زعيم «الجيش الإسلامي للإنقاذ» الجزائري المنحل: أنصح بوتفليقة بعدم الترشح لولاية رابعة

مدني مزراق قال لـ «الشرق الأوسط» إن أفغنة الساحل أصبحت حقيقة «تمشي على رجليها» بعد اندلاع أزمة مالي

مدني مزراق
TT

لمح مدني مزراق، زعيم «الجيش الإسلامي للإنقاذ»، الذراع المسلحة لـ«الجبهة الإسلامية للإنقاذ» الجزائرية المحظورة، إلى احتمال عودته لخوض غمار السياسة من جديد رغم ترسانة القوانين والإجراءات التي أعدتها السلطات حتى تمنع كل أفراد «الإنقاذ»، سياسيين ومسلحين، من الانخراط في اللعبة السياسية، بذريعة أنهم مسؤولون عن الدماء التي سالت في فترة الحرب الأهلية، وقال: «ما فات شيء بعد.. وإن غدا لناظره لقريب».

واتهم مزراق الذي كان يقود ستة آلاف مسلح مطلع عقد التسعينات من القرن الماضي، في حوار مع «الشرق الأوسط»، المسؤولين في الدولة بـ«خيانة العهد ونقض الوعد»، في إشارة إلى اتفاق يشاع أنه أبرم بين السلطات وجيش الإنقاذ عام 1999، يقضي بالسماح لأفراده بممارسة حقوقهم المدنية والسياسية بعد التخلي عن السلاح. واعتبر مزراق أن توجه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة للترشح لولاية رئاسية رابعة «اختيار غير صائب وموقف في غير مصلحته». ودعاه إلى فتح حوار مع الفاعلين في المشهد السياسي يفضي إلى دستور جديد «يضمن استمرار الدولة».

وفيما يلي نص الحوار:

* المعروف أن السلطة نجحت في جعل «جبهة الإنقاذ» بجناحيها السياسي والعسكري، بعبعا مخيفا، مما أثر في مصداقية التيار الإسلامي.. إلى أي مدى ذلك صحيح؟

- لقد استغل التيار الاستئصالي (وصف يطلق على النخبة المفرنسة المتنفذة في الحكم) الذي انهزم شر هزيمة في الانتخابات الحرة والنزيهة سنة 1991. كل إمكانيات الدولة لضرب وتشويه وشيطنة كل ما يمت إلى الإسلام بصلة، في جميع المجالات (دعويا، سياسيا، تربويا، خيريا وجهاديا)، لكننا نقول لهم ونحن في كامل قوانا العقلية ما قاله السابقون قبلنا: ما فات شيء بعد.. وإن غدا لناظره لقريب.

* يجري الحديث عن رغبة مفترضة لدى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الترشح لولاية رابعة. هل ذلك وارد في ظل غيابه عن المشهد منذ مدة بسبب تدهور حالته الصحية؟

- دعوت ورغبت صادقا أن يتخلى الرئيس عن منصبه طواعية في سنة 2009. وكنت أرى أن فسح المجال لشخصية وطنية أخرى، تعطي دفعا جديدا لأهم ما جاء في مشروع الرئيس. المصالحة أولا، والتنمية ثانيا، وكلاهما يسمح للدبلوماسية أن ترفع شأن الجزائر عاليا بين الأمم والشعوب. لكن ومع الأسف، الرئيس ومحيطه أصروا على المضي قدما إلى الولاية الثالثة. وها هي على وشك الانتهاء ولم يبق منها إلا عام واحد. ولم يتحقق فيها لا إصلاح دستوري عميق، ولا إصلاح سياسي أعمق. وأعتقد صادقا أن قبول الرئيس بالتوجه إلى الولاية الرابعة اختيار غير صائب وموقف في غير مصلحته، وقرار يضره ولا ينفعه. وكمواطن جزائري يحترم رئيسه ويشفق عليه، أنصحه نصح الأمين الحريص على أهله، بأن يسارع في ما تبقى من فترة حكمه إلى فتح حوار عميق شامل بين كل الفاعلين السياسيين والمؤثرين في المجتمع دون إقصاء، يفضي إلى التوافق على ميثاق شرف وطني، يجتمع على مضمونه كل الجزائريين، ويكون بمثابة أرضية صلبة لصياغة دستور يضمن بعون الله وتوفيقه استمرار الدولة بوحدة ترابية لا تتجزأ، وشعب متماسك لا يتفرق، وسلطة شرعية منتخبة، تحمي الوطن بالحق، وتحكم الشعب بالعدل، وتنشر الأمن والأمان وتشيع الفضيلة والأخلاق الحميدة بين الناس.

* كيف تقرأ أبعاد الصراع في مالي؟

- في الأيام الأولى لبداية ما اصطلح عليه بالربيع العربي، كنت أقول لإخواني: إن أخوف ما أخاف من هذا الفيلم الذي نستعد لمشاهدة فصوله، ومعايشتها في الواقع. هو أن ينجح الاستعمار البغيض برؤوسه الصهيونية المتعددة في أن يبرهن بالدليل القاطع والحجة الدامغة للشعوب المضطهدة المقموعة من قبل حكامها، أن الاستعمار كان فعلا مشروعا حضاريا جبارا لترويض وتربية هذه الشعوب المتوحشة المتخلفة؟! وكان كلامي يومها مثل صرخة في واد أو نفخ في رماد. بل كنت في نظر بعضهم كرجل يعيش خارج الزمن.

ولأنني جبلت على الوضوح والصراحة وقول ما أومن به دون تردد، فقد ذهبت بعيدا وقلت: أخاف أن ينجح نيكولا ساركوزي (الرئيس الفرنسي السابق) بالأسلوب الصهيوني الخبيث، الذي يقدم دوما السم في الدسم والمر في العسل، بأن يجعل هذه الشعوب تسبح بحمده، وتجهر بفضله، وتؤكد للقاصي والداني وبالفم الملآن، أن قانون تمجيد الاستعمار الذي مرره في البرلمان الفرنسي هو عين الصواب. وبالفعل، بدت الشعوب بعد ذلك وما زالت، وكأنها تستجدي القوى الاستعمارية القديمة للعودة إلى احتلالها عبر الناتو وتخليصها من هؤلاء الحكام الظلمة الذي أنتجتهم الدولة الوطنية.

وإذا كنت أؤمن فطريا، وأدعو قناعة، إلى محاربة الظلم والوقوف في وجه الظالمين بكل الوسائل المشروعة. وحكامنا ظالمون لا شك في ذلك ولهذا وقفنا في وجه فسادهم العقدي والفكري والأخلاقي بالدعوة إلى الله، وواجهنا انحرافاتهم في الحكم وتسيير شؤون الدولة بالسياسة، وتصدينا لاعتدائهم على خيار الشعب وسيادته وقتل أبنائه بالمقاومة والقتال. نعم، إذا كنا قد فعلنا هذا كله، فإننا نرفض رفضا قاطعا، لا يقبل النقاش أو إعادة النظر في فتح المجال أو إعطاء أي فرصة للمستعمر القديم الجديد المتجدد للعودة مرة أخرى إلى احتلال الأرض وانتهاك العرض وإذلال الشعب. وأظن أن الوضع في الجارة مالي قد دخل في نفق لا تتجلى نهايته على المديين القريب والمتوسط.

* تعرض منشأة غازية استراتيجية بصحراء الجزائر في منتصف يناير (كانون الثاني) الماضي، لاعتداء من طرف جماعة مسلحة.. البعض رأى في الحادثة ثغرة كبيرة في المنظومة الأمنية الجزائرية.. هل توافق هذا الطرح؟

- من العدل والإنصاف أن يعرف القارئ أن الصحراء الجزائرية واسعة شاسعة، تصعب مراقبة كل أجزائها وحراستها. ومهما كانت قوة الجيش، فإن التسلل عبر الممرات الآمنة الكثيرة، يستطيعه كل عارف بخبايا الصحراء وأسرارها. وأظن أن الذين يحملون السلاح في هذه المناطق منذ سنوات اكتسبوا معرفة وتجربة كبيرتين تسمح لهم بفعل ما وقع في تيقنتورين وفي غيرها. إلا أنني أحمل السلطة السياسية خاصة، والعسكرية عامة، كل ما يحدث وكل ما سيحدث، لأنهم تخلوا عن مشروع المصالحة الوطنية الحقيقية في أول الطريق، ونقضوا الوعود، وخانوا العهود، فهم مسؤولون أمام الشعب وأمام الله، عن كل قطرة دم تسيل أو مال يتلف أو عرض ينتهك.

* أثار قرار الجزائر فتح أجوائها للطيران الحربي الفرنسي لضرب الإسلاميين في شمال مالي جدلا. هل تعتقد أن السلطات تعرضت لضغط دفعها إلى ذلك؟

- الكلام في موضوع شائك كهذا، لا تحتمله هذه السطور، لكنني أقول وبالمختصر المفيد: إن تعامل السلطات الجزائرية الغامض، وتصريحات مسؤوليها البهلوانية الخجولة، مقابل جرأة وتطاول واستخفاف من قبل المسؤولين الفرنسيين، جعل من الجزائر بلدا ضعيفا يتيما يفتقر إلى السيادة.

* هل التدخل العسكري في مالي يفتح الباب أمام قيام «حالة أفغانية» في الساحل؟

- أفغنة الساحل، بدأت منذ سنوات، وبالأزمة المالية أصبحت الأفغنة حقيقة تمشي على رجليها في مالي وفي كل دول الساحل، والعاقل من اعتبر، واستعد بجد لحلحة هذه المشكلة العويصة، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.