أسباب سياسية وآيديولوجية وراء حظر إيران لتماثيل بوذا

المخاوف امتدت لتشمل جوانب مثل إزالة أعمال فنية رائعة من متحف طهران

سريلانكي يردد شعارات رافضة لإزالة تماثيل بوذا في طهران خلال وقفة احتجاجية أمام السفارة الإيرانية في كولومبو الأسبوع الماضي (أ.ب)
TT

قال مسؤول في الحكومة الإيرانية إن سلطات بلاده أكملت عملية إزالة تماثيل بوذا من كل المتاجر في العاصمة طهران، التي بدأت قبل أيام، وتم حظر بيعها لوقف «الترويج لآيديولوجيا وعقيدة دينية»، مشددا على أن الجمهورية الإسلامية لا تسمح بنشر هذه العقيدة الدينية.

وتعيد هذه الخطوة إلى الأذهان قيام حركة طالبان في الحادي عشر من مارس (آذار) 2001 بتدمير تمثالي بوذا في مدينة باميان اللذين كان يعود تاريخهما إلى 1600 عام، وهي الخطوة التي وصفت من قبل المجتمع الدولي حينئذ بأنها «جريمة ضد الثقافة»، ولكن حسب مراقبين مختصين، فإن حركة طالبان، مثلها في ذلك مثل النظام الإيراني الحالي، كانت ترى أن تماثيل بوذا «ليست إسلامية».

ورغم إمكانية تكرار حوادث مماثلة، على غرار ما حدث في مالي، في المستقبل في البلدان التي يحكمها إسلاميون متشددون، فإن حظر بيع تماثيل بوذا في طهران يتسم ببعض التعقيد ويجب النظر إليه من عدة جوانب.

ربما لم يحدث قط في تاريخ إيران أن يكون فن النحت في هذه الحالة التي يرثى لها كما هو الحال اليوم، حيث تعتبر الفنون مثل الموسيقى والنحت منتجات من «نمط الحياة الغربية»، في ظل سياسة الجمهورية الإسلامية. ومنذ أن وجدت عبارة «لا شرق ولا غرب، الجمهورية الإسلامية فقط» في خطابات قائد الثورة آية الله الخميني طريقها في دولة إيران الإسلامية كشعار رئيسي، تبذل السلطات الإيرانية قصارى جهدها لتطهير الثقافة الإيرانية من الرموز الغربية والشرقية على حد سواء. وبالتالي، لجأت إيران إلى المذاهب المعادية للغرب والتي أدخلها كتاب إيرانيون من أمثال أحمد فرديد وجلال آل أحمد. وفي كتابه الذي يحمل عنوان «السموم الغربية»، أشار آل أحمد إلى أن ما ساهم في تطوير الغرب ليس بالضرورة صالحا لدول العالم الثالث.

ولذلك، تم وضع قيود صارمة على الفنون مثل الموسيقى والنحت منذ قيام الجمهورية الإسلامية في إيران، كما تعرضت السينما الإيرانية لقيود مماثلة، ربما باستثناء رؤية آية الله الخميني، بالصدفة، لفيلم البقرة، الذي أخرجه المخرج الإيراني ميهرجي داريوش، وإشادته به. ولم يقتصر الأمر على عدم إشادة القادة الإسلاميين بالموسيقيين والفنانين التشكيليين الإيرانيين فحسب، ولكن آية الله خامنئي كان قد حذر الحكومة الإصلاحية لمحمد خاتمي من نشر الموسيقى والفنون غير الإسلامية.

وقد أدت السياسة التي تتبعها الجمهورية الإسلامية، والتي تفاقمت في وقت لاحق خلال رئاسة أحمدي نجاد، وخاصة في أعقاب ظهور مفهوم «الحرب الناعمة» في المشهد السياسي، إلى إعاقة تطور الموسيقى وفن النحت في إيران، وامتدت تلك العقبات إلى حظر الأعمال الفنية التي تم إنتاجها قبل الثورة الإسلامية، ووصل الأمر إلى ذروته حين تم تخزين مجموعة من الأعمال الفنية المعاصرة التي كانت موجودة في متحف طهران للفن المعاصر، والتي تعد تحفا رائعة من الفنون التشكيلية في العالم، في الطابق السفلي للمتحف.

وبالإضافة إلى هذه السياسة العامة للدولة، هناك إجراءات أخرى غير رسمية وغير قانونية تهدد الفنون التشكيلية في إيران، في الوقت الذي تغض فيه السلطات الإيرانية الطرف عن محاسبة المسؤولين عن ذلك. وقبل عامين من الآن، اختفت مجموعة من التماثيل لشخصيات إيرانية شهيرة من شوارع وميادين طهران، ورأى كثير من المراقبين أن السلطات الحكومية والجماعات الدينية التي تمولها الدولة هي المسؤولة عن ذلك، ولكن وسائل الإعلام الرسمية حاولت صرف نظر الرأي العام عما حدث، واتهمت عملاء أجانب، تم وصفهم بـ«الأيادي الخفية لبريطانيا»، بسرقة هذه التماثيل.

ولم يقتصر كفاح الجمهورية الإسلامية ضد نمط الحياة الغربية على الثقافة وحدها، وإنما امتد ليشمل كل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، فعلى سبيل المثال، تنظر الدولة إلى تزايد مبيعات ألعاب باربي وهدايا أعياد الميلاد وتنامي ظاهرة الطلاق على أنها انعكاسات لزيادة تأثر الإيرانيين بنمط الحياة الغربية. وفي الآونة الأخيرة، وصف آية الله خامنئي تنظيم الأسرة وتحديد النسل بأنها نتيجة مباشرة للتأثر بنمط الحياة الغربية، وأصدر تعليمات للحكومة بوضع حد لمثل هذه المبادرات التي بدأت في حكومة هاشمي رفسنجاني.

ومع ذلك، تتلقى السياسات التي تفرض قيودا على الفنون التشكيلية – لا سيما فن النحت – في إيران دعما كاملا من آيديولوجيا دينية دائما ما تلقى تشجيعا كبيرا من الدولة والمنظمات الدينية التابعة لها. ولو كان النضال ضد الأفكار الغربية والشرقية خلال السنوات الأولى للثورة يهدف إلى قمع مجموعة من الفصائل السياسية، فإن الدولة الآن تستهدف كل أطياف المعارضة، وبات النضال الآن يهدف لقمع ومنع انتشار الديانات والطوائف الأخرى.

وكان المرشد الأعلى خامنئي قد أمر، عقب وصوله للسلطة، بإنشاء مؤسسات مثل معهد البحوث الإسلامية للثقافة والفكر، الذي يقوم بأعمال استخباراتية تحت غطاء العمل الأكاديمي. وتتمثل المهمة الرئيسية لهذه المؤسسات في تقييم تأثير الأديان والطوائف الأخرى على المجتمع الإيراني. وتحدد هذه المعلومات، التي تم نشرها في كتيبات سرية، السياسات التي تتبعها الدولة لقمع الديانات المختلفة. وعقب ظهور ما أطلق عليه النظام في الجمهورية الإسلامية اسم «التصوف الوليد»، بدأت الدولة موجة جديدة من القمع الديني، وقامت بحظر أعمال باولو كويلو وإلغاء التراخيص الممنوحة لعدد من دور النشر بزعم أنها تقوم بالترويج للتصوف الوليد.

ولا ينبغي تصور أن القيود الدينية لا تنطبق إلا على البوذية والهندوسية (التي لا يعترف الدستور الإيراني بها رسميا)، ولكن حتى الأديان الثلاثة المعترف بها رسميا للأقليات، وهي الزرادشتية واليهودية والمسيحية، تواجه قيودا هي الأخرى، وحتى السنة الذين يطلق عليهم المسؤولون الإيرانيون اسم «الإخوة في الإسلام»، لا يتم السماح لهم بممارسة شعائرهم الدينية بحرية.

وتعكس الإجراءات الراديكالية التي تتبعها إيران، مثل الحظر الذي فرضته مؤخرا على تماثيل بوذا، مدى القلق الذي تشعر به الجمهورية الإسلامية من فقدان نفوذ المذهب الشيعي على الإيرانيين، وخاصة جيل الشباب؛ لأن القادة الإيرانيين يعلمون أن انخفاض تأثير الدين الرسمي (التشيع) سوف يؤدي إلى انخفاض في نفوذ الدولة السياسي؛ القائم في الأساس على نظرية «ولاية الفقيه». وهذا هو السبب الرئيسي وراء حظر أفكار المثقفين الدينيين، مثل عبد الكريم سروش ومصطفى ملكيان وغيرهما من معارضي نظرية ولاية الفقيه.