اشتباكات دامية بين الشرطة ومتظاهرين في دلتا مصر تخلف قتيلا وعشرات الجرحى

«بلاك بلوك» تعلن الزحف إلى المنصورة وتتوعد السلطات بـ«شباب يعشق الموت»

متظاهرون في القاهرة يتضامنون مع الداعين إلى العصيان المدني في المحافظات الغاضبة من حكم جماعة الإخوان المسلمين بعد أن سقط قتيل واحد على الأقل وعشرات الجرحى في اشتباكات عنيفة بمدينة المنصورة أول من أمس (أ.ب)
TT

في موجة جديدة لتصاعد حدة العنف في مصر، سقط قتيل واحد على الأقل وعشرات الجرحى في اشتباكات عنيفة بين قوات الشرطة ومتظاهرين في مدينة المنصورة بدلتا مصر، وسط مخاوف من اتساع المواجهات بعد أن أعلنت عدة محافظات تضامنها مع الداعين إلى العصيان المدني في المنصورة التي لحقت بركب المحافظات الغاضبة من حكم جماعة الإخوان المسلمين، بينما أعلنت مجموعة «بلاك بلوك» ما سمته «الزحف إلى المنصورة لدعم متظاهريها السلميين»، متوعدة السلطات بمن سموهم «شباب يعشقون الموت».

وتشهد البلاد منذ نحو شهرين موجات من المظاهرات ضد الرئيس محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، سقط خلالها عشرات القتلى ومئات المصابين، كان أكثرها دموية في مدينة بورسعيد التي تعد المدخل الشمالي لقناة السويس.

ويرى مراقبون أنه مع انسداد آفاق الحل السياسي بتعليق جلسات الحوار الوطني وإعلان قوى المعارضة الرئيسية مقاطعتها الانتخابات، فإن الأوضاع الميدانية قابلة للتدهور أكثر وأكثر، مما يعمق الآثار السلبية على اقتصاد البلاد المتردي.

وعلى مدار الأسبوع الماضي تظاهر مئات النشطاء في المنصورة أمام ديوان المحافظة، ما أدى لصدامات امتدت لمحيط إحدى العمارات التي يوجد بها مقرات لأحزاب وقوى يسارية أقيمت بها مستشفيات ميدانية، لكن وتيرة العنف تصاعدت مساء أول من أمس وسط اتهامات باشتراك عناصر مدنية تابعة لجماعة الإخوان في فض المظاهرات المناوئة للرئيس مرسي بالقوة، ونفت مصادر الإخوان اشتراك أي عناصر لها في قمع المظاهرات، وقالت الشرطة إن أيا من العناصر المدنية لم يشارك في أي اعتداء على المحتجين.

وقال مصدر طبي إن جثة الشاب حسام الدين عبد الله نقلت إلى مستشفى المنصورة الدولي، وإنه مصاب بكسر في الجمجمة، بينما قال شهود عيان إن مدرعة تابعة لقوات الأمن صدمت عبد الله خلال الاشتباكات التي استمرت لساعات.

وقال جلال شعبان القيادي في الحزب الاشتراكي المصري بالمنصورة لـ«الشرق الأوسط» إن المواجهات المستمرة منذ نحو خمسة أيام تصاعدت حدتها يوم أول من أمس (الجمعة)، وأضاف: «مدرعات الأمن كانت تنطلق مسرعة وسط حشود المتظاهرين.. منذ أيام ونحن نتعرض داخل مقراتنا لمحاولات اقتحام يشارك فيها كوادر من جماعة الإخوان مدعومة من الشرطة، لكنهم أصيبوا بحالة من الجنون مع تزايد أعداد المتظاهرين».

وتابع: «كنا نستغيث عبر القنوات الفضائية بعد أن أحكمت الشرطة الحصار حول مقرات التحالف الشعبي (حزب يساري) والاشتراكي المصري، والتيار الشعبي (توجد جميعها في نفس العقار) وقد تحولت لمستشفيات ميدانية مع سقوط عشرات المصابين.. أمطرونا بقنابل الغاز المسيل للدموع وأطلقوا باتجاهنا طلقات الخرطوش».

وبث نشطاء صورا على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» لعناصر مدنية تقف إلى جوار قوات الشرطة وهي تحمل أسلحة. وقال النشطاء إن الصور التقطت في المنصورة، وإنها تظهر اشتراك كوادر من جماعة الإخوان في فض مظاهرات أول من أمس.

واحتشد المئات من أبناء المنصورة أمس أمام مستشفى المنصورة الدولي في انتظار خروج جثمان القتيل، وسط هتافات تندد بمرشد جماعة الإخوان وتطالب بإسقاط الرئيس مرسي. وحمل جثمان القتيل ملفوفا بعلم مصر، فيما شيعه مئات من المواطنين على رأسهم الدكتور محمد غنيم الناشط السياسي ورائد زراعة الكلى في منطقة الشرق الأوسط، مرددين هتافات: «يا شهيد نام وارتاح واحنا نكمل الكفاح».

وفي تطور ينذر بتفاقم الوضع الميداني، قالت صفحات منسوبة لمجموعة «بلاك بلوك» إن عناصرها المعروفين بملابسهم السوداء وقناع الوجه الأسود يعتزمون التوجه إلى المنصورة لـ«حماية المتظاهرين السلميين هناك والانتقام للشهداء الذين سقطوا».

وتوعد البيان المنسوب للمجموعة التي ينسب لها القيام بأعمال عنف ضد الشرطة خلال المظاهرات: «سترون منا شبابا يعشق الموت، سترون منا شبابا يذهب إلى الموت كما تهرولون أنتم إلى الحياة».

ودعا نشطاء في محافظات القاهرة والإسكندرية والغربية إلى تنظيم مظاهرات للاحتجاج على ما وصفوه بـ«ممارسات الشرطة القمعية ضد المتظاهرين السلميين في المنصورة»، وسط تصاعد لدعوات العصيان المدني الشامل.

وعلى صعيد متصل يتطلع مصريون إلى موقف القوات المسلحة من تطورات الأحداث على الأرض، مع تزايد الأصوات المطالبة بتدخل فوري للجيش في مواجهة ما سموه بـ«محاولات أخونة الدولة». ومنذ عدة أيام بدأت حملة من محافظة بورسعيد لتفويض الفريق أول عبد الفتاح السيسي لإدارة شؤون البلاد، ونظم المئات في القاهرة أول من أمس الجمعة مظاهرة لدعم الجيش.

وفي أعقاب اشتباكات يوم الجمعة أصدر التيار الشعبي بيانا قال فيه إن «أحداث المنصورة وما تضمنته من عنف ودهس وقتل وإصابة العشرات تمثل جريمة مكتملة الأركان، وانتهاكا لكرامة كل مواطن مصري وحقوقه وحرياته».

وتابع بيان التيار الذي أسسه المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي قائلا: «استمرار العنف المفرط من جانب قوات الأمن بالتعاون مع بلطجية جماعة الإخوان هو اكتمال لسقوط كل شرعية سياسية وأخلاقية لهذا النظام».

من جانبه، انتقد صباحي طريقة تعامل الشرطة مع المتظاهرين في مدينة المنصورة، وقال معلقا على حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»: «ما يجري في المنصورة من قتل وسحل ودهس بمدرعات الشرطة ومنع وصول الأدوية للمصابين هو جريمة مكتملة الأركان، واستباحة للدماء، وامتهان لكرامة كل مصري».

وفي المقابل نفى مصدر أمني تحدثت معه «الشرق الأوسط» أمس، صحة المعلومات التي تشير إلى استعمال الشرطة للعنف أو اشتراك عناصر من الإخوان معها في قمع المظاهرات، قائلا: «هذا أمر عار تماما عن الصحة»، مشددا على أن «عناصر الأمن تلتزم بأقصى درجات ضبط النفس، وأنها تتصدى لمحاولات النيل من مؤسسات الدولة»، مضيفا أن ضابطين وأربعة مجندين أصيبوا في الاشتباكات التي استخدمت فيها قوات الأمن قنابل الغاز المسيل للدموع في مواجهة زجاجات حارقة وحجارة ألقاها المتظاهرون في المنصورة.

كما نفت مصادر جماعة الإخوان أي صلة لعناصرها بالمواجهات في المنصورة. ومن جانبه قدم الدكتور عصام العريان نائب رئيس حزب الحرية والعدالة (الذراع السياسية لجماعة الإخوان) العزاء في ضحايا اشتباكات المنصورة، مطالبا بضرورة العمل على حقن دماء المصريين والتركيز على بناء الوطن وتنميته. وقال العريان على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» أمس: «نريد أن نوفر دماء الشباب وجهدهم وعرقهم لمعارك أخرى قادمة شك فيها، معارك الاستقلال والتنمية وبناء مصر القوية».