أمين جبهة الإنقاذ المعارضة بمصر: لا نرغب في أي دور سياسي للجيش

أحمد البرعي لـ «الشرق الأوسط»: لا يمكن إجراء الانتخابات وسط تدهور أمني واقتصادي.. ومقاطعتنا ستكون «إيجابية»

TT

نفى الدكتور أحمد البرعي، أمين عام جبهة الإنقاذ الوطني المعارضة في مصر، سعيهم إلى عودة الجيش مرة أخرى للحكم، قائلا إنهم لا يرغبون بأن يكون هناك أي دور سياسي للجيش في الفترة المقبلة، مؤكدا أنه يرى أن دوره يقتصر فقط على الفصل بين التيارات المتصارعة إذا ترتب على هذا الصراع اقتتال بين المواطنين يهدد السلام الداخلي.

وشدد البرعي، وهو نائب حزب «الدستور»، الذي يرأسه المعارض البارز الدكتور محمد البرادعي، على أن جبهة الإنقاذ لا تريد إسقاط الرئيس مرسي من الحكم وترغب في أن يستمر في فترته كاملة، لكن هو من يرتكب أخطاء كبيرة منها قتل المواطنين، مما جعل المتظاهرين ينادون برحيله. وأضاف: «مرسي لديه هاجس منذ وصوله للحكم بأن هناك مؤامرة لاختطافه.. هذا ليس له علاقة بالواقع».

وقال البرعي في حوار خاص مع «الشرق الأوسط» من مكتبه بالقاهرة: «إننا متلهفون لأي فرصة لحوار حقيقي من أجل إنقاذ البلد، بشرط أن يقتنع رئيس الجمهورية بأنه من الأفضل تأجيل الانتخابات البرلمانية وأن يعيد الأمور إلى نصابها القانوني»، مضيفا أنه لا يمكن إجراء الانتخابات وسط تدهور أمني وانحدار اقتصادي، وأكد أن مقاطعة الجبهة ستكون «إيجابية».

والبرعي، وزير سابق للقوى العاملة والهجرة، عمل في عدة حكومات أخرها حكومة الدكتور عصام شرف، وهو أيضا أستاذ قانون في كلية الحقوق جامعة القاهرة، وخبير دولي في علاقات العمل.

ونفى البرعي في حواره مسؤولية الجبهة عن أي أحداث عنف تقع في الشارع المصري. وقال: «من يتهم جبهة الإنقاذ بأنها ترعى العنف أو تموله عليه أن يثبت ذلك وسنخرجه من بيننا»، كما أشار إلى أن الأزمة الاقتصادية في مصر تستحكم دون أي حلول. وفيما يلي أهم ما جاء بالحوار:

* وُصف قراركم بمقاطعة الانتخابات البرلمانية من جانب أعضاء في حزب الإخوان الحاكم بأنه «انتحار سياسي» و«مراهقة سياسية»، ما دوافع اتخاذكم مثل هذا القرار، وهل تدركون مخاطره على شعبيتكم؟

- أولا، لسنا مراهقين ولا نود الانتحار، وبداية أطالب أعضاء حزب الحرية والعدالة (الإخوان المسلمين) أن يكونوا أكثر التزاما واتزانا في تصريحاتهم، ولا داعي لهذا التراشق والهجوم.. فالقرار ببساطة شديدة أننا نشعر أن دولة القانون في مصر سقطت، اعتبارا من الجمعية التأسيسية التي منع القضاء من أن يقول كلمته فيها، واعتبارا من الدستور الذي صدر دون توافق، والإعلان غير الدستوري الباطل الذي أصدره الرئيس مرسي، والذي كان سبب كل هذه الأزمات، إلى النائب العام الذي عُين بغير الطريق المرسوم له قانونيا ودستوريا، إلى الدعوة للاستفتاء على الدستور في ظل رفض رجال القضاء الإشراف عليه، وأخيرا إلى قانون الانتخابات البرلمانية، الذي صدر دون الأخذ بملاحظاتنا عليه، واعترضت عليه المحكمة الدستورية ولم يلتفت إلى اعتراضاتها، إذن أي ضمانات يتحدثون عنها من أجل مشاركتنا.

أضف إلى ذلك، أنه لا يمكن إجراء انتخابات في مصر في الوقت الحالي مع هذا الكم من الانفلات الأمني، وهذا الكم من الانحدار الاقتصادي في وقت واحد، فلا يمكن أن يكون هناك عصيان مدني كامل في بورسعيد وعدد من مدن القناة ومحافظات الدلتا، وبعض الأجزاء في القاهرة والإسكندرية وتجرى انتخابات، الطبيعي أن يهدأ أولا الشعب المصري ثم تقام الانتخابات.

على الرئيس محمد مرسي أن يوضح لنا أولا، كيف قتل أكثر من 70 مواطنا في مصر منذ اندلاع الأحداث الأخيرة، خاصة ما حدث في مدينة بورسعيد الذي يعد أمرا غير مفهوم؟ فرغم أنه قيل في اليوم الأول للأحداث إن من قتلوا كانوا بلطجية يستهدفون اقتحام السجون، ورغم أن هذا الادعاء غير صحيح، فإننا سنقبله، لكن ماذا عن 12 قتيلا قتلوا أثناء تشييعهم لجنازات ضحايا سابقين، وبدلا من أن يواسي رئيس الجمهورية أبناء بورسعيد وصفهم بالبلطجية وفرض عليهم حظر تجوال وطوارئ ولا يفكر في أن يعزي أهالي هؤلاء الشهداء.

* كيف تم اتخاذ قرار المقاطعة.. وهل كان هناك انقسام داخل الجبهة بشأنه؟

- قرار المقاطعة تم اتخاذه بالإجماع من جميع أحزاب الجبهة، بل إننا وقبل إعلاننا للقرار أصدرت عدة أحزاب وأكثر من 60 شخصية بيانات استباقية أعلنت فيها رفضها المشاركة في الانتخابات، وأثناء مؤتمرنا الصحافي لإعلان موقفنا كان المئات من شباب الثورة يعتصمون في الخارج لإعلان المقاطعة، وعندما أعلنا ذلك رأى الجميع كيف ضجت القاعة بالتهليل والتصفيق، وهذا أكبر دليل على المساندة الشعبية للقرار.

* كثيرون يأخذون عليكم مواقفكم الرافضة دائما لأي حوار أو انتخابات.. ألم يكن ممكنا من خلال نزول هذه الانتخابات تحديدا، تحقيق أغلبية برلمانية، إذا كانت لديكم شعبية حقيقية، وتشكيل حكومة جديدة وتنفيذ كل ما تطالبون به دون الحاجة للرئيس محمد مرسي؟

- نحن لا نخاف من الشارع، لدينا فرصة أن ينجح منا عدد كبير إذا نزلنا الانتخابات، لكن لن نعطي شرعية لهذا النظام. مشاركتنا تعني أننا نضيف له شرعية وأن يقسم نوابنا على هذا الدستور، وبهذا سنكون رد فعل لجماعة الإخوان المسلمين، ونحن لسنا رد فعل، بل نحن فعل في الشارع.

* لكن هذا الوضع سيفرز «برلمانا إسلاميا» خالصا؟

- مبروك عليهم.. لكن هل تعتقد أن 14 حزبا سيقولون إننا «زعلانين» وسنجلس في البيت، بالطبع لا.. مقاطعتنا ستكون إيجابية وليست سلبية، ونحن الآن في سبيل دراسة البدائل، حيث سنعمل من الآن في جميع المحافظات لتوعية الناس بخطر إجراء هذه الانتخابات وحث المواطنين على مقاطعتها، كما شكلنا لجنتين لإعداد خطة كاملة لمرحلة ما بعد الانتخابات سنعلنها الأسبوع القادم.

* كيف تطالبون بتأجيل الانتخابات، في حين يحدد الدستور الجديد موعدها وعلى الرئيس الالتزام به؟

- الدستور يلزم رئيس الجمهورية بالدعوة للانتخابات خلال 60 يوما من نتيجة الاستفتاء على الدستور، وليس تحديد موعد الانتخابات، الذي يمكن أن يكون هناك توافق عليه وفقا للظروف الحالية.

* وجه الرئيس مرسي في حواره التلفزيوني الأخير سؤالا إليكم قائلا: «كيف تدعون بعدم جاهزية الدولة للانتخابات البرلمانية حاليا ثم تنادون بانتخابات رئاسية مبكرة؟» فسر لنا ذلك؟

- الدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة لم تأت من جبهة الإنقاذ إلا بعد سقوط ضحايا في مدينة بورسعيد، حيث حملنا المسؤولية السياسية للرئيس مرسي وقلنا إنه يجب أن يضع شرعيته على المحك، وهذا كان نوعا من إرضاء وتهدئة الشارع المصري، حيث خرجت العديد من المظاهرات تدعو لإسقاطه.

* تتهم جبهة الإنقاذ بأنها تسعى للانقلاب على الشرعية وإسقاط الرئيس مرسي الذي جاء عبر الصندوق؟

- الرئيس مرسي لديه هاجس دائم منذ وصوله إلى الحكم بأن هناك مؤامرة لاختطافه.. هذا الهاجس ليس له علاقة بالواقع. فنحن لم يكن في اهتمامنا أن نطعن في شرعية الرئيس مرسي، وندرك أنه ما دام جاء بالانتخابات فمن الأفضل ألا يخرج إلا بالانتخابات وهذا ليس من أجله هو بل لمصلحة البلد.

والواقع يقول إن هناك أخطاء ارتكبت من الرئيس وإن الدم أصبح مشكلة بينه وبين المواطنين، نحن غير مسؤولين عنها، بل على العكس فإن جبهة الإنقاذ قلت شعبيتها في الفترة الأخيرة بسبب أن الجماهير في الشارع تطالب بإسقاطه ونحن نتحدث عن شروط للحوار، فنحن لا نخضع للضغوط ونقدر الأمور بقدرها.

* هل تشعرون كمعارضة أن الرئيس مرسي لا يمثلكم؟

- لفت نظري في الحوار التلفزيوني الأخير للرئيس مرسي (الأسبوع الماضي) أنه كان يردد ودون أي أسباب عبارة «أنا رئيس لكل المصريين»، وهذا يكذبه الواقع، لأنه ليس رئيسا لكل المصريين بل رئيس لفصيل واحد فقط، وهو يشعر بذلك، ولذلك يحاول ترديد هذه العبارة أكثر من مرة ودون مناسبة، حتى يقنع نفسه بذلك، لأنه من المفترض وتلقائيا أن يكون رئيسا لكل المصريين.

الرئيس مرسي ترك نفسه لأشياء مختلطة، مثل علاقته بجماعة الإخوان المسلمين، التي لا تتمتع بالشرعية القانونية، فلا أحد يعرف من الذي يحكم، ومن أين تأتيهم هذه الأموال التي ينفقونها، ولا أحد يعرف خطتهم لإدارة هذا البلد.

* تطلق التيارات الإسلامية عليكم لقب (جبهة الخراب).. في اتهام صريح بأنكم تتحملون أعمال العنف التي أصبحت منتشرة حاليا في عدد من المحافظات، والتي ترتبط بمظاهرات تدعون إليها؟

- الاتهامات لا تطلق على عواهنها، لا بد أن يكون هناك إثباتات، والرئيس وحزبه لا يجب أن يتحدثا إلا عن وقائع، ومن يتهم جبهة الإنقاذ بأنها ترعى العنف أو تموله عليه أن يثبت ذلك وسنخرجه من بيننا.. نحن أدنا العنف وسندينه ولا نقبله، لكن من جميع الأطراف وليس من طرف واحد.

نحن أيضا نتساءل من أين يأتي هذا العنف.. من الذين يرتدون زيا مدنيا ويقفون بجانب رجال الأمن ويقومون بقتل المتظاهرين؟، من هؤلاء القناصة الذين قتلوا الناس في بورسعيد، قطعا ليسوا من المتظاهرين أو الثوار، وكلها مشاهد مصورة على التلفزيون.. هل من الصعوبة على وزارة الداخلية أن تتعرف على هؤلاء.. وإذا كان الأمر صعبا فعلى وزير الداخلية أن يستقيل فورا.

* هل تعتبرون أن تدخل الجيش يمكن أن يكون حلا للأزمة؟

- الجيش إذا كان له دور فسيكون في الفصل بين التيارات المتصارعة إذا ترتب على هذا الصراع تهديد للسلام الداخلي، لكن ليس له دور سياسي.. وهذا موقف الجبهة. فنحن لم نطالب بتدخل الجيش، إلا إذا تحول الأمر إلى اقتتال بين المواطنين، وسدت كل الطرق القانونية للتقاضي.

* لكنكم قبلتم دعوة وزير الدفاع للحوار الوطني من قبل.. ورفضتم الدعوات المتكررة التي يطلقها الرئيس مرسي؟

- نحن متلهفون لأي فرصة لحوار حقيقي من أجل إنقاذ البلد.. ونرى أن وجود الجيش سيكون ضامنا لأي حوار.. وإلى الآن فرصة الحوار الوطني قائمة إذا اقتنع رئيس الجمهورية وأعاد دراساته، واقتنع أنه من الأفضل تأجيل الانتخابات وإقامة حوار وطني حقيقي، بعد أن يعيد الأمور إلى نصابها القانوني من أجل أن تنطلق مصر، وإذا تم ذلك فسنذهب إلى الرئيس حتى دون أن يدعونا، أما إذا استمر في هذا الأسلوب الذي يتعامل به فنحن لن نقبل.

* تتهمون الرئيس بـ«أخونة الدولة».. أليس من حقه أن يعين من رجال حزبه من يستطيع أن يطبق سياساته؟

- كنا نغضب من الرئيس السابق حسني مبارك لأنه يعتمد على أهل الثقة دون الكفاءات، فأين الاختلاف بينهم إذن.

* من واقع خبرتك الاقتصادية.. ما هو الواقع الحقيقي للاقتصاد المصري الآن وهل نسير باتجاه الهاوية؟

- الأمر لا يحتاج لخبرة، في الحقيقة أنا متخوف جدا على البلد في الفترة القادمة، لأن الأزمة الاقتصادية تستحكم دون أي حلول، فهناك خلل في الميزانية العامة وخلل في ميزان المدفوعات، وهناك دين داخلي يفوق أي تصور، جزء كبير منه من أموال التأمينات الاجتماعية، مع انخفاض في معدلات التنمية بصورة متسارعة، بالإضافة لعجز في السلع التموينية والمواد البترولية والكهرباء نلمسها حاليا.. لكني لا أستطيع أن أقول إن الاقتصاد وصل لهذه المرحلة بسبب سياسات الإخوان المسلمين فهذا ظلم لهم، لكن نقول إنهم لم يتخذوا إجراءات علاجية.

فإما أن يكون الرئيس وجماعته مدركين أن هناك أزمة طاحنة وعاجزين عن أن يفعلوا معها شيئا، أو أنهم قادرون على حلها ويخشون على شعبيتهم، فالأوليات الخاصة بهم تختلف عن حل هذه المشاكل، حيث إن قرض صندوق النقد الدولي متوقف لأن الحكومة لم تطبق شروط الصندوق الخاصة بإجراءات التقشف، والإخوان يرفضون اتخاذها من أجل ألا يخسروا الانتخابات.. لكن بعدما يقام مجلس النواب سيضطرون لاتخاذها لا محالة وعندها سيكتشف الشعب الخداع.

الناس محبطة فهي تبحث عن الأمن ولقمة العيش، فالسياسية ليست معمولة علشان خاطر تشجيعها فقط، السياسية معمولة من أجل أكل العيش. وهذا ما أصبح مفقودا في البلد. وخطأ الرئيس مرسي في أنه لم يستطع تقدير الأمور بشكل صحيح، فالأولية لا يجب أن تكون للدستور ولا للانتخابات الأولية للائتلاف الوطني من أجل إنقاذ مصر من الخطر الاقتصادي.

* وماذا كانت ستقدم المعارضة للمواطنين إذا كانت هي في الحكم؟

- لو المعارضة موجودة ستصبح في نفس الوضع لكن الخلاف هو أنه سيكون هناك نوع من التوافق الوطني بين كل القوى السياسية، وسيكون هناك حل في أن يتحمل الجميع المسؤولية، بالإضافة إلى ذلك سنكون أكثر شفافية في إبلاغ الناس بالمشاكل والحقيقة. وأنا شخصيا متشكك في أن الهيئة الاستشارية لرئيس الجمهورية عندها إمكانيات توصيل المعلومات الصحيحة إلى الرئيس، وإلا كان ذلك سينعكس على ما يتخذه من قرارات.