وعود بـ«أمن غذائي للجميع».. قبل الانتخابات في الهند

الحزب الحاكم يقدم مشروعا لتوفير حبوب لمئات ملايين الفقراء.. ومنتقدون: من أين المال؟

تلميذة تتلقى وجبة غذاء مجانية في مدرسة حكومية بمنطقة جامو التابعة للجزء الهندي من إقليم كشمير أمس (أ.ب)
TT

تعتزم الهند، ثاني أكبر دولة في العالم من حيث تعداد السكان، سن قانون تاريخي من شأنه أن يكفل الأمن الغذائي لما يقرب من سبعين في المائة من إجمالي السكان البالغ تعدادهم 1.2 مليار نسمة. وبموجب هذا القانون، ستتوفر لقرابة 630 مليون مواطن في ريف الهند و180 مليون مواطن من الحضر المقومات اللازمة للحصول على قمح وأرز وحبوب بأسعار مخفضة.

وفي حال إقراره سيكون القانون بمثابة إنجاز فارق، إذ ينتظر منه أن يجعل الأمن الغذائي حقا لجميع مواطني البلاد، التي يعاني فيها 214 مليون مواطن من مجاعة. ويعيش 410 ملايين مواطن في الهند تحت خطر الفقر الذي قدرته الأمم المتحدة بقيمة 1.25 دولار في اليوم. وتعد معدلات سوء تغذية الأطفال في الهند أسوأ منها في دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ويعاني نحو نصف أطفال البلاد من النحافة الزائدة، بحسب البنك الدولي.

اعتادت زهيرة بيغوم، 55 عاما، أن تحمل معها بطاقتها التي تخول لأسرتها المكونة من سبعة أفراد الحصول على أرز وقمح مدعمين بمتاجر تبيعها بأسعار معتدلة في القرية، والتي تعرف باسم متاجر التموين، على مدى الثمانية أشهر الماضية. لكن، في كل مرة، كانت تجد المتجر مغلقا أو يطلب منها أن تعود الشهر التالي، نظرا لعدم توفر الحبوب الغذائية. كان يتم تحويل الحبوب الغذائية المخصصة للفقراء في متجر التموين المذكور بشكل غير قانوني إلى متاجر التجزئة. وفي حالة أخرى، فشلت تارا تشاند أيضا في أن تأتي لأسرتها بحصتها من القمح والأرز من متجر التموين على مدى الخمسة أشهر الماضية. على بعد بضعة كيلومترات من هذه القرية، توجد أكوام من القمح والأرز التالف بجانب الطريق، والتي يقول سكان القرية إنها ظلت على مدى الستة أشهر الماضية في العراء عرضة للشمس والأمطار. كانت تتم مصادرة الحبوب الغذائية التالفة من قبل شركة الأغذية التابعة للحكومة الهندية ليتم توزيعها على متاجر التموين. وتوفر الهند حبوبا رخيصة الثمن لما يقرب من 180 مليون أسرة فقيرة أو متدنية الدخل عبر نظام توزيع عام. والصورة العامة السائدة عن «نظام التوزيع العام» القائم هي أنه غير فعال؛ إذ يؤدي الفساد إلى تحويل الغذاء المفترض أن يذهب إلى الفقراء، إلى تجار التجزئة. ويخشى كثيرون من أن يهمل نظام أمن غذائي جديد بالمثل المنتفعين المستهدفين. وعلاوة على ذلك، تفقد أطنان من الحبوب نظرا لعدم كفاية سلاسل الإمداد والافتقار إلى مرافق التخزين. كذلك، فإن كلتا الحالتين المذكورتين آنفا، المأخوذتين من القرى الواقعة على أطراف العاصمة نيودلهي، تسلط الضوء على حقيقة أن الغذاء المشار إليه لم يصل إلى مستحقيه نظرا لوجود أوجه من عدم الدقة في النظام. وتوازي كمية الفاقد من القمح في الهند سنويا إجمالي إنتاج أستراليا، بحسب تقرير حديث.

وبموجب التشريع الجديد، سيتم تصنيف الأسر إلى فئات «ذات أولوية» أو «عامة» أو «مستثناة». تحصل الأسر من فئة «ذات الأولوية» و«العامة» على أغذية مدعمة بأسعار مختلفة (ستحصل تلك الأسر المصنفة باعتبارها «ذات أولوية» على فائدة أكبر). أما الأسر «المستثناة» فلن تحصل على أي أغذية مدعمة. وقد سعى معدو القانون إلى تمكين النساء عن طريق الاعتراف بهن كمديرات للأسرة؛ حيث إنه من المرجح أن يستخدمن الطعام لتغذية أطفالهن.

تحصل أفقر الأسر في تلك المناطق (التي قد تضم 46 في المائة من سكان الريف و28 في المائة من سكان الحضر) على 35 كيلوغراما من الحبوب المدعمة كل شهر، حيث يبلغ سعر نبات الدخن روبية لكل كيلوغرام، وسعر القمح روبيتين لكل كيلوغرام، والأرز ثلاث روبيات لكيلو كيلوغرام، مما يجعل المرأة هي مديرة المنزل، وهي خطوة إضافية تهدف إلى تمكين المرأة.

وتم تقديم هذا المشروع في إطار البرنامج الرئيسي لحزب المؤتمر الحاكم في البلاد، وذلك في إطار مساعي الحزب لتعزيز حضوره فقراء الريف. وجاء الضغط لتمرير مشروع قانون الأمن الغذائي في عام 2009 عندما وعدت حكومة التحالف التقدمي المتحد بتمرير قانون أمن غذائي قومي، إذا تم انتخابها لفترة جديدة. وبنهاية يناير (كانون الثاني) الماضي، عندما تولى راؤول غاندي، الرمز البارز من الجيل الرابع من سلالة غاندي - نهرو، سلطة حزب المؤتمر، ظهرت إعلانات تحتل نصف صفحة في صحف بارزة: «الاحتفال بالذكرى الثالثة والستين لجمهوريتنا بوضع الطعام على طبق كل مواطن». وجاء في الإعلان: «حان الوقت للقضاء على كارثة المجاعة». وبهذا، أعلن حزب المؤتمر عن عزمه طرح قانون الأمن الغذائي الوطني في جلسة البرلمان الحالية. وسوف تتم مناقشة مشروع قانون الأمن الغذائي الذي يعد على درجة من الحساسية من الناحية السياسية من قبل البرلمان في الجزء الأول من جلسة مناقشة الميزانية الدائمة. وتعتبر تلك الخطوة بمثابة إشارة أخرى إلى البرنامج السياسي لحزب المؤتمر الحاكم المهيمن على الإجراءات السياسية للتحالف التقدمي المتحد والذي يوجهه مع استعداد الدولة لسلسلة من الاقتراعات على مستوى الدولة حتى الانتخابات العامة المقرر إجراؤها العام المقبل. ويعيش قرابة 70% من الهنود في مناطق ريفية، مشكلين قاعدة الناخبين الأساسية للأحزاب السياسية.

ويأمل حزب المؤتمر في أن يمنحه مشروع الأمن الغذائي، الذي يشكل الموضوع الرئيسي في حملته الانتخابية، متنفسا سياسيا، في وقت يربو فيه معدل التضخم في الهند على 10%، على نحو يثير حالة من السخط الشعبي ويؤدي لدخول حزب المؤتمر في صراع مع فضائح الفساد وعجز السياسة. وبينما لا يفصل الهنود عن موعد الانتخابات سوى عام واحد، تخشى الحكومة من رد فعل الناخبين العنيف إزاء ارتفاع الأسعار وتتوق لتمرير مشروع قانون الأمن الغذائي. ظل حزب المؤتمر يتعرض لانتقادات لاذعة بسبب استغلال الجماعات السياسية المعارضة مشروع القانون آنف الذكر في تحقيق مكاسبهم السياسية، على الرغم من أنه لم يعارض أي من الأحزاب السياسية القانون، خوفا من خسارة كتلة الناخبين المؤيدين له. وذكر وزير الغذاء الهندي، كيه في توماس، أنه ستتم الإشارة إلى إعانات الأغذية ذات القيمة الغذائية العالية لجميع الأطفال، بصرف النظر عن الفئة الاقتصادية التي ينتمون إليها، بوصفها مسؤولية ملقاة على كاهل الحكومة في مشروع القانون المقترح.

ويقول منتقدون إن البرنامج سيزيد تكاليف الإعانات الغذائية، كما سيؤدي إلى تفاقم العجز المالي للحكومة. وتمثل الإعانات الغذائية نسبة تربو على 40% من إجمالي تكاليف الإعانات في الهند، ومن المتوقع أن تصل قيمتها إلى 1.0 تريليون روبية (18.55 مليار دولار) في العام المالي الذي ينتهي في مارس (آذار). ويتساءل خبراء عن كيفية تحمل الهند تكاليف تمويل هذا النظام الذي سيشهد ارتفاع قيمة ميزانية الإعانات الغذائية من 13 إلى 19 مليار دولار. وتؤكد الحكومة أن التمويل لن يمثل مشكلة.

ويرى مؤيدو مشروع القانون أن وضع وجبتين متساويتين يوميا على مائدة أسرة فقيرة هو الشكل الأمثل لتمكينهم، وأنه لا يمكن أخذ وقت أطول في دراسة هذه الفكرة. ولكي ينجح النظام، ستكون الحكومة بحاجة إلى استهداف المنتفعين على الوجه الملائم وإصلاح نظام التوزيع. في حال لم يجدِ نظام الأمن الغذائي نفعا، بحسب الخبراء الاقتصاديين، سوف تظل الهند دولة تعاني من مجاعة.