كينيا تستعد لانتخابات رئاسية غدا وسط مخاوف من تجدد العنف

احتدام السباق بين أودينغا وكينياتا.. وواشنطن تدعو إلى التصويت بشكل سلمي

أنصار للمرشح الرئاسي كينياتا يتشاجرون للحصول على فانلات مجانية في آخر تجمع انتخابي قرب نيروبي أمس (رويترز)
TT

تثير الانتخابات الرئاسية المقررة غدا في كينيا مخاوف من اندلاع موجة جديدة من أعمال العنف العرقية. ولعل التطور الذي يدعو إلى القلق هو تشكيل جماعات مسلحة في الداخل بدعم من الزعماء السياسيين المحليين.

وقد تناولت وسائل الإعلام المحلية خلال الأيام الماضية مسألة شراء الأصوات، مما يشير إلى أن النتائج المتوقعة من هذه الانتخابات ستكون قاتمة. وكانت الانتخابات السابقة، التي جرت في ديسمبر (كانون الأول) 2007، قد شهدت أعمال عنف على نطاق واسع عقب إعلان مواي كيباكي، الذي ينتمي إلى قبيلة كيكويو، فوزه بالرئاسة رغم الاتهامات المتبادلة بين حزبه وحزب المعارضة الرئيسي «حركة أورانج الديمقراطية»، على خلفية التجاوزات الانتخابية. وقد أكد المراقبون الدوليون هذه التجاوزات.

وقال الدكتور ستيف إتيغبو، وهو خبير في الشأن الكيني وباحث في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية في لندن، لـ«الشرق الأوسط»، إن كينيا مثلها مثل العديد من البلدان الأفريقية الأخرى؛ حيث يحيط العنف أو التهديد بالعنف عادة «في فترة التحضير للانتخابات، والانتخابات، والمشاحنات التي تعقب الانتخابات على خلفية النتائج المتنازع عليها». وأضاف إتيغبو أنه على الرغم من الشائعات المتعلقة بتكديس الأسلحة فضلا عن لغة الخطاب التي تروج للقبلية والطائفية، هناك أسباب تدعو للاعتقاد بأن جميع الأطراف خلال الصراع الأخير تعلموا الدرس. وأوضح إتيغبو أن الأمين العام السابق للأمم المتحدة، كوفي أنان، والاتحاد الأفريقي، قد عقدا سلسلة من الاجتماعات البناءة مع مختلف فئات المجتمع الكيني بما في ذلك الحكومة والمعارضة ورجال الأعمال، ورجال الدين البارزين، من أجل تجنب أخطاء الماضي التي شابت المنازعات الانتخابية.

تتميز كينيا بتركيبة معقدة للغاية من الناحية القبلية والعرقية؛ حيث تمثل القبائل الثلاث الكبيرة، وهي قبيلة كيكويو، ولوو، وأكامبا، نحو 40 في المائة من السكان. وتعد تلك الدولة الواقعة في شرق أفريقيا أيضا موطنا للعرب. ومنذ أن أقام التجار من جنوب شبه الجزيرة العربية في الساحل الشرقي لأفريقيا بالقرن الأول الميلادي، حكمت سلطنة كيلوا، تنزانيا حاليا، الساحل بأكمله، وخلال تلك الفترة شيد العرب مدنا ساحلية مهمة من ضمنها مومباسا (كينيا) وزنجبار (تنزانيا). وهناك ما يقدر بـ4.3 مليون نسمة من المسلمين في كينيا، معظمهم من السنة.

وتعتبر كينيا مركزا إقليميا مهما، كما تعد نيروبي مقرا لأحد مكاتب الأمم المتحدة الرئيسية الأربعة. ورغم أن نصف الكينيين يعيشون في فقر مدقع، لا تزال كينيا أكبر اقتصاد في شرق أفريقيا. والسياحة هي النشاط الرئيسي في مجال الخدمات في البلاد، وهناك مخاوف واسعة النطاق من نفور السائحين بسبب اندلاع أعمال عنف تشبه تلك التي اندلعت خلال الانتخابات السابقة.

وكان أحد أكثر الأعمال وحشية في الأزمة الكينية خلال الفترة ما بين عامي 2007 و2008، حيث قتل 30 مدنيا في إحدى الكنائس يوم رأس السنة. وكانت هناك احتجاجات عنيفة مكثفة خاصة بالقرب من موطن زعيم المعارضة حينها، رايلا أودينغا. وعمت الفوضى الأحياء الفقيرة في مدينة نيروبي الضخمة عقب شن هجمات ذات دوافع عرقية بالتزامن مع ارتكاب أعمال عنف من قبل العصابات الإجرامية. وردت الشرطة الكينية وقوات الأمن بإطلاق النار على عدد من المتظاهرين.

وجدير بالذكر أنه قد توفي 1.133 شخصا، وتم تهجير ستمائة ألف آخرين من ديارهم خلال الأزمة الانتخابية بين عامي 2007 و2008. ولم تنته أعمال العنف إلا بعد تدشين جولة من المفاوضات بوساطة الأمين العام السابق للأمم المتحدة، كوفي أنان. وأسفرت تلك المفاوضات عن التوصل إلى اتفاق لتقاسم السلطة بين كيباكي وأودينغا، أصبح الأخير بموجبه رئيسا للوزراء.

ووجهت المحكمة الجنائية الدولية تهما لعدد من السياسيين الكينيين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في أعقاب أعمال العنف التي اندلعت خلال عامي 2007 و2008. وكان من بين هؤلاء المتهمين المرشح، أوهورو كينياتا، الذي يعد أقوى المرشحين المتنافسين في انتخابات الغد. ويواجه مرشح آخر، هو ويليام روتو، أيضا التهم ذاتها من قبل المحكمة الجنائية الدولية.

وعشية الاقتراع، تعطي استطلاعات الرأي كينياتا وأودينغا نتائج متقاربة. وفي الثامنة والستين من عمره يقوم أودينغا بمحاولة للمرة الثالثة والأخيرة على الأرجح، أمام أبرز منافسيه كينياتا (51 عاما) نجل «أبي استقلال البلاد»، والذي يملك ثروة عائلية طائلة. وقال إتيغبو «رغم استحالة التكهن بنتيجة السباق الرئاسي، على المرء أن يشيد بوصول هذا الثنائي إلى هذا المدى في سباق يرى المجتمع الدولي أنه من نصيب رايلا أودينغا».

وسيصوت الكينيون ست مرات الاثنين: فهم سيجددون أيضا للجمعية الوطنية التي تضم عددا من النساء، وسينتخبون للمرة الأولى مجلسا للشيوخ و47 حاكما يتمتعون بسلطات واسعة وأعضاء المجالس المحلية.

من جهة أخرى، دعت الولايات المتحدة الكينيين أول من أمس إلى التصويت بشكل سلمي لانتخاب رئيس جديد، معتبرة أن الاقتراع يشكل «فرصة تاريخية» للبلاد. وقال باتريك فنتريل، مساعد الناطق باسم الخارجية الأميركية «نأمل في أن يقوم كل الكينيين بالتصويت بشكل سلمي أيا كان انتماؤهم أو ديانتهم أو ارتباطهم الجغرافي، وأن يعملوا للمصلحة الجماعية للبلاد». ورأت الولايات المتحدة التي تتابع الحدث عن كثب أن الوقت حان لكينيا «لتقوم بخطوة جديدة شجاعة عبر تنفيذ دستورها الجديد وتعزيز ديمقراطيتها». وأضاف فنتريل «نقف في صف الكينيين الملتزمين بتنفيذ وعد وضع دستور جديد ومستقبل سلمي ومزدهر وديمقراطي».