حرب باردة بين «النهضة» و«نداء تونس»

علي العريض يسير على خطى الجبالي في مرحلة التشاور حول تشكيل الحكومة

TT

قال عادل الشاوش القيادي في حركة نداء تونس إن محاولة إقصاء حركة «نداء تونس» عن الساحة السياسية باتت أمرا غير ممكن وإنها أصبحت تمثل رقما صعبا في المعادلة السياسية وما على حركة النهضة وبقية الائتلاف الحاكم إلا التشاور مع الحركة والتوافق والتحاور معها من أجل إرساء سلم اجتماعي حقيقي خلال المرحلة المقبلة.

واعتبر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن محاولات إقصاء حركة نداء تونس باءت خلال الفترة الماضية بالفشل وأن على كل الأطراف أن تقر بالتعايش المشترك على أساس مبادئ التعامل السلمي بين الأحزاب. وبشأن «الحرب الباردة» المفتوحة بين الحركتين وأسبابها، قال الشاوش إن هناك أسبابا موضوعية تتمثل في المنافسة الشرسة التي تبديها حركة نداء تونس على الميدان تجاه حركة النهضة واكتساحها في فترة وجيزة للمشهد السياسي وإعادة التوازن المهتز بين القوى السياسية بعد فشل اليسار التقليدي في إلجام سيطرة النهضة على مفاصل الدولة والمجتمع وفشله في إحداث المفاجأة في انتخابات المجلس التأسيسي. وأردف قائلا «هناك أسباب ذاتية قد تكون على ارتباط بالعلاقة بين قائد السبسي وقيادات حركة النهضة التي قد تكون مهددة بفقدان السلطة بعد أن وصلت إليها بعد 40 سنة من الوجود السري».

ولتشكيل الحكومة الجديدة اعتمد علي العريض رئيس الحكومة المكلف، مبدأ التحاور والتشاور مع كل الأطراف السياسية وتبنى في ذلك نفس منهج حمادي الجبالي من خلال الدعوة إلى التشاور مع كل الأطياف السياسية وعدم استثناء أي طرف بما في ذلك حركة نداء تونس المتهمة بفتح الأبواب أمام فلول النظام السياسي السابق للعودة إلى الساحة السياسية. وعبرت الأحزاب التي اعتذرت عن عدم المشاركة في الحكومة الجديدة على غرار حركة نداء تونس (الباجي قائد السبسي) وحزب المبادرة (كمال مرجان) بكل وضوح عن دعم الحكومة من خارجها والعزم على تنقية الأجواء السياسية والاجتماعية خلال المرحلة المقبلة. وتفسر بعض الدوائر السياسية هذا الانقسام في مواقف قيادات حركة النهضة بأن العريض يريد أن يلبس جبة رئيس حكومة كل التونسيين من دون استثناء، وهو بذلك يسير على خطى سلفه حمادي الجبالي الذي دعا خلال مبادرته بتشكيل حكومة الكفاءات الوطنية (التكنوقراط) يوم 6 فبراير (شباط) الماضي إلى التشاور مع كل الأطراف من دون إقصاء.

وتتعرض حركة نداء تونس بين الفينة والأخرى إلى التهديد بعرض قانون تحصين الثورة على أعضاء المجلس التأسيسي (البرلمان)، ويقضي هذا القانون بالعزل السياسي لكل القيادات والإطارات التي احتلت الصفوف الأولى خلال نظام حكم الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي. ونجحت حركة نداء تونس التي تأسست بصفة قانونية منتصف شهر يونيو (حزيران) 2012 في تشكيل الاتحاد من أجل تونس، وهو ائتلاف سياسي يضم خمسة أحزاب سياسية فيما يشبه «الجبهة السياسية» المنافسة لحركة النهضة، وتشكل من الحركة نفسها ويضم الحزب الجمهوري والمسار الديمقراطي الاجتماعي والحزب الاشتراكي اليساري وحزب العمل الوطني الديمقراطي.

وبشأن استقبال رئيس حركة نداء تونس من قبل حمادي الجبالي وعلي العريض وهما قيادات في حركة النهضة وتعارض هذا الأمر مع موقف الحركة المنادي بإقصائها من الحياة السياسية، قال فتحي العيادي رئيس مجلس الشورى لحركة النهضة لـ«الشرق الأوسط»، إن كلا من رئيسي الحكومة قد تصرف بسلوك رجل الدولة يجمع كل التونسيين. وأشار إلى أن الدولة اعترفت بتلك الأحزاب السياسية ولا يمكنها ألبتة التراجع عن منح حرية النشاط السياسي لكل من يحترم قوانين البلاد. أما موقف حركة النهضة كحزب سياسي فهو مختلف وهو لا يعبر عن الموقف الرسمي للوزراء، لذلك من حق النهضة أن تلتقي مع الأحزاب التي تراها شريكة في تحقيق أهداف الثورة.

وأعلن العيادي أن الموقف من الحوار مع حركة نداء تونس المنافس العنيد لحركة النهضة وقع فيه نقاش مطول وتم الاتفاق على أن «نداء تونس لا يمكن أن تشارك في تحقيق أهداف الثورة»، وأضاف أنه «يمكن لمؤسسات الحركة أن تلغي عضوية القيادات التي تصر على عدم الالتزام بمواقف الحركة»، وتابع أن النهضة حريصة على التواصل مع كل الأحزاب الممثلة في المجلس التأسيسي (البرلمان) وغير الممثلة ولكن تلك التي تشاركها نفس المواقف السياسية.

ويشير آخر سبر للآراء أجرته مؤسسة «سيغما كونيساي» التونسية المتخصصة في استطلاعات الرأي، إلى أن الباجي قائد السبسي (89 سنة) رئيس حزب حركة نداء تونس يحتل المرتبة الأولى على مستوى نيات التصويت خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة، وذلك بنحو 29.1 في المائة (لا يسمح له القانون بالترشح باعتبار أن السن المحددة لمنصب الرئاسة تتراوح بين 40 و75 سنة) من الأصوات، ويأتي حمادي الجبالي في المرتبة الثانية بنسبة 21.7 في المائة، أما المرتبة الثالثة فكانت من نصيب حمة الهمامي زعيم الجبهة الشعبية المعارضة، ولم يحظ المنصف المرزوقي الرئيس التونسي الحالي إلا بـ4.6 في المائة من الأصوات. ويحتل قائد السبسي كذلك المرتبة الأولى كأكبر شخصية سياسية يثق فيها التونسيون بـ31.5 في المائة من الأصوات، ويأتي علي العريض في المرتبة الثانية بـ18.1 في المائة، ثم حمادي الجبالي برصيد 15.6 في المائة من أصوات التونسيين، ولا تزيد النسبة على 5.4 في المائة لراشد الغنوشي، وتنزل إلى حدود 2 في المائة فحسب بالنسبة لكل من المنصف المرزوقي وأحمد نجيب الشابي.