الفاتيكان من دون بابا.. وبدء إجراءات إختيار خليفته

بنديكتوس غادر على متن مروحية إلى قصر غوندولفو.. وأجراس روما دقت توديعا له

البابا على متن طائرة الهليكوبتر التي أقلته من الفاتيكان إلى قصر غوندولفو قرب روما أمس (أ.ب)
TT

عاشت حاضرة الفاتيكان أمس حدثا تاريخيا لم تشهده منذ قرون طويلة تمثل في تنحي البابا بنديكتوس السادس عشر عن الكرسي البابوي تاركا لخلفه كنيسة كاثوليكية في عالم يتحول بسرعة قياسية. فقد انتقل بنديكتوس بعد الظهر على متن طائرة هليكوبتر تابعة للجمهورية الإيطالية ولكنها تحمل علم الفاتيكان، إلى مقره الصيفي في قصر غوندولفو على بعد ثلاثين كلم من روما.

وأثناء المغادرة، دقت أجراس روما وأجراس كنيسة القديس بطرس، مودعة بنديكتوس، 85 عاما، الذي كان فاجأ الجميع يوم 11 فبراير (شباط) بإعلان عزمه التنحي من سدة البابوية، بحجة أنه لم يعد يتمتع بالقدرة على تحمل مسؤولياته الجسيمة. وشابت فترة تولي بنديكتوس للكرسي البابوي فضائح انتهاكات جنسية لقساوسة وتسريبات لأوراقه الخاصة وتقارير عن خلافات بين أقرب مساعديه وهي أزمات يعتقد أنها ساهمت في قراره التخلي عن المنصب.

وعند الساعة السابعة من مساء أمس، لم يعد جوزف راتسينغر بابا، وقرر أن يطلق عليه اسم «قداسة بنديكتوس السادس عشر، البابا الفخري»، أو «بابا روما الفخري». وسيبقى نحو شهرين في الدير ويكرس وقته للصلاة.

وتعود آخر استقالة طوعية لبابا إلى القرون الوسطى وتحديدا عام 1294 عندما استقال البابا سيليستان الخامس الناسك المتواضع بعد أشهر قليلة على توليه السدة الفاتيكانية احتجاجا على الفساد المستشري حينها.

وتعهد البابا بنديكتوس السادس عشر أمس في مراسم الوداع أمام الكرادلة في حاضرة الفاتيكان بـ«الطاعة غير المشروطة» لخلفه. وقال: «يوجد بينكم البابا المقبل الذي أعده بالإجلال والطاعة غير المشروطين»، مضيفا أنه سيكون قريبا منهم بالصلاة. وتحدث البابا عن «لحظات جميلة جدا ولحظات كان فيها بعض السحب تغطي السماء» خلال السنوات الثماني من حبريته، في تلميح إلى الفضائح التي اعترتها. إلا أنه تمنى أن يتصرف الكرادلة كفريق يكون فيه «التنوع مدخلا للانسجام».

وبعد دخول استقالة بنديكتوس حيز التطبيق، تنطلق التحضيرات لانتخاب بابا جديد، تشمل مراحل عدة تتكلل في نهايتها بتولية خلف البابا المستقيل ليرأس طائفة تعد أكثر من مليار مؤمن حول العالم. واعتبارا من الساعة السابعة مساء أمس، بدأت مرحلة «الكرسي الشاغر» في حاضرة الفاتيكان والتي يتوقف خلالها جميع مسؤولي الكنيسة الرومانية (الجهاز الإداري والتنفيذي والاستشاري في الفاتيكان) عن ممارسة مهامهم. وخلال هذه الفترة، يتولى الأمين العام للكرسي الرسولي والمعروف بالـ«كاميرلينغو» مهام إدارة الفاتيكان بالوكالة. ومنذ تعيينه من جانب بنديكتوس السادس عشر عام 2007، يتولى هذه المهمة الكاردينال تارسيسيو برتوني الرجل الثاني حاليا في الفاتيكان والذي واجه انتقادات عدة لطريقة إدارته للحاضرة البطرسية.

وفي الأول من مارس (آذار) المقبل، سيصدر الفاتيكان طابعا خاصا يستخدم خلال فترة «الكرسي الشاغر». وسيقوم أنجيلو سودانو عميد كلية الكرادلة المعرفة أيضا بـ«الكلية المقدسة»، اليوم الجمعة بإرسال رسائل إلى جميع الكرادلة لدعوتهم إلى المشاركة في «المؤتمرات العامة» التي ستضم اعتبارا من الاثنين جميع الأساقفة الذين يعتمرون تيجانا حمراء، سواء كانوا ناخبين أم لا. أما «خاتم الصياد» وهو من أبرز رموز الحبرية الذي كان يستخدم سابقا لختم المستندات، فسيقوم الكاردينال برتوني بتلفه مستخدما مطرقة في أول اجتماع للكرادلة، تفاديا لأي تزوير.

وبعد انتخاب البابا الجديد، سيكون على «الكاميرلينغو» إلباس الخاتم البابوي الجديد للحبر الأعظم المنتخب. وخلال «المؤتمرات» المزمع عقدها للتباحث في التحديات التي تواجهها الكنيسة الكاثوليكية، سيقرر الكرادلة عبر التصويت تاريخ عقد المجمع.

وقبل تنحيه عن منصبه، أصدر البابا بنديكتوس السادس عشر مرسوما يعدل فيه الدستور الرسولي الذي صادق عليه سلفه البابا الراحل يوحنا بولس الثاني في 22 فبراير 1996 ويحدد فيه مهلة 15 يوما كحد أدنى و20 يوما كحد أقصى للدعوة إلى المجمع. ويسمح هذا المرسوم لكلية الكرادلة بـ«تقديم موعد انطلاق المجمع، حالما يلاحظ حضور جميع الكرادلة». ويضم مجمع الكرادلة، وهو اجتماع سري للكرادلة من العالم أجمع المكلفين انتخاب البابا الجديد، نحو 115 كاردينالا. ومنذ 1970، حدد البابا بولس السادس السن الأقصى لناخبي البابا بـ80 عاما. ويتم الانتخاب عبر أوراق توضع داخل كأس للقربان. وتجري عمليتا تصويت صباحا، واثنان بعد الظهر. وبعد كل عملية تصويت، تحرق أوراق التصويت داخل وعاء يوضع داخل كنيسة سيستينا قبل بدء المجمع.

وإذا كانت النتيجة سلبية، تتم إضافة مواد كيميائية لإعطاء الدخان المتصاعد من الأوراق المحترقة لونا أسود. أما إذا كانت النتيجة إيجابية، فيتم فقط إحراق الأوراق ما ينتج عنه دخان أبيض ليعلن للعالم انتخاب بابا جديد.