قوات الاتحاد الأفريقي تنتشر لأول مرة في وسط الصومال

الرئيس الصومالي في الدوحة.. ومؤتمر قبلي في كيسمايو تمهيدا لميلاد إقليم «جوبا لاند»

TT

نشر الاتحاد الأفريقي وحدات من قواته في إقليم «جلجدود» بوسط الصومال، ووصلت وحدة عسكرية جيبوتية مزودة بالآليات العسكرية والدبابات إلى مدينة طوسا مريب عاصمة الإقليم أمس في أول تحرك لقوات الاتحاد الأفريقي في هذه المنطقة منذ وصول هذه القوات إلى الصومال بداية عام 2007.

وتسيطر حركة الشباب الموالية لتنظيم القاعدة علي جزء من هذا الإقليم، فيما يخضع الجزء الآخر لمقاتلي منظمة «أهل السنة والجماعة (الطرق الصوفية)» الموالية للحكومة الصومالية. وقال الكولونيل عثمان دوباد، قائد القوات الجيبوتية في الصومال إن هذا التحرك جزء من عملية أوسع لنشر قوات الاتحاد الأفريقي في إقليم وسط الصومال ضمن عملية حفظ السلام الأفريقية التي بدأت قبل عدة سنوات، وتوقفت الوحدة الجيبوتية في عدد من القرى والبلدات قبل أن تتمركز في مدينة طوسا مريب عاصمة إقليم جلجدود (نحو 600 كم شمال مقديشو). ويبلغ قوام قوات الاتحاد الأفريقي نحو 17 ألفا من أوغندا وبروندي وكينيا وجيبوتي وسيراليون، وبدأت عملياتها العسكرية في العاصمة مقديشو بداية عام 2007، لمحاربة مقاتلي حركة الشباب، وتوجد حاليا في جميع محافظات جنوب البلاد.

وتأتي هذه التطورات العسكرية بعد يوم من استعادة القوات الحكومية التي تدعمها قوات الاتحاد الأفريقي عددا من البلدات الواقعة علي الطريق الرئيسي بين العاصمة مقديشو ومدينة بيداوا الاستراتيجية (250كم غرب مقديشو). ولقيت القوات المتحالفة مقاومة محدودة من مقاتلي حركة الشباب الذين كانوا يسيطرون علي هذه البلدات. وسيطرت القوات الحكومية والأفريقية علي مدينة بور هكبة (165كم غرب مقديشو). ويمتد الطريق السريع الذي يربط بين مقديشو وبيداوا (ثالث كبري مدن جنوب البلاد) علي مسافة 250 كم، كانت حركة الشباب تسيطر علي نحو نصف هذا الطريق خلال السنوات الماضية. وشنت القوات الحكومية وقوات الاتحاد الأفريقي عملية عسكرية تهدف إلى فتح هذا الطريق وجعله خاليا من سيطرة عناصر حركة الشباب.

وقال الجنرال عبد الكريم يوسف رئيس أركان الجيش الصومالي في مؤتمر صحافي إن «جيبا صغيرا بين بور هكبة وبيداوا بقي للقوات المتحالفة وقريبا ستلتحم هذه القوات من الاتجاهين، وعليه يكون الطريق بين بيداوا ومقديشو خاليا من مقاتلي الشباب». وكانت الوسيلة الوحيدة لانتقال المسؤولين الحكوميين وقوات الاتحاد الأفريقي للتنقل بيم مقديشو وبيداوا عن طريق الجو فقط، لكن الحكومة ترمي من العمليات العسكرية الأخيرة فتح هذا الطريق البري المهم لحركة الناس والبضائع وكذلك المعدات العسكرية.

وقد خسرت حركة الشباب معظم المناطق الحضرية في جنوب الصومال خلال الأشهر الماضية، حيث كانت تسيطر علي عواصم 9 محافظات، لكنها خسرتها تباعا سقطت ثمانية منها بيد قوات الاتحاد الأفريقي وقوات الحكومة الصومالية، لكن الحركة لا تزال تسيطر علي مساحات واسعة من وسط وجنوب الصومال خارج المناطق الحضرية، ويقول المسؤولون العسكريون الحكوميون إن العملية العسكرية البرية الحالية ستضيق الخناق علي مقاتلي حركة الشباب، مما سيؤدي إلى هزيمتهم والقضاء عليهم، لكن المتحدثين باسم حركة الشباب أعربوا مرارا بأن انسحابهم من المدن الكبيرة هو لأسباب تكتيكية، لاستدراج القوات الحكومية وقوات الاتحاد الأفريقي إلى حرب طويلة الأجل في المناطق النائية.

في هذه الأثناء توجه الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إلى العاصمة القطرية الدوحة في زيارة رسمية يلتقي خلالها مع أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني. وتهدف زيارة الرئيس الصومالي إلى حشد الدعم لحكومته التي تعاني من نقص في الموارد المالية وهذه هي الزيارة الثانية لدولة خليجية حث قام الرئيس الصومالي بزيارة المملكة السعودية في يناير (كانون الثاني) الماضي.

علي صعيد آخر انطلق في مدينة كيسمايو الساحلية في جنوب الصومال(500 كم جنوب مقديشو) مؤتمر قبلي بهدف تشكيل إدارة موحدة لما يعرف بأقاليم جوبا التي تضم ثلاث محافظات صومالية في جنوب البلاد (محافظات: جوبا السفلي، وجوبا الوسطي، وجيدو). وتتولي لجنة فنية تتكون من 32 عضوا، يمثلون القبائل الصومالية القاطنة في المحافظات الثلاثة، وتضم هذه اللجنة حسب ما تم الإعلان عنه من منظمي المؤتمر مندوبين من كينيا (التي توجد قواتها في الإقليم) ومراقبين من منظمة الهيئة الحكومية للتنمية بشرق أفريقيا المعروفة بالإيقاد.

وقد أثار مؤتمر كيسمايو جدلا سياسيا وقبليا حاميا في الأوسط الصومالية بعد أن دعا إليه رئيس جماعة رأس كمبوني الشيخ أحمد محمد إسلام المعروف بأحمد مدوبي، الذي استولت مليشياته الموالية للحكومة علي المدينة في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي بدعم من القوات الكينية التي تعمل ضمن قوات الاتحاد الأفريقي وهو قيادي سابق في تنظيم المحاكم الإسلامية، لكن الحكومة الصومالية دعت إلى اجتماع تشاوري مواز في العاصمة مقديشو لبحث مستقبل كيسمايو وأقاليم جوبا. وكان من المقرر أن يعقد هذا الاجتماع التشاوري في الفترة ما بين 26 فبراير (شباط) إلى 1 مارس، ولم ينعقد لأسباب غير واضحة بعد.

وقال أحمد مدوبي رئيس الإدارة المؤقتة لكيسمايو إن ممثلين عن جميع القبائل الساكنة في أقاليم جوبا تشارك في مؤتمر كيسمايو الذي من المتوقع أن يسفر عن تشكيل إدارة موحدة للإقليم الثلاثة تحت اسم جوبا لاند – علي غرار أقاليم بونت لاند، وصومالي لاند (شمال الصومال). وأضاف أحمد مدوبي إنه سيترشح لمنصب رئيس إقليم جوبا لاند في حال تشكيله. وكان من المتوقع أن يشارك وفد يمثل الحكومة الصومالية في هذا المؤتمر لكن ذلك لم يحدث حتى الآن.

في هذه الأثناء، اعتبر محمد عبدي كليل، وهو محافظ محافظة جيدو، (أحدي محافظات جوبا) أن بعض العشائر في كيسمايو تسعى للهيمنة على الحكم في جوبا لاند حتى يتسنى لهم الادعاء بأنهم العشيرة ذات الغالبية العظمى في المنطقة، بهدف تهميش العشائر الأصلية الأخرى في المنطقة. وأضاف أن السكان المحليين في الأقاليم الثلاثة يريدون تشكيل إدارة شاملة ترضي جميع الأطراف.

وقد اجتاحت حمى تشكيل الإدارات الإقليمية الصومال كلها، استباقا لنظام الفيدرالية التي اعتمدها الدستور الصومالي الجديد، ووصلت الإعلانات عن تشكيل الولايات الإقليمية إلى أرقام قياسية تحمل كلها طابعا قبليا للحصول علي نسبة مناسبة من السلطة والثروة في البلاد، لكن الدستور يعطي الحق في تشكيل الإدارات الإقليمية في حالة واحدة فقط، حيث ينص «أن لكل محافظتين أو أكثر - من المحافظات الثمانية عشرة التي تتكون منها الجمهورية الصومالية - تشكيل ولاية إقليمية ضمن النظام الفيدرالي الذي سيعتمد في إدارة البلاد» لكن عدد الولايات الإقليمية المعلن عنها حاليا والمستوفية للشروط الدستورية المذكورة قليل جدا بالمقارنة مع عشرات الإدارات التي لا يتجاوز بعضها حدود بلدة تسكنها قبيلة معينة.

لكن أقاليم جوبا ومركزها مدينة كيسمايو، تتميز بكونها إحدى أبرز البؤر المعقدة في النزاع الصومالي منذ أكثر من عقدين، نظرا لتنوع القبائل الساكنة هناك وتضارب المصالح السياسية والقبلية أيضا. حيث إن لمعظم القبائل الساكنة هناك لها امتدادات عشائرية في أقاليم الصومال الأخرى، مما جعل الاستقواء بالتحالفات القبلية أمرا شائعا في المنطقة. إضافة إلى ذلك تضم هذه المنطقة القسم الأكبر من الثروة المائية وأخصب المناطق الزراعية في البلاد، بما فيها منطقة الغابات الاستوائية الغنية بالثروات الطبيعية، كما أن عن الجميع علي ميناء كيسمايو الدولي الذي يدر إيرادات ضخمة علي هذه الأقاليم.

ويثور جدل سياسي آخر حول ما يقال عن دعم دول الجوار (إثيوبيا وكينيا) لقبائل معينة في المنطقة، حيث إن في كلا البلدين قبائل صومالية لها امتدادات في جنوب الصومال، وتسعى الدولتان إلى ضمان مصالحهما لمنع تأثير الوضع في جنوب الصومال علي بلديهما. وتريد كينيا إيجاد كيان عازل في منطقة جوبا بجنوب الصومال، لحماية مصالحها في المنطقة، وأهمها تأمين حدودها البرية والبحرية مع الصومال ضد أي هجمات إرهابية يمكن أن تؤثر سلبا على أمنها القومي ومشاريعها الاقتصادية في الإقليم الحدودية وبالذات السياحة في شرق كينيا.