ظاهرة الخطف تتصاعد في سوريا وتتخذ طابعا طائفيا

«مخابرات الثورة» تتهم النظام بخطف حافلة للركاب في السويداء.. وأكثر من 150 طبيبا مسيحيا اختطفوا في الحسكة

TT

تصاعدت ظاهرة الخطف في سوريا بعد تحول الصراع بين النظام ومعارضيه إلى قتال عسكري أفرز الكثير من الجماعات التي يتزعمها «تجار الحرب». وهدف هذه الجماعات كما يشير ناشطون يتمثل في اختطاف المدنيين للحصول على «فديات» مالية تقدر بمبالغ كبيرة. لكن عمليات الخطف لم تعد تقتصر على العصابات التي تستغل الوضع الأمني القائم؛ بل تتجاوز ذلك لتشمل تصفية حسابات في المناطق التي تشهد احتكاكات طائفية، وفقا لناشطين.

وبرزت في الأيام الماضية أنباء عن اختطاف حافلة تقل مواطنين دروزا على طريق السويداء - دمشق، كما تشهد مدينة الحسكة منذ شهرين موجة خطف يعتقد كثيرون أنها تستهدف المسيحيين بقصد تهجيرهم من المنطقة، إضافة إلى تشكيل ميليشيات في محافظة اللاذقية الساحلية بزعامة هلال الأسد أحد أقرباء الرئيس السوري مهمتها اختطاف أغنياء المدينة وابتزازهم ماديا.

وأصدرت إدارة «المخابرات العامة للثورة السورية» بيانا بعد أيام من اختطاف حافلة ركاب على طريق دمشق - السويداء تضم أشخاصا من الطائفة الدرزية، أشارت فيه إلى أن «حاجزا من الأمن العسكري تم إنشاؤه بشكل مؤقت في مكان مرور الحافلة قام بخطف الحافلة وأجبرها على التوجه إلى منطقة مجهولة في ريف دمشق»، وأضاف البيان أن «الهدف من هذه العملية هو إرهاب أهالي الجبل وثنيهم عن متابعة المطالبة بالتحرر من الاحتلال الأسدي».

وكان «المركز السوري للتوثيق» قد أفاد «باختطاف حافلة ركاب كانت متجهة من محافظة السويداء جنوب سوريا إلى العاصمة دمشق من قبل مسلحين ملثمين بين قريتي (رضيمة اللواء) و(الصورة)»، الأمر الذي استدعى موقفا من الشيخ أبو وائل حمود الحناوي شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز، الذي أكد أن «هذه الأعمال لا يمكن أن يقبلها أي إنسان، ولا تخدم مصلحة الوطن، ولا الاستقرار الذي ننشده»، وأضاف: «لا نريد أن ندفع البلد باتجاه التصعيد، لهذا فإن محافظة السويداء وقفت على الحياد ولا تريد أن تكون طرفا في القتال الدائر في البلاد»، مشددا على أن «طائفة الموحدين الدروز لم تحمل السلاح أبدا ضد أحد من أبناء الشعب السوري، ولن توجهه إلى صدر أي سوري مهما كانت الأسباب».

وترافقت عملية اختطاف الحافلة مع تحركات طلابية معارضة شهدتها محافظة السويداء حيث خرج طلاب المدارس في مظاهرات معارضة تندد بالعنف الوحشي الممارس من قبل النظام في معظم المدن السورية. وبحسب ناشط درزي، فإن «عملية الخطف تأتي من قبل النظام للرد على الحراك المعارض في المحافظة بحيث يتم تخويف الدروز من جيرانهم من المناطق والقرى المجاورة والذين يتحدرون من طوائف مختلفة».

وبالتزامن مع اختطاف حافلة للركاب في السويداء، فإن مدينة الحسكة شرق سوريا، تشهد بدورها عمليات خطف ممنهجة تستهدف شرائح مختلفة من سكان المحافظة، لا سيما الأطباء منهم.

وفي حين يشير ناشطون مسيحيون إلى أن المستهدف الأول من هذه العمليات هم أبناء الطائفة المسيحية، يؤكد آخرون أن عصابات مجهولة تقوم بخطف ميسوري الحال في المدينة للحصول على فدية مادية مستبعدين استهداف أي طائفة بسبب انتماء أفرادها.

وبحسب الناشط والكاتب المسيحي سليمان يوسف، فإن «عمليات الخطف في المحافظة تتركز حول المسيحيين؛ إذ تم اختطاف 25 شخصية خلال الفترة الماضية وقتل 5 آخرون بسبب عدم استجابتهم لمطالب الخاطفين»، ويؤكد يوسف لـ«الشرق الأوسط» أن «المسألة تتجاوز طلب الفدية المالية وتحولت إلى سياسة ممنهجة لخطف شخصيات مسيحية لها مكانتها العلمية والأكاديمية مثل الدكتور جاك مارديني رئيس جامعة الفرات الذي تم إطلاق سراحه بعد أيام من خطفه».

وكشف يوسف أن «أكثر من 300 عائلة مسيحية هاجرت باتجاه أوروبا خوفا من عمليات الخطف لا سيما بعد حصولنا على معلومات تؤكد وجود قائمة للخطف تحمل أسماء 100 شخصية مسيحية»، وأضاف: «استهداف المسيحيين لا يتوقف على عمليات الخطف؛ بل هناك سطو على الأراضي التي يملكها المسيحيون في منطقة ريف القامشلي»، ويتهم الناشط المعارض «العشائر العربية والجماعات الإسلامية المتطرفة بالوقوف وراء عمليات الخطف التي تستهدف المسيحيين»، مشيرا إلى «تواطؤ بين هؤلاء وبين الدوائر الأمنية في النظام السوري».

في المقابل، ينفي الناطق باسم «لجان التنسيق المحلية» في الحسكة، ميرال بروردا أن «تكون عمليات الاختطاف في المدينة تستهدف المسيحيين»، ويوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن «العصابات الخاطفة تستهدف الأغنياء من سكان المنطقة ومعظم هؤلاء في الحسكة هم أطباء مسيحيون، مما ترك انطباعا خاطئا عند البعض عن وجود مخطط لتهجير المسيحيين من الجزيرة العربية»، وبحسب بروردا، فإن «أكثر من 150 طبيبا تم اختطافهم في الفترة الماضية»، واتهم «النظام السوري بنشر إشاعات عن مكونات منطقة الجزيرة العرب والأكراد المسيحيين لزرع الفتنة في صفوفهم».

أما في محافظة اللاذقية، فيؤكد ناشطون معارضون أن «هلال الأسد، أحد أقرباء الرئيس السوري، قام منذ فترة بتشكيل ميليشيا مسلحة مهمتها تنفيذ عمليات خطف تستهدف أثرياء المحافظة وأولادهم»، ويقول ناشط معارض لـ«الشرق الأوسط» إن «الخطف لا يستهدف طائفة بعينها؛ بل يتركز على الأثرياء والتجار والصناعيين الكبار»، ويضيف: «هناك أشخاص تمت تصفيتهم بسبب عدم رضوخ أهلهم لابتزاز الخاطفين».

ويتحدث ناشطون معارضون عن عمليات خطف على حواجز اللجان الشعبية التابعة للنظام في محافظتي دمشق وحمص تحدث غالبيتها على أساس طائفي. ويتراوح عدد المخطوفين في سوريا منذ بداية الحراك الثوري منتصف مارس (آذار) 2011 بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، بين ألفين وثلاثة آلاف شخص.