الرئيس التونسي يدلي بشهادته في قضية اغتيال شكري بلعيد

توسيع التحقيق وشقيقة المغتال تطالب باستجواب العريض

TT

أدلى الرئيس التونسي محمد منصف المرزوقي أمس بشهادته أمام قاضي التحقيق في قضية اغتيال المنسق العام لحزب الجبهة الشعبية الموحد،شكري بلعيد، الذي قتل في السادس من الشهر الجاري بإطلاق النار عليه بعد أن جلس في سيارة كانت في انتظاره أمام مدخل العمارة التي كان بلعيد يقيم في أحد طوابقها.

وقد أدى الاغتيال لتداعيات سياسية وأمنية لا تزال تونس تعيش آثارها حتى اليوم.

وتأتي عملية الاستماع لشهادة المرزوقي في إطار التحقيقات التي لا تزال جارية حتى الآن، لمعرفة ما إذا كانت هناك جهات سياسية أو غيرها تقف وراء عملية الاغتيال، حيث تم القبض على 4 من المتهمين، أطلق سراح أحدهم بينما لا يزال من أطلق النار في حالة فرار.

وأفاد مصدر في وزارة العدل بتونس «الشرق الأوسط» أن «النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بتونس ستستدعي عضو نقابة الصحافيين زياد الهاني، وعضو حزب، نداء تونس، لزهر العكرمي، ومدير قناة، الحوار التونسي، الطاهر بن حسين، وأطرافا أخرى (لم يسمها) باعتبارهم مشتكى بهم في قضية اغتيال بلعيد». وأكد أن مسؤولين بوزارة الداخلية رفعوا قضايا ضد من اتهمهم بالضلوع في مقتل شكري بلعيد، وما أذاعوه على الرأي العام من وجود جهاز أمن مواز، وبوجود قيادات أمنية متشددة في وزارة الداخلية.

وكانت النيابة العمومية قد استمعت إلى قيادات أمنية، وإلى القيادي البارز في حركة النهضة الحبيب اللوز، الذي اتهمته بعض الأطراف السياسية والإعلامية بوجود قرابة له مع قيادات أمنية وهو ما نفاه بشدة.

واعتبر كثيرون شهادة المرزوقي سابقة في التاريخ السياسي لتونس حيث لم يمثل أي رئيس أمام القضاء على مدى 6 عقود من الاستقلال. وجاء في بيان مقتضب لرئاسة الجمهورية التونسية حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه «استقبل رئيس الجمهورية محمد منصف المرزوقي اليوم (أمس) قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية بتونس العاصمة». وأن «قاضي التحقيق استمع إلى المرزوقي كشاهد في قضية اغتيال بلعيد» ولم يزد البيان على ذلك.

وكانت شقيقة بلعيد قد طالبت بالتحقيق مع وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال علي العريض، «نطلب علي العريض للتحقيق، ونطالب بتدويل القضية»، أما شقيق بلعيد فقد ذكر في شهادته أمام القضاء في وقت سابق «(محمد منصف) المرزوقي أخبر بلعيد بأنه مهدد بالقتل وعرض عليه الحماية الأمنية لكن شكري رفض لأنه اعتبرها طريقة لمراقبته»، وأعرب شقيق بلعيد عن اعتقاده بأن «(الرئيس محمد منصف) المرزوقي يعرف على الأقل الجهة التي قررت اغتيال شكري بلعيد».

من جهتها ذكرت مصادر حقوقية مطلعة أن المرزوقي قد أكد أن تصريحاته قد بنيت على تخمينات وقراءة شخصية للواقع السياسي ولحالة الشحن التي كان المشهد السياسي يعاني منها. وأضاف المرزوقي أن التهديدات التي تحدث عنها ليست موجهة ضد طرف سياسي بعينه أو ضد شخصية سياسية معنية، وقال إن المتابع للوضع الداخلي ولحالة الشد والتوتر يمكن بسهولة أن يتصور وجود «متهورين» يتعرضون لعمليات غسل أدمغة مما يجعلهم يستبيحون أرواح الناس. وذكر بأنه دعا في أكثر من مناسبة إلى سن قانون يجرم التكفير ليوقف حملات إهدار الدم التي يطلقها بعض المتشددين.

وكان عدنان منصر الناطق الرسمي باسم رئاسة الجمهورية قد نفى يوم 15 فبراير (شباط) خبر دعوة المرزوقي للإدلاء بشهادته أمام قاضي التحقيق في حادثة اغتيال شكري بلعيد الأمين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد وصرح قائلا «إن تمت دعوة رئيس الجمهورية فلن يمانع في ذلك إذا كان قانونيا».

وإلى جانب استماع القضاء للمنصف المرزوقي، من المتوقع حسب دوائر حقوقية أن يستدعي قاضي التحقيق كلا من الشيخ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة والحبيب اللوز القيادي في نفس الحركة وذلك بعد أن طلبت هيئة ادع اغتيال ي ا اءهما اعتبارا إلى أن ا و القانون التونسي «له ا أي ن منصبه داخل ادو». وفي هذا الشأن صرح نور الدين العرباوي القيادي في حركة النهضة لـ«الشرق الأوسط» أن أيا من الشيخ راشد الغنوشي والحبيب اللوز وبقية القيادات المشاركة في الحكومة لم يتلق إلى حد الآن أي استدعاء قضائي، وقال إن أبناء الحركة مستعدون للمثول أمام القاضي أو الاستماع لهم كشهود إذا اقتضى الوضع القانوني ذلك. وأضاف أن قيادات حركة النهضة لها ثقة في القضاء التونسي وأنها ستكون في الصفوف الأولى لإنارة العدالة والكشف عن خيوط الجريمة.

وفي إطار الكشف عن كامل تفاصيل الجريمة بدأت أمس قوات أمنية تونسية مختصة تعقب خطى المتهم الرئيسي بقتل القيادي اليساري شكري بلعيد. ووسعت من دائرة تمشيطها لتشمل جبال ورغي الواقعة بين مدينتي «الطويرف» وساقية سيدي يوسف من ولاية - محافظة - الكاف(160 كلم شمال غربي تونس)، كما توجهت قوات مماثلة إلى منطقة غار الدماء الواقعة على الحدود التونسية الجزائرية وذلك بعد رصد اتصال هاتفي يشتبه في كونه للمتهم الرئيسي. وصرحت مصادر أمنية من مدينة الكاف لوكالة الأنباء التونسية الرسمية أن حملة التمشيط هدفها «تضييق الخناق على المتهم الرئيسي وسد كل منافذ الهروب أمامه». وذكرت نفس المصادر أن قوات الأمن بمنطقة جندوبة (شمال غربي تونس) مسقط رأس المتهم الرئيسي قد استدعت والد المتهم بقتل شكري بلعيد وشقيقه في إطار التحقيق الجاري في القضية. من جهة أخرى تضاربت الأقوال حول وفاة رجل الأمن، شاكر القصداوي ( 27 سنة) الذي أصيب بطلقة نارية من بندقية صيد وهو يباشر عمله في سيدي بوزيد. وكانت الإصابة قد أحدثت له نزيفا دمويا في الرئتين.

على صعيد آخر قال وزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية، والقيادي في حزب حركة النهضة سمير ديلو ردا على نبأ إبعاد نائب رئيس الحركة عبد الفتاح مورو من حزب حركة النهضة على أثر انتقادات شديدة وجهها لوزرائها في الحكومة «الشيخ عبد الفتاح مورو من مؤسسي الحركة ولا صحة لما يقال عن إبعاده عنها، عبد الفتاح مالك وليس مستأجرا»، وتابع «موقع عبد الفتاح مورو في الحركة يخول له النصح والنقد القاسي لأنه بنية الإصلاح وتصحيح المسار، وكلمته مسموعة حتى وإن لم يكن حولها إجماع».

زبير الشهودي مدير مكتب رئيس حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي أفاد بأن «خبر إبعاد الشيخ عبد الفتاح مورو نائب رئيس الحركة لم يطرح على القواعد. وتصريحات مورو تتعاطى معها الحركة بشيء من المرونة والتجاوز» وأوضح الشهودي أن «تقاليد تنظيم الحركة في التعاطي مع أي مسؤول داخلها هي أن تتولى المؤسسات القاعدية الحسم في أي موضوع بعدما ترفع إليها الهيئة التنفيذية شكوى بخصوص موضوع ما لتنظر في المشكل وتتخذ موقفا معينا يتم الإعلان عنه في وقت لاحق». وأكد الشهودي أنه «لا وجود لنية جازمة في إبعاد مورو من الحركة إلى حد الآن».

وكانت صحيفة «المغرب» التونسية اليومية قد ذكرت بأن مصدرا في النهضة أخبرها بأن مورو سيتم إبعاده من النهضة.

بدوره نفى الشيخ عبد الفتاح مورو علمه بأي قرار في شأنه وأكد أن «الحركة من حقها أن تتخذ ما تراه مناسبا في أي من أعضائها أو قياداتها وفق الضوابط والآليات التي حددتها سلفا أو تحددها مستقبلا». وكان أنصار حركة النهضة، قد اختلفوا بين مؤيد ومعارض لتنازل الحركة عن وزارات السيادة. وأبدوا امتعاضا من دعوة الشيخ مورو للحوار مع «نداء تونس»، وهو ما قيل إن قيادات عليا في الحركة ومقربين منها يؤدون الحوار دون التحالف. وقد استقبل رئيس الوزراء المعين علي العريض رئيس حزب، نداء تونس، الباجي قايد السبسي. وفي سياق آخر حصلت تونس على دعم مالي بـ5،4 مليون دولار أميركي كهبة من البنك الدولي لإقامة 3 مشاريع وصفت بالهامة، كما تلقت تونس موافقة مبدئية على هبتين إضافيتين لتمويل مشروعين بقيمة 4،6 مليون دولار أميركي. ولم تذكر مصادر الحكومة التونسية طبيعة المشاريع المذكورة.

إلى ذلك ألغت المحكمة مذكرة الجلب بحق الأستاذة في كلية منوبة رجاء بن سلامة وتأجيل مثولها أمام القضاء على خلفية اتهامها لمقرر الدستور حبيب خضر بالخيانة. وقد تظاهر زملاؤها أمام المحكمة مطالبين بحرية تعبير.

من ناحية أخرى استنكرت جبهة الإصلاح (حزب سلفي تونسي تأسس بعد الثورة) اتهام التيار السلفي بالوقوف وراء عملية اغتيال بلعيد وقالت إن في الأمر تجنيا على السلفيين. وفي ذات السياق، صرح محمد حوجة الأمين العام لحزب جبهة الإصلاح لـ«الشرق الأوسط» بأن العقاب لا يمكن في كل الأحوال أن يكون جماعيا وعلى كل فرد تحمل مسؤولية أعماله. وأشار إلى أن الجبهة تدين بشدة عملية اغتيال بلعيد وتعتبر أن من نفذ الاغتيال قد أخطأ في حق الشعب وفي حق البلاد ويستحق أن يعاقب بشدة على صنيعه.