معسكرات العمل في الصين تحت المجهر

تستغل كمعتقلات.. وتعد اختبارا لجدية القادة الجدد في الإصلاح

TT

لم يسمح لـ«لي زايفينغ» بأن تستريح حقا إلا بعد أن تقيأت دما.. وأرسلت لي إلى معسكر عمل يضم أكثر من 300 عامل دون محاكمة أو حتى تهمة بسبب تقديمها التماسا نيابة عن زوجها المسجون، وأجبرت هناك على لصق قطع من البلاستيك على أغطية الزجاجات، التي كان يصل عددها إلى الآلاف يوميا. وكانت تعمل طوال أيام الأسبوع، ولم تكن تنام أو تشرب أو تتناول طعام لا يسد الرمق إلا قليلا.

ظلت لي، وهي مزارعة بالأساس، تعمل بالمعسكر لمدة سبعة أشهر؛ إلى أن هلك جسدها مما أجبر الحراس على نقلها إلى المستشفى كما أوضحت. وقالت عن فترة اعتقالها التي استمرت من عام 2009 إلى 2010: «إنك تأكل المر هناك بصورة أكبر مما يستحقها أي شخص». بعد عقود من تكميم الأفواه، بدأ المسؤولون الصينيون التعامل مع القلق الشعبي من المعسكرات، حيث عملوا على الحد من اللجوء إليها، وأشاروا إلى أن الجلسة البرلمانية لكبار مسؤولي الصين في بكين الأسبوع الحالي يمكن أن تسفر عن تغييرات أكبر. دفع هذا الاحتمال بالمعسكرات إلى صدارة المشهد باعتبارها اختبارا مبكرا لمدى جدية قادة الصين الجدد في تعهداتهم بإصلاح الأجزاء الفاسدة الخربة من النظام. كما أثار شكوك نشطاء حقوق الإنسان وخبراء القانون، الذين ظلوا ينظرون طويلا إلى النظام القانوني في الصين كمنبع للظلم.

وباتت العراقيل التي تقف في طريق الإصلاح أكثر وضوحا خلال الأسابيع القليلة الماضية، حيث تراجع مسؤولون حكوميون عن فكرة إلغاء معسكرات العمل؛ على الرغم من أنها خارج الإطار القانوني. ويرى خبراء القانون أن من العقبات الكبيرة اعتماد السلطات بشكل كبير على معسكرات العمل لإسكات المنتقدين. ويمكن لقوات الشرطة أن تعتقل الناس في تلك المعسكرات لمدة تصل إلى أربع سنوات من دون أي تهمة.

ويتم معاقبة المواطنين على جرائم تافهة، مثل نشر مشاركة غير مستحبة عن مسؤول محلي على مدونة. وانتهى الحال ببعض المعتقلين إلى هناك بسبب طقوسهم الدينية أو محاولتهم تقديم شكاوى إلى السلطات المركزية لظلم وقع عليهم في مقاطعاتهم. وتشهد هذه المعسكرات من السخرة إلى مشاريع الدولة، ويقول المنتقدون إن تلك الممارسات دحضت زعم الحكومة بأنها تلتزم بسيادة القانون. وقال جيروم كوهين، خبير في القانون الصيني بجامعة نيويورك: «إنهم يعلمون كم يضر هذا بقوة الصين الناعمة في الخارج وبالشرعية في الداخل».

بدأت مواقع «إعادة التعليم من خلال العمل» خلال فترة حكم ماو تسي تونغ في الخمسينيات كوسيلة للتعامل مع الخصوم السياسيين. ومن الصعب الحصول على الإحصاءات، لكن بحسب أرقام الحكومة، تم احتجاز 160 ألف شخص في 350 معسكرا في الصين عام 2008. ومن الصعب عقد مقارنات بالدول الأخرى لعدم اتساق البيانات التي تقدمها الصين، واعتيادها اعتقال الأشخاص دون أي اتهامات.

وتكثر القصص التي تروي الظروف القاسية في المعسكرات بما فيها الحرمان من النوم، والتعرض للبرد القارس، والضرب المستمر، والطعام الذي لا يؤكل تقريبا، والاستراحة لفترة قليلة من العمل المستمر، الذي يشبه العمل في مصنع. تم إرسال لي، البالغة من العمر 56 عاما، إلى معسكر في مقاطعة هيبي بعد محاولتها تقديم التماس للنظر في سجن زوجها. وقالت إنه لم يُسمح لها بالاستحمام ولو لمرة واحدة خلال السبعة أشهر التي قضتها هناك. بمرور الوقت بدأ جسدها يذوي ويضعف. وقالت: «لم يسمحوا بإراحتي إلا بعد أن بدأت أتقيأ دما، مما جعلهم يشعرون بخطورة حالتي وإطلاق سراحي حتى لا أموت هناك».

حتى هذه اللحظة ما زالت لي تحلم في يقظتها بالمعسكر بينما تأكله النيران، حتى تنتهي مأساة كل الذين يوجدون هناك. وفي يناير (كانون الثاني) بدت الصين على وشك إغلاق كل المعسكرات، عندما نقلت وسائل الإعلام الرسمية عن وزير الأمن العام وكبير مسؤولي الأمن في الحزب الشيوعي، مينغ جيانزو، وعده بتعليق العمل في معسكرات العمل بمجرد موافقة البرلمان الصيني خلال شهر مارس (آذار). مع ذلك في الأيام التالية أدخلت التقارير الرسمية تعديلا على صياغة هذا التصريح من «تعليق» إلى «إصلاح»؛ في إشارة إلى أن اقتراح مينغ كان هدفه مواجهة المعارضة في الداخل.

وفي ظل هذا الغموض، يقول خبراء القانون إن القادة الصينيين يمكن أن يذهبوا في اتجاهات مختلفة من أجل الوفاء بوعود الإصلاح، بداية بخفض الحد الأقصى لسنوات الاعتقال في معسكر العمل، وصولا إلى توفير محامين وقضاة. وأخشى ما يخشاه خبراء حقوق الإنسان هو استخدام الإصلاحات المقبلة في إضفاء غطاء شرعي على النظام الحالي وترسيخ وجوده.

وسيثير إغلاق المعسكرات من خلال خطوة واحدة سريعة تساؤلات صعبة على حد قول وانغ غونغي، الباحث المتقاعد السابق بوزارة العدل. من تلك التساؤلات ماذا يمكن أن نفعل بعشرات الآلاف الذين من المفترض أن يخدموا في المعسكرات. ويرى أنه من الواضح أن الزخم يتجه ضد المعسكرات، مشيرا إلى أن الإحصاءات التي تقدمها الحكومة توضح تراجعا كبيرا في عدد المعتقلين خلال العام الماضي.

وأضاف: «من الواضح أن القادة رفيعي المستوى توصلوا إلى اتفاق بشأن المعسكرات، لكنهم لا يزالون يتناقشون في الخطوة التالية والبديل وكيفية التعامل مع العواقب».

* شارك زانغ جي في إعداد هذا التقرير

* «خدمة واشنطن بوست» - خاص بـ«الشرق الأوسط»