أحمد نجيب الشابي: الثورة في تونس فاجأت الجميع.. وحركة النهضة استعجلت الحكم

زعيم الحزب الجمهوري يؤكد أن جهازا منظما وراء اغتيال بلعيد وأنه لا يصدق تورط خلية متشددة

أحمد نجيب الشابي
TT

اتهم أحمد نجيب الشابي رئيس الحزب الجمهوري في تونس حركة النهضة بأنها استعجلت الوصول إلى الحكم، وأكد أن تحالفها مع حزبين علمانيين لم يكن مهيأ للحكم ولم ينجح في إدارة شؤونه، مما تسبب في الأزمة الحكومية التي تعيشها تونس إلى الآن.

وعن رأيه في حكومة العريض التي ينتظر تشكيلها قال الشابي في حوار مع «الشرق الأوسط» إنه لا يمكن الحكم عليها سلفا، وإنه ينتظر الأفعال لاتخاذ موقف منها، رغم أنه لم يخف أن فترة تولي العريض وزارة الداخلية أثارت كثيرا من التحفظات، رغم إشارته إلى أنه كان يفضل السير في مبادرة حمادي الجبالي وتوقع نجاحها.

زعيم الحزب الجمهوري أبدى تفاؤله بإمكانية تنظيم انتخابات حرة ونزيهة قبل نهاية العام، مقللا من تعطل بعض التشريعات، ومؤكدا على ضرورة توفر مناخ أمني موات تغيب فيه مظاهر العنف والاعتداء على الاجتماعات الحزبية.

وتمسك الشابي بضرورة حل روابط حماية الثورة، معتبرا إياها ميليشيات تهدد الخصوم السياسيين.

وقال نجيب الشابي إنه لا يعتقد أن اغتيال بلعيد نفذته خلية دينية متشددة، مرجحا أن يقف وراءه جهاز منظم اعتبره عدوا متربصا بوحدة تونس وأمنها.

وفيما يلي نص الحوار:

* هل تعتقدون أن تشكيل حكومة علي العريض يمكن أن يمثل بداية حلا للأزمة السياسية التي تعيشها تونس منذ أشهر؟

- لو تشكلت حكومة حمادي الجبالي على أساس التوافقات التي برزت خلال المشاورات التي تم إجراؤها مع الأحزاب السياسية، لأمكن القول إنها تمثل بداية الحل؛ إذ وقع الاتفاق على أن تكون مزيجا من التكنوقراط والسياسيين، وأن ينصرف الوزراء إلى العمل الحكومي دون الحزبي، وأن تكون الحكومة محدودة العدد، وأن تسند وزارات السيادة الثلاث إلى شخصيات وطنية وكفؤة.

ومن مقومات ذلك الوفاق الرصيد الذي تحصل عليه حمادي الجبالي غداة اغتيال شكري بلعيد يوم 6 فبراير (شباط) الماضي.

أما علي العريض الذي كلف بتشكيل الحكومة بعد استقالة الجبالي فهو وزير الداخلية منذ انتخابات 23 أكتوبر (تشرين الأول) 2011، وقد أثارت إدارته للوزارة كثيرا من التحفظات لدى الرأي العام في الداخل والخارج، ونحن لا يمكن أن نحكم سلفا على ما سيقوم به، لكن عندنا في الجمهورية مسألتين حيويتين تهمان تحديد موعد نهائي للانتخابات يكون قبل نهاية سنة 2013، وإسناد وزارتي العدل والداخلية إلى شخصيتين وطنيتين مستقلتين تحظيان بثقة وتوافق مكونات الساحة السياسية والمجتمع المدني.

إن ما تتطلبه تونس اليوم هو إنهاء المرحلة الانتقالية بتنظيم انتخابات حرة ونزيهة في مناخ آمن، إلى جانب ما يمكن أن تقوم به الحكومة في ميدان مقاومة غلاء المعيشة ومقاومة البطالة خلال الأشهر القليلة من عمرها.

* يعني أن الحكومة إذا طبقت هذه الوصفة يمكن لها النجاح؟

- قلت إنني لا أحكم على حكومة علي العريض سلفا، وإننا ننتظر الأفعال لاتخاذ موقف منها، نحن لن نكتفي بتغيير صوري على رأس وزارات السيادة، بل يجب أن تكون الشخصيات معروفة وتحظى برصيد من الثقة لدى المجتمع المدني والأحزاب السياسية

* قلتم إن إحدى أولوياتكم تنظيم انتخابات قبل نهاية العام الحالي، فهل تعتقدون أن ذلك ممكن في ظل عدم تقديم تاريخ لإنهاء صياغة الدستور، وعدم تشكيل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وعدم الشروع في مناقشة القانون الانتخابي والاتفاق حول النظام الانتخابي؟ هل يمكن فعل كل هذا خلال الفترة المقبلة، خاصة أن البلاد لم تعرف مناخا يشجع على إجراء انتخابات حرة ونزيهة؟

- بكل تأكيد يمكننا أن ننظم انتخابات قبل نهاية العام، ذلك أن المجلس التأسيسي فرغ منذ فترة من إعداد مسودة الدستور، وهي مسودة توافقية وتستجيب لحاجيات البلاد في إرساء نظام عصري يقوم على الفصل بين السلطات وضمان الحريات، وتبقى المسألة الوحيدة العالقة تهم النظام السياسي وهل سيكون رئاسيا أم برلمانيا أم مزيجا من الاثنين، والاتجاه الآن هو نظام رئاسي معدل، وقد حصل توافق حول انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب، وبقي الخلاف يدور حول صلاحياته، وهو خلاف محدود وقابل للتجاوز.

ومن جهة أخرى وضع المجلس التأسيسي قانون الهيئة المستقلة للانتخابات، وهو يضمن حيادها واستقلاليتها، وتم فتح باب الترشيح لعضويتها، ولم يبق غير التصويت على القانون الانتخابي، ويوجد توافق على نظام النسبية الذي تم اعتماده خلال الانتخابات الماضية.

لكن الأهم من كل هذه الجوانب التشريعية هو المناخ الأمني، إذ لا يمكن إجراء انتخابات إذا كان أمن الشخصيات مهددا والاجتماعات العامة الحزبية عرضة للاعتداء من قبل المتطرفين أو الميليشيات التي وقع بعثها للخصوم السياسيين.

ولهذه الأسباب حرصنا على أن تكون وزارتا العدل والداخلية بأياد أمينة تضمن الأمن والحرية بين الجميع دون أي نوع من التمييز

* ولهذه الأسباب أجمعت الأحزاب خلال المشاورات مع الجبالي ومع العريض على ضرورة حل ميليشيات ما يسمى بروابط حماية الثورة؟

- المنظمات أو الجمعيات التي تقوم على استعمال العنف للتصدي للخصوم السياسيين ليست شرعية، ولا تمت للمجتمع المدني بصلة، وإنما هي ميليشيات تهدد الأمن العام وتحمل بذرة الفرقة والاستبداد، لذلك أجمع الرأي العام من أحزاب ومنظمات مدنية، ومنها الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي تعرض مقره الرئيسي إلى الاعتداء من قبل هذه الميليشيات، على ضرورة حل ما يسمى بروابط حماية الثورة.

وأعتقد أن هذه المسألة يجب أن تكون على رأس أولويات الحكومة المقبلة، وتحديدا وزيري العدل والداخلية، وسيكون حكمنا على الحكومة المقبلة مبنيا على ما قد تتخذه من إجراءات في هذا المجال، علما بأن حمادي الجبالي قد وضع حل هذه الروابط ضمن برنامج الحكومة التي كان ينوي تشكيلها.

* تونس تجاوزت مرحلة العنف لتلج مرحلة الاغتيال، فهل أنتم مقتنعون برواية وزارة الداخلية التي أكدت أن اغتيال شكري بلعيد قامت به عناصر من تيار ديني متشدد يعرف بتونس باسم السلفية الجهادية؟ وهل ترون أن هناك جهات أخرى تتحمل مسؤولية هذه الجريمة؟

- لست أدري من هي الجهة المسؤولة مباشرة عن اغتيال المناضل الوطني شكري بلعيد، لكن معرفة هذه الجهة ضرورية من أجل إقامة العدل وتعقب المجرمين والتعويض لعائلة الفقيد.

غير أن التونسيين حريصون على كشف الجهة السياسية التي خططت ومولت وجهزت من قام بهذه الفعلة الشنيعة.

وقد ثبت من خلال وزير الداخلية أن الشهيد وقع ترصده خلال أيام متعددة، وأنه استعملت في عملية الرصد سيارات ووسائل أخرى متعددة، وكلها مؤشرات تدل على أن التنفيذ تم بحرفية إجرامية عالية.. الأمر الذي يدفع إلى الاعتقاد بأن الجريمة لم تكن من فعل خلية من خلايا التنظيمات المتشددة أو عمل هواة، بل تمت من قبل جهاز خطط لها ووفر لها كل وسائل الإنجاز، ما يعني أن اغتيال الشهيد ليس سوى حلقة من سلسلة تدبر ضد أمن التونسيين وترمي إلى الإيقاع بهم في أتون الفتنة والعنف الأهلي، لذلك ينتظر التونسيون مزيدا من المعلومات حتى يقع تفكيك هذه الجهة الإجرامية فيطمئنوا على بلادهم وعلى مستقبل أبنائهم.

* وهل ترجحون أن يكون هذا الجهاز من الداخل أو من الخارج؟

- كل الاحتمالات واردة في هذا المجال. والأكيد أنها من فعل عدو متربص بوحدة هذا البلد وأمنه.

* كنتم وحزب النهضة رفقاء نضال ضد العهد الاستبدادي لكن فترة ما بعد الثورة فرقتكم، فهل أخطأت النهضة لما قبلت الحكم وقياداتها خارجة من السجن أو عائدة من المنافي، في حين كان عليها معرفة التحولات التي عاشها الشعب التونسي والتعرف على آليات عمل الإدارة ومؤسسات الدولة؟

- النهضة مسؤولة عن خياراتها، في المغرب الأقصى كانت التجربة مغايرة؛ إذ اختار الإسلاميون التدرج في ممارسة شؤون الحكم، فتدرج حجمهم في البرلمان كما تدرجت مشاركتهم في المجالس البلدية قبل أن يصلوا مؤخرا إلى تشكيل الحكومة.

لكن الثورة في تونس فاجأت الجميع، بما فيها النهضة، إذ أحدثت فراغا في الحكم، وهو ما جعلها (أي النهضة) تختار منذ الوهلة الأولى التنافس من أجل ملء هذا الفراغ، وخرجت من الانتخابات بوصفها الحزب المتحصل على أكبر عدد من مقاعد المجلس التأسيسي، دون أن تكون حزبا أغلبيا، وتمكنت من أخذ الحكم عن طريق تشكيل ائتلاف مع حزبي المؤتمر والتكتل العلمانيين، غير أن هذا الائتلاف لم يكن مهيأ للحكم ولم ينجح في إدارة شؤونه، ما آل إلى الأزمة الحكومية المفتوحة التي نعيشها اليوم.

ونحن نعتقد أن البلاد تحتاج راهنا وفاقا وطنيا جديدا يقوم على الحقائق السياسية لسنة 2013، وليس على معطيات 2011، وهو توافق ضروري للنأي ببلادنا عن أتون العنف الأهلي، ولاستكمال ما تبقى من هذه المرحلة الانتقالية، ولوضع البلاد على سكة الانتقال إلى الديمقراطية في أفق 2013.

وكان بالإمكان أن يقوم مع حمادي الجبالي الذي وعى بضروراته القصوى، ونحن ننتظر تشكيل حكومة العريض لنحكم لها أو عليها من هذا المنظار.

وسنبقى من جهتنا إلى تحقيق هذا الوفاق الذي لا يقوم على ترضية الأحزاب السياسية بعضها لبعض، بل على الاستجابة لحاجيات الانتقال الديمقراطي ولانتظارات التونسيين من الثورة؛ أي التشغيل والعدل في التنمية بين الجهات، فضلا عن تحقيق الأمن ومقاومة غلاء المعيشة، وهما قضيتان مستجدتان بعد الثورة.

* لاحظنا أن حوارات ومشاورات السياسيين تكاد تنحصر في إدارة الحكم في ظل غياب كامل للحديث عن الأزمة الاقتصادية التي تتخبط فيها البلاد، والتي تهدد، حسب بعض الخبراء، بما حدث في اليونان.

- المسألة الاقتصادية كانت تتصدر أولويات العمل السياسي، غير أن نتائج انتخابات 23 أكتوبر 2011 لم تكن عاملا محفزا للاستثمار من قبل الفاعلين الاقتصاديين المحليين والأجانب، وزاد غياب البرنامج الاقتصادي لدى الفريق الحاكم وضعف خبرته في الإدارة الطين بلة.

ومنذ مايو (أيار) 2012 خفضت مؤسسة «ستاندارد آند بورز» من الترقيم السيادي لتونس، وبررت ذلك بعجز الحكومة الحالية عن الاستجابة لحاجيات تطوير الاقتصاد لتسير بقية وكالات التصنيف على منوالها فيما بعد، غير أن الأحداث دفعت بالمسألة الأمنية إلى أعلى هرم الأولويات، ذلك أنه لا استثمار ولا سياحة ولا تنمية دون عودة الأمن وعودة الصورة الخارجية كبلد آمن ومنفتح ومعتدل.

اليوم كثير من المستثمرين التونسيين يتوجهون إلى المغرب وغيره للاستثمار به، فما بالك بالمستثمرين الأجانب؟

وأعتقد أن عودة الأمن والشعور بالاطمئنان على مستقبل البلاد يمثلان شرط عودة النشاط الاقتصادي للبلد، لكن الحيز الزمني المتاح للحكومة المنتظرة لن يكون بكل المقاييس كافيا لدفع الاستثمار والنهوض بالاقتصاد، وهو ما سيجعل هذه الحكومة حكومة تصريف أعمال تعمل على إرجاع الأمن ومقاومة ظاهرتي البطالة وغلاء المعيشة، وهو أقصى ما يمكنها القيام به.

وأؤكد أن الأحزاب، وفي طليعتها حزبنا، تملك تصورا للتنمية الاقتصادية، وبإمكانها تعبئة الكفاءات والكوادر التي تزخر بها الإدارة التونسية، ويمكن أن تضع بلادنا على سكة الازدهار الاقتصادي والعدل الاجتماعي، لكن قبل ذلك لا بد من تحقيق مناخ آمن وموات للنشاط الاقتصادي.

* أسس حزبكم مع نداء تونس والمسار والحزب الاشتراكي وحزب العمل الوطني الديمقراطي تحالفا أطلقتم عليه اسم «الاتحاد من أجل تونس».. فهل سيكون تحالفا سياسيا أو انتخابيا؟ وهل ستدخلون الانتخابات المقبلة بقائمات موحدة ومرشح وحيد للرئاسة؟

- ينص إعلان التأسيس على أن التحالف سياسي وانتخابي معا، غير أنه لم تتضح الصيغ التي سيتخذها التحالف الانتخابي وهل سيكون عبر قائمات موحدة أو مشتركة وبمرشح وحيد للرئاسة، وهي مسائل لم يقع تناولها بعد، لكنها ستطرح على طاولة الحوار قريبا بكل تأكيد.