استقالة وزير المالية العراقي تحرج حكومة المالكي

TT

لم تبلع القائمة العراقية الطعم هذه المرة. فبعد يومين من عودة وزير الكهرباء عبد الكريم عفتان إلى الحكومة التي سارعت بضمه إلى اللجنة الوزارية السباعية التي يرأسها حسين الشهرستاني المعنية بملف المظاهرات، وفيما كانت كل التوقعات تشير إلى عودة وزراء آخرين إلى حضن الحكومة مع كل ما تحمله العودة من مكاسب وامتيازات إضافية، فاجأ القيادي البارز في العراقية ووزير المالية رافع العيساوي الجميع؛ المتظاهرين والقائمة العراقية والحكومة، بإعلانه استقالته من منصبه.

ومثلما يحصل في كرة القدم عندما تعلن «الفيفا» قائمتها الشهرية للدرجات التي تحتلها المنتخبات الوطنية بما تحققه من إنجازات كروية، فإنه للعام الثاني على التوالي ظلت «الفيفا السياسية» تصنف القائمة العراقية في مراتب متدنية بسبب سلسلة إخفاقات، قسم منها يتعلق بوزرائها (الانسحاب الأول لها قبل عامين ومن ثم عودة بعض الوزراء في البداية، وهو ما أضعف موقف القائمة)، وقسم يتعلق بنوابها في البرلمان (انسحاب قسم منهم على خلفية التوقيع على عملية سحب الثقة عن رئيس الحكومة نوري المالكي في صيف العام الماضي). لكن الإجراء الذي أقدم عليه العيساوي أمس عندما أعلن استقالته من منصبه الوزاري من فوق ساحة الاعتصام في الرمادي، رفع كثيرا من أسهم هذه القائمة أمام جماهيرها، وأجبر المراقبين والمحللين السياسيين أن يعيدوا النظر في تقييم إجراءاتها التي لم تكن لصالحها خلال الفترة الماضية.

وإذا كان وزير الكهرباء عفتان قد «صعق» قائمته بعودته إلى الحكومة، فإن وزير المالية رافع العيساوي (نائب رئيس الوزراء في الدورة الحكومية السابقة وأمين عام تجمع المستقبل الوطني) رد الصاع صاعين على الحكومة، مع وجود أنباء غير مؤكدة حتى الآن بإصدار مذكرة إلقاء قبض عليه من قبل القضاء العراقي.

وفي حال لم يتم التأكد من إمكانية إصدار مثل هذه المذكرة فإن الثابت حتى الآن أن رئيس الوزراء نوري المالكي، طبقا لما أبلغ به «الشرق الأوسط» مستشاره الإعلامي علي الموسوي قبل يومين، جاد في ملاحقة مروجي الفتنة الطائفية من قادة ومسؤولين.

وإذا كان الموسوي لم يشأ أن يذكر أسماء من يريد المالكي أن يوجه لهم مثل هذه التهم قضائيا، فإن النائب عن دولة القانون صادق اللبان أعلن أن من بين أبرز من ينوي المالكي مقاضاتهم رافع العيساوي وزير المالية، ورئيس كتلة العراقية في البرلمان سلمان الجميلي.

العيساوي، الذي كانت الشرارة الأولى لانطلاقة المظاهرات تتعلق باعتقال عناصر من حمايته، فإنه وبعد مرور شهرين ونصف تقريبا على انطلاقتها مع تراجع حاد في مواقف العراقية منها، لأسباب مختلفة، عمل على إعادة تصنيف العراقية كرقم صعب في المعادلة السياسية في العراق، رغم شعورها بالمرارة بعد خسارتها تشكيل الحكومة، مع أنها القائمة الأولى في الانتخابات.

ويبدو أن الإحباط الذي واجهته العراقية بعد حرمانها من تشكيل الحكومة بالتفسير الذي أعطته المحكمة الاتحادية لمفهوم الكتلة الأكبر، انسحب على جملة إجراءات حصلت بحق عدد من قيادات العراقية لم يكن لها منهم موقف مفصلي. فالقيادي البارز فيها ونائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي الذي كان أحد أربعة سياسيين كبار حصلوا على أكبر عدد من أصوات الناخبين (نوري المالكي، إياد علاوي، أسامة النجيفي، طارق الهاشمي) تمت مطاردته، ومن ثم الحكم عليه بالإعدام غيابيا، وهو الآن يقيم في تركيا في وقت بقيت فيه كتلته «تجديد» جزءا من العملية السياسية، ولم تتخذ موقفا قويا منه لإرغام السلطات أو حتى الشركاء السياسيين على نقل وقائع محاكمته إلى مدينة كركوك، وهي مدينة عراقية أيضا، ولا تبعد عن بغداد سوى 250 كيلومترا. والأمر نفسه ينطبق إلى حد كبير على نائب رئيس الوزراء صالح المطلك الذي أبعد من منصبه لنحو ثمانية أشهر، وحرم حتى من دخول مكتبه بالمنطقة الخضراء، بينما كل ما صدر عن العراقية في وقتها، سواء ما يتعلق بالموقف من الهاشمي أو المطلك، أن قضية الأول قضائية بينما قضية الثاني سياسية في ظل ظرف صعب تعيشه البلاد من جهة والقائمة العراقية التي يقال إنها تواجه سلسلة كبوات عززتها عودة وزير الكهرباء إلى مجلس الوزراء، جاءت استقالة العيساوي لترفع معنويات «العراقية» التي ربما تكون قادرة الآن على أن تكون أكثر انسجاما مع جمهورها.