العراق ينجر «مخيرا».. و«مجبرا» أحيانا إلى الصراع السوري

خبراء ومحللون غربيون: إيران هي المحرك الأساسي

TT

تنجر حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي رويدا رويدا إلى الصراع السوري «مجبرة» على ما يبدو أحيانا، كما يبدو من الاتهامات له بالتغاضي عن شحنات أسلحة إيرانية إلى نظام بشار الأسد عبر أجواء العراق أو انتقال العنف إلى أراضيه كما حصل أمس في الأنبار، و«مخيرة» كما يبدو من تقارير عن تسلل مقاتلين شيعة عراقيين إلى سوريا بدعوى حماية العتبات الشيعية في دمشق وهو تسلل يجمع الكثيرون من المراقبين على أنه لا يمكن أن يحصل من دون علم الحكومة.

الحكومة العراقية دأبت على نفي كل اتهام وجه إليها فيما يتعلق بسوريا باستثناء موقفها المعلن من أن انتصار معارضي الرئيس السوري سيؤدي إلى «حرب أهلية» في العراق ولبنان ومعارضتها لتزويد المعارضة بالسلاح الذي تقول إنه قد ينتهي موجها إلى «صدور العراقيين». وفيما يتعلق بالتقارير التي وردت أخيرا عن تدخل القوات العراقية لصالح قوات الأسد في المنطقة الحدودية في الشمال وقصفها لمواقع الجيش الحر أثناء محاولتها السيطرة على معبر اليعربية الحدودي، كان المستشار الإعلامي لوزارة الدفاع العراقية الفريق الركن محمد العسكري واضحا إذ نفى بشدة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أية «صلة بما يجري في سوريا من قبل الجيش العراقي حيث إن القتال يدور بين القوات السورية النظامية وقوات المعارضة قرب الحدود بين البلدين وإن القذائف تسقط داخل أراضينا»، مشيرا إلى أن «القطاعات العراقية العسكرية تعمل على ضبط الحدود دون أن يكون لها دور فيما يجري»، ومؤكدا أن «الموقف العراقي من الأزمة السورية كان منذ البداية واضحا ومعلنا وهو موقف الحياد».

«الشرق الأوسط» سألت زميل المعهد الملكي للعلاقات الدولية (تشاتهام هاوس) المختص بالشأن العراقي، عمر سري، عن مزاعم التدخل العراقي في الشأن السوري فأجاب: «من وجهة نظري فإن العراق كان أكثر وضوحا في حياديته من بقية دول المنطقة، علما بأن له حدودا طويلة مع سوريا وعدم التدخل هذا نابع من رغبته في عدم الدخول طرفا في المصالح المتضاربة للدول الإقليمية».وبسؤاله عن تقارير أفادت مؤخرا بعبور قوات عراقية إلى سوريا عند معبر اليعربية في الشمال الذي يقابل معبر ربيعة العراقي، قال سري: «لا معلومات لدي بهذا الشأن وإذا كانت القوات العراقية قد أصبحت طرفا في اشتباكات فمرد ذلك هو، حسب قناعتي، إلى مخاوف من امتداد أعمال العنف السورية إلى المناطق الحدودية العراقية، والروايات الرسمية العراقية تعكس هذا الموقف». وردا على سؤال حول تسلل مقاتلين شيعة عراقيين إلى سوريا للقتال إلى جانب قوات الرئيس بشار الأسد وما إذا كان ذلك ممكنا من دون علم السلطات العراقية، أجاب سري: «من المرجح أن تعلم الحكومة العراقية إذا كان هناك أي مقاتلين عراقيين في سوريا. لكن عدد هؤلاء المقاتلين ودعم الحكومة العراقية لهم لا يقارنان بالتدخل الفعال من جانب إيران في دعم بشار الأسد والحكومة السورية».

ديفيد بتلر، زميل سري في «تشاتهام هاوس» والخبير في الشأن السوري، له رأي مشابه، إذ يرى في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه «ليس من مصلحة الحكومة العراقية الانجرار إلى الأزمة السورية نظرا لما لديها من مشكلات خاصة بها». وبسؤاله عما إذا كانت إيران ستدفع بحكومة المالكي نحو الخوض أكثر في الشأن السوري إذا ما تدهور وضع نظام الأسد أكثر، يرى بتلر أن إيران «ستعتمد بالدرجة الأولى على حلفاء أقرب إلى المراكز السكانية الكبرى المهمة في سوريا وتحديدا على حزب الله في لبنان».

بدوره، يرى عميد كلية العلوم السياسية في جامعة النهرين العراقية الدكتور عامر حسن فياض في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «الاتهامات التي تكال إلى العراق بشأن موقفه من الوضع السوري بشكل عام لأن الأزمة السورية لم تعد أزمة داخلية، بل باتت أزمة يتداخل فيها الداخلي بالخارجي» ، مشيرا إلى أن «هناك موقفا خليجيا تركيا مما يجري يختلف عن الموقف الإيراني، وبالتالي فإنه ورغم إعلان العراق عن موقف محايد مما يجري فإنه بات هذا الموقف يحسب على هذه الجهة أو تلك». وأكد فياض أن «هناك أطرافا تحاول الدخول على طرفي النزاع الحكومة والمعارضة وبالتالي تحقق التداخل في هذه الأزمة عبر خنادق متقابلة وهو أمر صار يصعب الفكاك منه».

ويسود القلق الدوائر الأميركية أيضا من تأثيرات الأزمة السورية على العراق، والوجود القوي لما تعتبره «جماعات إرهابية» في شرق سوريا وغرب العراق. كل ذلك دفع السفارة الأميركية في بغداد إلى إطلاق تحذيرات واضحة وقاطعة من أن تنظيم «القاعدة» وجماعات أخرى مرتبطة به «يحاولون نقل الأموال والمقاتلين إلى جميع دول المنطقة ومن بينها العراق وسوريا».

ويأتي ذلك متزامنا مع رفض حكومة المالكي طلبا أميركيا لتنفيذ وتشديد العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على كل من سوريا وإيران. وفشلت المفاوضات التي أجراها وكيل وزارة الخزانة الأميركية لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية ديفيد كوهين مع المسؤولين العراقيين في التوصل إلى اتفاق. وأعرب مسؤول بالإدارة الأميركية من قلق الولايات المتحدة من تجاهل العراق تفتيش الطائرات الإيرانية التي تمر من العراق إلى سوريا والتي تحمل معدات قتالية ومقاتلين لمساعدة النظام السوري. وقال المسؤول، الذي رفض نشر اسمه: «لقد أبلغنا الحكومة العراقية مرارا اعتراضنا على الرحلات الجوية الإيرانية إلى سوريا عبر الأجواء العراقية وأبدينا شكوكنا أنها تحمل أسلحة، لكن الحكومة العراقية لم تقم بتفتيش الطائرات سوى مرتين فقط وكلاهما جرى في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي فقط». وأشار إلى العلاقات الاقتصادية المتنامية بين العراق وإيران منذ الإطاحة بالرئيس العراقي السابق صدام حسين عام 2003 وقال: «كلا الجانبين يعملان عل خطط لتوسيع علاقاتهما الاقتصادية بشكل خاص ومنها على سبيل المثال خطة توريد الغاز الطبيعي الإيراني إلى العراق في منتصف العام الحالي».

ويقول المحلل السياسي اد حسين، الزميل في إدارة دراسات الشرق الأوسط بمجلس العلاقات الخارجية، إلى مخاوف لدى عدد من دول المنطقة من نفوذ إيران وأطماعها في المنطقة، ولذا تدعم المعارضة السورية السنية بغرض إضعاف النفوذ الإيراني وهناك تدخل إيراني كبير من خلال الميليشيات والوكلاء في العراق ولبنان.

ويقول أوستن لونغ الأستاذ المساعد في الشؤون الدولية بجامعة كولومبيا: «هناك بالفعل مخاوف لدى الإدارة الأميركية من أن سقوط النظام في سوريا قد يؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة، وقد أبرزتها تحذيرات رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي من اندلاع حرب أهلية في العراق ولبنان في أعقاب الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد، وهو يدل على تقرير حكومة المالكي تقديم الدعم لسوريا وإيران ودعم نظام الأسد، وقد ردد ذلك حسن نصر الله زعيم حزب الله اللبناني بمطالبته بالوقف إلى جانب النظام السوري لسحق تمرد المعارضة». وأضاف لونغ: «هناك مخاوف من أن مجموعات سنية داخل المعارضة السورية لها علاقات مع تنظيم القاعدة، وقد صنفت الإدارة الأميركية جماعة النصرة منظمة إرهابية بسبب علاقاتها مع التنظيمات الإرهابية، ومنها تنظيم القاعدة وفروع التنظيم في العراق. ولذا ترفض الولايات المتحدة تسليح المعارضة بشكل قاطع خوفا من وقوع الأسلحة في أيدي الجماعات الإرهابية».