الجميع، وهذه الصفة غائبة من أذهان السلطة الحالية، وقول الرئيس إن الباب مفتوح لا يعتبر مبادرة مهمة لأنه إذا كان الباب مفتوحا فمعناه إذن أن هناك أزمة وهو ينفيها، وإذا قيل إنه ليست هناك أزمة فإن الوضع يكون أخطر لأنه يعني عدم شعور النظام بالأزمة الخطيرة التي تجتاح البلاد، وهذا يعني أنه لن يتخذ التدابير والإجراءات الضرورية لمعالجتها والوقاية من تداعياتها.

نحن نرى ونؤكد أن هناك أزمة متسعة ومتنوعة وعلى شتى المستويات، فعلى المستوى الأمني تشتعل الحرب على حدودنا الشرقية في بلد شقيق وصديق لموريتانيا، ومن الصعب أن نسلم من هذه الحرب لأن حدودنا مع مالي تمتد على مسافة 2237 كيلومترا مربعا، وهي حدود لا قدرة لأي طرف على حمايتها لتشعبها واتساعها ووعورتها.

كما أن التداخل الجغرافي والاجتماعي والاقتصادي بين البلدين يجعل نجاة أي طرف من الحرب مستحيلة، هذا في حالة افتراض أننا لم نشارك في الحرب ولو لوجيستيكيا من خلال مطاراتنا وخبرتنا الاستراتيجية والأمنية وأنا أشك في هذا كله.

* بمعنى؟

- بمعنى أنني أخشى أن ندخل في حرب ليس لنا ناقة فيها ولا جمل، حرب خطيرة علينا وعلى المنطقة عموما، فما تحتاجه منطقتنا ومنطقة الساحل هو جهود البناء والتنمية لتحسين الأوضاع وليس التدمير الذي ينسف البنى التحتية المتهالكة أصلا، والأخطر من كل ذلك هو قتل الأنفس البشرية. نحن لا نريد ولا نقبل أن تصبح منطقتنا أفغانستان الساحل الأفريقي، ولكي لا يكون هنا لبس نؤكد أننا ضد الإرهاب والإرهابيين، لكن كما هو معلوم لكل حرب جبهتان، جبهة للقتال والجبهة الداخلية، والجبهة الداخلية في نظري أهم من الجبهة القتالية، وعندما يكون الرأي العام الوطني غير مقتنع بدواعي ومبررات حرب ما أي أنها لا تصب في مصالح البلاد فإن ذلك يؤثر على أداء الجنود ويجعلهم غير مقتنعين بقداسة مهمتهم.

ولا شك أننا غير مقتنعين بشرعية الحرب المالية، وخصوصا أن هناك جنودا أجانب، وهذا في الحقيقة في منتهى الخطورة، ونحن على كل حال لا نشجع ولا ندعم هذه الحرب، لكننا نشجع وندعم جهود المصالحة بين الماليين، من جهة، وبالنسبة لنا في موريتانيا نشجع بناء الجبهات الداخلية القوية على مرتكزات العدالة الاجتماعية، وتحسين التعليم والصحة والتكوين الجيد وتوظيف الشباب لأن 75 في المائة من سكان بلادنا عندهم أقل من 29 سنة، وهذا الشباب يتلقى تعليما رديئا، ويعاني من بطالة خطيرة وفقد الأمل، وهذه هي المتفجرات الجاهزة والموقوتة بعينها لأن أي بلد لا يملك شبابه أفقا وأملا فهو بلد مريض يحتاج للبحث عن العلاج.

* تحدثتم في المعارضة عن حادثة إطلاق النار الذي تعرض لها الرئيس ولد عبد العزيز في 13 أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، الآن وقد شفي الرئيس، ما ذا تمثل لكم تلك الحادثة؟

- نحن نأسف على إصابة الرئيس ولد عبد العزيز في الحادثة الأليمة، وأذكر أنه لم تسجل في التاريخ السياسي للبلاد محاولة اغتيال للرئيس منذ الاستقلال وحتى الآن، وليس من ثقافة أهل موريتانيا الجنوح للاغتيالات السياسية، ولا نريد لتلك الثقافة أن تنتشر بيننا، نحن نسعى لسيادة الحكمة، ونشر ثقافة احترام النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق، ونريد لهذا البلد أن يبقى سليما وبعيدا عن هذا النوع من المهاترات التي تقضي على الاستقرار والتعايش السلمي، وتنشر ثقافة الحقد والثأر، التي تدمر المجتمعات.

وعبرنا من اليوم الأول للحادثة عن أملنا في الشفاء التام والعاجل للرئيس، وكما تعلمون كانت هناك روايتان لحادثة الرئيس إحداها يعف اللسان عن نطقها ولن أتعرض لها والأخرى ترى أن الرئيس كان في جولة في منطقة نائية ودون حراسة ملائمة وفي ظروف غير ملائمة لرئيس يتحمل مسؤولية دولة وشعب، وخصوصا في الظروف التي نعيشها الآن، ونخشى أن يتسرب لنا هذا النوع من الإجراءات في العقل والجسم الموريتاني، فالاغتيالات السياسية ليست حلا لأنها تطرح مشكلات أخطر منها كالثأر والحروب الأهلية.

ومن حق الشعب الموريتاني أن يعرف ملابسات هذه الحادثة الخطيرة، والأولى من نوعها، والدخيلة على أخلاق وقيم المجتمع، فلماذا لم يتم توقيف صاحب الخطأ ولماذا لم يمثل أمام المحاكم؟ فالقضاء هو المعني بالقضية وليس الرئيس، لكن القضية تم التعامل معها وكأن القضاء غير موجود في البلد، والمؤسف أن مؤسسة القضاء نفسها التزمت الصمت، وكأنها غير معنية.

وهذا في الحقيقة خطير ومريب، ولا يصدق عقل سوي أن يتعرض شخص عادي لطلق ناري في دولة تحترم نفسها وشعبها ولا يفتح تحقيق في الموضوع، ما بالك إذا كان الأمر يتعلق برئيس الجمهورية. ما يمكنني تأكيده هو أننا في التكتل نطالب بفتح تحقيق في هذه القضية ونطالب القضاء بتحمل مسؤولياته في هذا الاتجاه.

* لكن المفارقة أنكم في المعارضة تطالبون اليوم برحيل نظام اعترفتم بشرعيته في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، كيف نفهم ذلك؟

- ارتكاب أخف الضررين قد يكون لازما في بعض الظروف، نحن في التكتل لم نعترف بصحة النتائج ولا بالرئيس ولكن بعد فترة ارتأينا أن المصلحة تقتضي العمل على إبعاد البلاد من الحروب الأهلية والقلاقل، ونظرا لكل ذلك اعترفنا بشرعية الرئيس، لكن لا يعني ذلك أنه نبي مرسل معصوم، وقد منحناه فرصة لعل الله يهديه ويبصره أكثر للتعاون السلمي السليم مع المعارضة لإنهاء الاستبداد، لكن هذا ما لم يحدث، وبالتالي فإننا على حق بالمطالبة بالرحيل.

لقد توصلنا لقناعة بضرورة رحيل النظام بعد اليأس من الرئيس ولد عبد العزيز، وبعدما يئسنا نهائيا من تجاوبه مع مطالب المعارضة، وتأكدنا من تمسكه بعقلية الحكم العسكري غير اللائقة ببلاد تدعي الديمقراطية. فممارسات النظام اليوم تشجع الجيش على تعاطي السياسة وممارستها، والابتعاد عن مهمته العسكرية النبيلة والانغماس في الرفاهيات التي تدمر قدرته القتالية، وتحول الصراع إلى الداخل، بينما مكانه الصحيح هو حدود البلاد والدفاع عنها وعن سيادتها وحوزتها الترابية.

إن الجيش في نظري هو أول متضرر من النظام العسكري، كما أن الضرر يصبح خطيرا على السياسة عندما يدخلها الجيش، لأنها تصبح تمارس لا بالعقل والتفكير والمنطق، وإنما بمنطق البندقية والسلاح، وهذا هو منطق الحكم العسكري الذي يحكم البلاد اليوم، فهو نظام لا يهتم بمنطق العقل ولا بمنطق السياسة وهو لا شك سيرحل عاجلا أو آجلا.

* لم تلح في الأفق مؤشرات رحيله بعد؟

- سيرحل لا شك في ذلك لأنه نظام غير مسؤول، لكن هل سيرحل بأقل التكاليف أم بثمن باهظ؟ هذا هو السؤال المطروح، وأنا لا أعلم الغيب، لكن أعرف أن الظروف الحالية خطيرة جدا وغير مسبوقة في التاريخ السياسي الوطني، فرغم مواردنا الاقتصادية الضخمة، فإن بلدنا فقير في كل شيء، ويصنف من أغنى البلدان وأفقرها في نفس الوقت رغم أن عدد السكان لا يتجاوز ثلاثة ملايين نسمة.

* كيف يتفق كلامكم عن الاقتصاد مع الأرقام التي أفصح عنها الرئيس قبل شهور، والتي توحي بأن أوضاع البلاد الاقتصادية جيدة جدا؟

- الأرقام مهما كانت لا بد أن توضع في إطارها الصحيح، فالمهم ليس الأرقام، المهم هو من أين جاءت هذه الأرقام وماذا بعدها؟ أي ما هو انعكاسها على الوضع الاقتصادي والاجتماعي، ولا أعتقد أن أوضاع السكان اليوم تؤكد تلك الأرقام، بل تكذبها وتفندها، فالارتفاع الجنوني للأسعار وانتشار البطالة، خير دليل على ما تعيشه البلاد من تدهور اقتصادي مخيف.

أيضا هذه المبالغ لم يوضح لنا مصدر كثير منها، فهل من بينها المبلغ الخاص الذي دخل عن طريق صفقة عبد الله السنوسي (صهر العقيد معمر القذافي ومدير مخابراته) المشبوهة؟