جنبلاط: الأسد منفصم.. والجمهورية الإيرانية تسير عكس المنطق الطبيعي

قال لـ «الشرق الأوسط» إنه لن يترشح للانتخابات إذا أقر «الأرثوذكسي».. والتأجيل السياسي للانتخابات يأخذ البلاد إلى المجهول

TT

لا يبدو النائب وليد جنبلاط مرتاحا هذه الأيام، فكل التطورات في المنطقة ولبنان تمثل نذائر شؤم بالنسبة إليه. كما أنه يرى ان التداعيات الناشئة عن الأزمة السورية تتهدد لبنان بشر مستطير، فيما الخطاب الداخلي ينزل إلى أدنى مستوياته طائفيا مع قانون «اللقاء الأرثوذكسي» الذي يقضي بأن تنتخب كل طائفة نوابها، والذي يعلن النائب وليد جنبلاط في حواره المطول مع «الشرق الأوسط» أنه لن يكون مرشحا للانتخابات على أساسه. أما شبح «التأجيل السياسي» للانتخابات فهو يؤرق النائب جنبلاط الذي يسعى لإبعاد لبنان عن «النفق المظلم» بالتشديد على إجراء الانتخابات وفق قانون يتوافق عليه الجميع «حتى لو كان فيه تفصيل للدوائر على قياس بعض الأطراف»، لأن البديل هو الفوضى، مشككا في وجود نية لدى النائب ميشال عون لتأجيل هذه الانتخابات. وفي ما يلي نص الحوار:

* هل يعني توقيع الرئيس سليمان والرئيس ميقاتي مرسوم دعوة الهيئات الناخبة أن الانتخابات حاصلة وفق قانون «الستين»؟

- إن توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة هو من واجبات وصلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، لكن المرحلة الثانية هي تشكيل هيئة الإشراف على الحملة الانتخابية، وهذا من صلاحيات الحكومة، وأتوقع أن يلاقي هذا المشروع معارضة كبيرة من فريق 8 آذار داخل الحكومة. وعلى الرغم من توقيع الرئيس سليمان والرئيس ميقاتي المرسوم فإنهما أعلنا تمسكهما باستمرار الحوار لأجل الوصول إلى توافق حول قانون الانتخاب.

* وما هو المخرج؟

- المنطق يقول إن المخرج هو في محاولة تقريب وجهات النظر بين مشروع الحكومة الذي ينطلق من النسبية فقط وبين قانون الأكثرية، والدلائل تشير إلى أن الرئيس سليمان مستعد للسير بقانون يمزج بين النسبية والأكثرية. تيار «المستقبل» كان يرفض النسبية، لكنه الآن يوافق على المزج بين النسبية والأكثرية، والخروج بمشروع يتوافق عليه كل الفرقاء يخلط بين الأمرين، ويبقى الخلاف حول تقسيم بعض الدوائر، وهو ما يجب أن نسعى إلى حله.

* كأنما كل فريق يريد الفوز بالانتخابات قبل إجرائها عبر تفصيل القانون..

- صحيح.. لكن الأمر مرتبط باحتدام الصراع السياسي الذي يزداد نتيجة الحدث السوري، ولهذا من الأفضل أن نتفق على قانون انتخاب، وأن تجرى الانتخابات في موعدها المقرر، ولاحقا تكون حكومة جديدة قد تكون حيادية أو حكومة تكنوقراط بدل الدخول بالبلاد في النفق المظلم وتأجيل الانتخابات، ودخول البلاد في دوامة فيها الكثير من المخاطر الأمنية والاقتصادية والسياسية.

* ماذا عن التأجيل التقني، وهل من الممكن أن يحصل؟

- التأجيل التقني شيء، والتأجيل السياسي شيء آخر. فالأول مقبول لشهرين أو ثلاثة أشهر، خاصة أن الناخب اللبناني لم يتعود نفسيا حتى الآن على قضية النسبية، فلا بد من شرح بشكل تفصيلي للناخب، كيف يتم المزج بين النسبية والأكثرية. لذلك، سوف يكون أمام الناخب صندوقا اقتراع، صندوق أكثري وصندوق نسبي، فهذا الموضوع التقني مقبول تأجيله لشهرين أو ثلاثة أشهر لشرح مستفيض للناخب ولبعض السياسيين، وأنا منهم. أما التأجيل السياسي فسوف يدخلنا في متاهات ليس للبلد مصلحة فيها.

* هل تشكك في وجود فريق يريد التأجيل السياسي للانتخابات؟

- عندما نرى تصريحات بعض ما يسمى بالتيار الوطني الحر، والإصرار على القانون الأرثوذكسي وهو نوع من تفتيت البلاد وإلغاء الآخر، يراودنا الشك في أن هناك محاولة للتأجيل السياسي. وذهب المسؤول الأول في التيار الوطني الحر (العماد ميشال عون) إلى طرح بدعة، حيث يقول إن الحكومة تستطيع القيام بوظيفة التشريع، وبذلك فهو يلغي دور المجلس النيابي. نعم يراودني هذا الشك بأن هناك مشروعا لتأجيل سياسي وليس تقنيا. لكن طبعا لست أدري ما هي النوايا الحقيقية للفريق الآخر المسمى بالقوات اللبنانية.

* ماذا يعني التأجيل السياسي في البلد؟

- التأجيل السياسي هو إدخال للبلاد في دوامة المجهول، وإعطاء المجتمع الدولي فكرة أننا لا نستطيع أن نجري في الانتخابات في موعدها، وهذا يضرب الاقتصاد اللبناني ضربة قاسية، ويضرب إمكانية أن يعود المستثمرون إلى لبنان إلى جانب الاستقرار الأمني والسياسي.

* انطلاقا من الوضع القائم حاليا في الساحة اللبنانية من تشنج طائفي ومذهبي، وأمني في بعض مراحله، هل يمكن إجراء الانتخابات في هذه الأجواء؟

- التشنج موجود ويعالج. مثلا، لنبدأ بحالة (الشيخ) أحمد الأسير المتنقلة والمتشنجة.. جزء من معالجة قضيته هو اعتقال الذين أطلقوا النار على مرافقيه، وأن تخرج أصوات الاعتدال السني مثل الشيخ سعد الحريري، والسيدة بهية الحريري، وغيرهما، وتقول نحن نرفض هذا الكلام المتشنج، لكن واجب الدولة أن تعتقل من اعتدى على مرافقي الأسير، وأن يوضع الأسير في حجمه الطبيعي، وأيضا أن نعود إلى الحوار لتصويب وجهة بندقية المقاومة التي دافعت عن الجنوب في مواجهة إسرائيل عام 2006، والتي حررت الجنوب سنة 2000.. يجب أن تعود إلى موقعها الطبيعي في الدفاع عن لبنان. لكن اليوم هذه البندقية نتيجة أمر العمليات الخارجي أصبحت متورطة في الحرب الأهلية السورية، وهذا سيجلب توترا مضادا من قبل فريق آخر من فريق 14 آذار، أو غير 14 آذار. بندقية تقاتل إلى جانب النظام وبندقية أخرى تقاتل إلى جانب الشعب وهذا يجر إلى توتر سياسي داخل لبنان.

* هل طرفا الأزمة في لبنان قادران فعلا على إحداث تغيير في الوضع السوري؟

- كلا، نحن نرى موقف المجتمع الغربي وبالتحديد الولايات المتحدة الأميركية، وزيارة وزير خارجيتها جون كيري كانت أفضل دليل، عندما يتبين التفاوت بين الموقف السعودي والموقف الأميركي. فهم يريدون إعطاء مساعدات إنسانية، ويتذرعون بما يسمى المتطرفين في الثورة السورية لعدم إعطاء السلاح النوعي، الذي يعجل في إسقاط النظام. كلما أطلنا من عمر النظام سيزيد التوتر والحرب الأهلية ويزداد تدمير سوريا، ويصبح الفرز في سوريا فرزا طائفيا ومذهبيا، بدل أن يكون سياسيا. لذلك، هذه هي سياسات أميركا في الأساس ومنذ معركة بابا عمرو، وهناك دوائر أميركية وغربية مشبوهة لم تقدم السلاح النوعي، وتصريح كيري يزيدني قناعة بأن هناك مؤامرة على وحدة سوريا.

* ما المطلوب غربيا حيال الأزمة السورية، ولماذا هذا الدعم المقنن؟

- يبدوا أن الغرب يريد إطالة الحرب الأهلية السورية، وهذا واضح من خلال وعدهم للمعارضة السورية بدءا بالمجلس الوطني مرورا بالائتلاف بوعود «طنانة ورنانة» وخطابات جميلة. لكن، فعليا وعلى الأرض يبدو واضحا أن هناك شيئا لا أفهمه إلا إذا كانوا هم سائرين في مشروع تفتيت سوريا وتغيير خارطة المنطقة، بعد أن بدأوا في العراق.

* ندخل في السنة الثالثة للأزمة السورية.. إذا استمرت الأمور على النحو نفسه فإلى متى تتوقع استمرار هذه الأزمة؟

- يبدو أن سياسة الولايات المتحدة لا تكترث كثيرا بمصير الشرق العربي، فهي تهتم بشأنها الداخلي، وهمها الأول حماية إسرائيل لا أكثر ولا أقل. ماذا فعلت الإدارة الأميركية سابقا في قضية الصراع العربي الإسرائيلي؟! بالطبع لا شيء. حاول أوباما في خطابه الشهير، عندما أتى إلى جامعة القاهرة، فقال بالعودة إلى المفاوضات بعد تجميد الاستيطان. لكن الاستيطان مستمر، والمفاوضات انقطعت لأنها لا جدوى منها. إذن نرى أن التركيز الأميركي يدور فقط حول كيفية حماية إسرائيل، وعدم الاعتراف بالمحيط، وتدمير سوريا لأنها كانت قوة أساسية محورية في مواجهة إسرائيل، وكانت مركز الثقل في المعادلة الإسرائيلية العربية، والآن تدمر، والأميركيون مع الإسرائيليين يتفرجون.

* بعد سنتين من الأزمة السورية، يبدو واضحا أن هناك فرزا داخليا بين الأقليات من جهة والأكثرية السنية من جهة أخرى؟

- أخشى كثيرا عندما نقرأ المقالات المتعددة والمتنوعة والمشبوهة من فؤاد عجمي وغيره. أخشى ما أخشاه من أنهم يشجعون في المنطقة أو يريدون عن قصد تغيير خارطة المنطقة التي رسمتها اتفاقية سايكس بيكو، وإدخال المنطقة في دوامة الصراعات المذهبية وربما القومية، فعلينا ألا ننسى قضية الأكراد في سوريا.

* على الصعيد الدرزي، أين نجحت وأين فشلت على صعيد دروز سوريا؟

- كانت رسالتي واضحة، وهي أن يتخلى الدروز عن الخدمة في الجيش السوري، بعدما حوله النظام من جيش مقاوم ضد إسرائيل، وكانت له مواقف بطولية بمواجهة إسرائيل في حرب 1973 وأثناء غزو لبنان في السلطان يعقوب، وعين زحلتا، وبيروت، ومعا أسقطنا مع الجيش العربي السوري اتفاق السابع عشر من مايو (أيار) المشؤوم. هذا الجيش اليوم أصبح نتيجة إجرام القيادة قامعا لشعبه. لذلك قلت للعرب الدروز أن يخرجوا من هذا الجيش من أجل حمايتهم وحماية مستقبلهم واحتراما لتراث الدروز العربي النضالي الذي نعرفه، عندما قاوموا مع سائر الوطنيين السوريين مشروع تفتيت سوريا عام 1925.

* أين نجحت وأين فشلت؟

- القضية ليست نجاحا أو فشلا. إن نداءاتي المتكررة بدأت تعطي أصداء، وآخرها استشهاد الملازم خلدون زين الدين، ورفض الدروز اليوم التجنيد، لأن النظام اليوم بحاجة إلى رجال فوجه نداء للاحتياط ولم يلب إلا قلة قليلة من الدروز نداء الاحتياط. أعتقد أنني نجحت، لكن مطلوب جهد إضافي. هناك نخبة من الضباط الدروز التحقت بالثورة السورية إن في منطقة إدلب أو حوران. المطلوب أكثر، لكن أعتبر أنني نجحت رغم الصعوبات، لأن النظام أساسا دمر البنى السياسية، والتقليدية، والعشائرية والعائلية، ليس فقط للدروز بل لكل سوريا حتى عند العلويين. ولا يمكن أن نظلم الطائفة العلوية ونضعها في خانة الخيانة لأن النظام أيضا دمر بنيتها التقليدية العشائرية واغتيل كبار قادتها. لذلك، أفعل ما أفعاله حماية لتراث ومستقبل الدروز، لأن مصيرهم متعلق بمصر سوريا مع الغالبية العربية في سوريا، فهم عرب قبل أن يكونوا دروزا.

* ألا تخشى على مصير الأقليات في سوريا إذا استمر الوضع على حاله؟

- هذه النظرية بشر بها النظام، تحالف الأقليات.. وهو لا يبالي بشيء، لا بوحدة سوريا ولا بتراثها ولا بشعبها، الذي قتل واعتقل عشرات الآلاف منه وحرق الآلاف من المدن والقرى، بالعكس إنه سائر بسوريا إلى الدمار المنظم.

* هل ما زال بالإمكان لحوار ما أن يخرج سوريا من الأزمة لتسوية ما؟

- كم كان الشيخ معاذ الخطيب جريئا عندما قال إنه مستعد للتفاوض شرط إطلاق سراح عشرات الآلاف من المعتقلين. كان الجواب الساخر في آخر مقابلة لبشار الأسد أنه مستعد للحوار بعد أن يلقي الثوار سلاحهم، ثم عندما سألته المراسلة حول شهداء الثورة السورية، قال «هل تستطيعين أن تعطيني أسماءهم؟!»، فهو منفصم شخصيا. ومن خلال معظم خطاباته أظنه يعيش في عالم آخر، الأمر الذي يعطيك دلالة كيف يتصرف تجاه شعبه عندما يتجاهل أن هناك عشرات الآلاف من القتلى ومن المفقودين ويصف هؤلاء فقط بالإرهابيين، فكيف يأتي الحل؟! لا حل إلا بإسقاط النظام، لكن عندما تعود إلى الدول الكبرى، وتسمع ممثلين عنها، فهذا يريد حلا سياسيا، وذاك يريد ترجمة واضحة لمؤتمر جنيف، ويقولون إنه في مؤتمر جنيف الذي عقد عام 2012 عندما اجتمع لافروف مع فابيوس وكلينتون، اتفقوا على مفهوم معين لكيفية معالجة الأزمة السورية ثم بدأ كل منهم يتهم الآخر، فكلينتون وفابيوس ذكرا أنهما مع الحل بعد إسقاط بشار، والروس قالوا اتفقنا على حل سياسي تكون فيه حكومة انتقالية تملك كل الصلاحيات ومن ثم نعالج قضية بشار، ونرى من جميع الجهات كيف يتركون سوريا تنازع لا أكثر ولا أقل. كانت بنود مبادرة الجامعة العربية الأولى واضحة جدا: تأكيد الحوار واحترام الحراك السلمي وإطلاق المعتقلين، والتحقيق حول المفقودين، ومحاسبة المرتكبين، وانتخابات حرة تؤدي إلى تداول السلطة.. ثم اختفت تلك المقولة وجاءت البعثات المتنوعة للمراقبين، وفشلت، وأصبحنا في تفسير التفسير لمؤتمر جنيف. يا له من خبث، هذا الأمر يؤكد لنا كيف أن المطلوب هو تدمير سوريا

* بالعودة إلى لبنان، هل تخشى من انعكاس الأزمة السورية محليا؟

- نعم أخشى وأنا أردد وأقول بدءا من طرابلس.. هناك بعض السياسيين يمولون جماعات لن أستعمل كلمة تكفيرية أو سلفية لوصفها، بل جماعات متطرفة، وهذا خطأ من قبل هؤلاء السياسيين. وخطأ من بعض الدول العربية تشجيع الأسير على الاستمرار في تلك الخطابات المتشنجة أو المهينة لعدد من القادة في الطائفة الشيعية. هناك خلاف سياسي في لبنان يعالج من خلال الحوار، ولا بد لحزب الله إذا استطاع أن يبلغ القيادة الإيرانية إعادة تصويب البندقية نحو إسرائيل، وليس للدفاع عن النظام السوري.

* الشيخ الأسير وسواه يقولون إنهم يدافعون عن طائفة مستهدفة؟

- من هي الطائفة المستهدفة؟.. هناك قلق وعلينا أن نتفهم أنه بغض النظر عن سياسة حزب الله هناك قلق لدى شريحة كبيرة من الشيعة في لبنان من أن هناك مؤامرة أو صورا لهم، وأن هناك مؤامرة على مصير الشيعة في لبنان. في المقابل، هناك مراهنة أو لنقل تنفيسا لاحتقان سني تاريخي أنتجته الوصاية السورية في سوريا وفي لبنان. يظنون أنه إذا ما سقط النظام يستطيعون أن يقوموا بثأر ما ضد الذين تعاملوا مع سوريا. لا بد من تصويب الأمر. كنت من الذين تعاملوا مع النظام السوري على مدى 29 عاما مع رموز من الطائفة السنية وغيرها. رفيق الحريري تعامل مع سوريا، وكبار المسؤولين من مسيحيين ومسلمين تعاملوا مع النظام السوري من آنذاك الحفاظ على عروبة لبنان واتفاق الطائف آنذاك. لا نستطيع أن نبسّط الأمور أنها فقط سنية – شيعية، وهذا سيكون خطأ فادحا. إن لبنان مستهدف بغياب».

* هناك من يقول إن تصرفات حزب الله تقود إلى هذه النتيجة في الشارع السني؟

- إذا كان هذا هو المنطق فهذا لا يعالج التشنج، بخطابات نارية من هنا أو هناك، فهو يعالج فقط بالجلوس إلى طاولة الحوار من أجل معالجة قضية السلاح والمصارحة حول مستقبل لبنان. إذا وصلنا إلى هذا التناحر وهذا الكلام العالي فلن يحل التشنج. هناك مكونان أساسيان: السنة والشيعة.. ولا مفر من الاتفاق على مستقبل لبنان والتأكيد على النأي بالنفس عن الحدث السوري ومنع نقل الحرب الأهلية السورية إلى لبنان والعودة إلى الذاكرة. نعم عهد الوصاية استباح رموزا كبيرة من الوطنيين اللبنانيين. نعم عهد الوصاية اغتال من اغتال، لكن علينا ألا ننسى أنه مقابل هذا الوجه القبيح هناك وجه آخر بأننا استطعنا مع سوريا أن نمنع تقسيم لبنان وتفتيته وأن نخرج الاحتلال الإسرائيلي من غالب الأرض اللبنانية المحتلة.

* جلستم إلى طاولة الحوار من عام 2006 إلى عام 2012، لكن الجلسات المطولة خرجت من دون نتيجة؟

- غير موافق. لا نستطيع أن نرفض الحوار لأن مبدأ رفض الحوار غير مجد، ومبدأ الاستقواء بالسلاح، خصوصا في مواجهة الآخرين أو استخدامه في الداخل، مرفوض وكذلك فإن مبدأ رفض الحوار مرفوض. لا بد من العودة إلى أسس الحوار، أي أن يكون السلاح في الوقت المناسب والظرف الإقليمي المناسب بتصرف الدولة اللبنانية، أي بإمرة الدولة اللبنانية. هذا ما قاله الرئيس ميشال سليمان. نعلم أن المنظومة الأمنية والعسكرية لسلاح حزب الله ليست منظومة محلية.. هي منظومة إقليمية. نعرف هذا الأمر.. لكن الجمهورية الإسلامية تسير اليوم عكس السير وعكس المنطق الطبيعي. هم يقولون إنهم يناصرون المظلومين في فلسطين وسواها، وهم اليوم يناصرون الاضطهاد في سوريا، أي النظام السوري الذي يقتل شعبه، وهذا عكس ما قاله آنذاك الإمام الخميني على حد علمي.

* ما هو المطلوب من إيران لبنانيا؟

- ألا يكون لبنان ساحة استخدام لتحسين شروط الحوار مع أميركا. نرى جيدا أن حوار ما بدأ بين إيران والولايات الأميركية المتحدة لكن لا نريد أن يكون على حساب لبنان والعرب.

* هل ترى في الأفق خطرا على لبنان جراء استخدامه كساحة لتحسين التفاوض؟

- ليست المرة الأولى التي يستخدم لبنان فيها كساحة. آن الأوان ليكون لنا الحد الأدنى كدولة، وأن نخرج من دوامة استخدامنا كساحة ونبقي على الثوابت، وهي اتفاق الهدنة مع إسرائيل، رفض التوطين، وعدم الدخول في أي مفاوضة مع إسرائيل إلى أن يبرز حل عادل مبني على أساس قضية الدولتين.

* بالعودة إلى الزواريب اللبنانية، بعد بروز مسألة اللقاء الأرثوذكسي نلاحظ موقفا مسيحيا موحدا للمرة الأولى منذ سنوات طويلة؟

- لا أوافق.. خرج المستقلون المسيحيون وأولهم الرئيس ميشال سليمان، وهو الذي دحض بالمطلق القانون الأرثوذكسي، وحسنا فعل لأنه لو لم يخرج ومعه نخبة النواب المسيحيين وفي مقدمهم الشيخ بطرس حرب لأخذت الأمور بعدا طائفيا أو مذهبيا. ليس هناك إجماع أبدا على القانون الأرثوذكسي.

* هم يقولون إن النواب المسيحيين ينتخبون بغير أصوات المسيحيين، وهذا يؤثر على حسن التمثيل المسيحي؟

- إذا سرنا بهذا المنطق نستطيع كذلك القول إن النواب المسلمين ينتخبون بغير أصوات المسلمين. هناك تنوع ولبنان مبني على التنوع وعلى الاختلاط العيش المشترك، خارج إطار هوية الناخب. إذا ما سرنا بمبدأ أن كل مذهب أو طائفة تنتخب ممثليها، انتهت الصيغة اللبنانية.

* ألا يعبّر هذا الواقع عن خوف أو قلق مسيحي في لبنان؟

- لا أوافق على هذا الكلام. لكن الذين طرحوا هذا الأمر يعيدون للأسف بعض المسيحيين إلى الانعزال ويشوهون التاريخ المسيحي الوطني العربي والقومي الأساسي وانفتاحه على الإسلام والعروبة. يتنكرون لتراث ميخائيل نعيمة وجبران خليل جبران وعصور النهضة اليازجي وكثر. هناك أعلام مسيحيون في النضال العربي والنهضة تجاوزوا أفق هؤلاء القادة الصغار الذين يجهلون تاريخهم. جورج أنطونيوس كان من رواد القومية العربية، وجورج حبش، ونايف حواتمة.

* كيف تقيم تجربتك في هذه الحكومة أو التعايش معها؟

- استطعت مع فريق رئيس الجمهورية والرئيس ميقاتي أن نكبح جماح بعض المتطرفين ونضع خطا سميناه خطا وسطيا، لكن نحن أقلية.

* ماذا عن العلاقة مع سعد الحريري؟

- هناك علاقة مع آل الحريري، حتى لو كان هناك خلاف سياسي كما يقولون. لا مشكلة في الخلاف السياسي لأن الصداقة أقوى من الخلاف السياسي. حتى لو كان هناك تفاوت أو جرى خلاف سياسي نتيجة انضمامي إلى حكومة ميقاتي، لكن تبقى العلاقة مع آل الحريري علاقة تاريخية مبنية على التضحيات المشتركة وعلى علاقة شخصية ووفاء سياسي للشهيد رفيق الحريري.

* كيف تعد نفسك للانتخابات النيابية؟

- المطلوب انتخابات. القصة ليست شخصية. المطلوب انتخابات تفاديا للتمديد السياسي. التمديد التقني شيء والتمديد السياسي شيء آخر.

* يُحكى عن مشروع قانون لتمديد ولاية القادة الأمنيين، قائد الجيش وقائد قوى الأمن الداخلي ورئيس الأركان..

- صحيح، هذا أمر تفصيلي. نعم هناك ضرورات أمنية في هذا الموضوع.

* كيف تنظر إلى التحرك المطلبي القائم حاليا للموظفين في القطاع العام والمدرسي؟

- مشروع هذا التحرك. هذه الحكومة وقعت بخطأ عندما قامت بزيادات غير مدروسة لأساتذة الجامعات والقضاة، فتحرك قطاع المعلمين والقطاع العام لأنهم يريدون المساواة. وجدنا أنفسنا في مأزق لأنه ليست هناك واردات كافية، نتيجة عدم التقييم الصحيح للواردات أولا، وعدم الجباية الكافية للجمارك نتيجة التهريب وغض النظر لبعض الأجهزة الأمنية، وانخفاض معدل النمو الاقتصادي نتيجة المقاطعة العربية وعدم السير في الإصلاح الإداري. اتفقنا مرارا وتكرارا على أننا لا يمكننا أن نستثمر هذا المصروف في القطاع العام من دون إصلاح إداري جدي وهو ما ورد في «باريس 1» و«باريس 2» ولم نقم بشيء منه ووصلنا إلى أفق مسدود والعجز يزداد.

* ليس لنا إلا النفط إذن؟

- صحيح، لكن لا نريد أن نصطاد سمكا في البحر.

* أنت معروف بقراءتك، ما جديدها حاليا؟

- أقرأ كتاب «ذكريات صحافي شاهد على العصر الذهبي للعالم العربي من الخمسينات حتى أواخر القرن العشرين»، هو إريك رولو. كان صديقا كبيرا للقائد الراحل جمال عبد الناصر وصديقا للقضية الفلسطينية. لا بد من قراءة ذكرياته في العصر الذهبي الذي كان له رجالات كبار. وعلى الرغم من هزيمة 1967، والخلاف الحاد آنذاك بين الملك فيصل بن عبد العزيز وعبد الناصر، لكن في مؤتمر الخرطوم تناسى القائدان الكبيران الخلاف وتصافحا. هذه المصافحة أخرجت الجيش المصري من مستنقع اليمن وسمحت لعبد الناصر بإعادة تنظيم الجيش وتطهيره من الفساد وقام لاحقا بحرب الاستنزاف. ثم وعد الأمير فيصل بن عبد العزيز وحاكم الكويت الشيخ صباح السالم الصباح بمد عبد الناصر بكل المال المطلوب تعويضا لخسائر حرب 67. كانت هذه مرحلة جميلة جدا، وحرب الاستنزاف التي قام بها جيش عبد الناصر هي التي سمحت لاحقا للسادات بالعبور والانتصار في حرب 1973. عنوان الكتاب «في أروقة الشرق الأوسط.. ذكريات الصحافي والدبلوماسي إريك رولو».

* هل ستترشح للانتخابات؟

- وفق «الأرثوذكسي» لن أترشح.

* وماذا عن نجلك تيمور؟

- سيأتي الوقت ليترشح تيمور، لكن لا بد له من فترة تدريب في السياسة وسيعود إلى جانبي، رافقني في رحلتي الأخيرة إلى المملكة العربية السعودية وسيرافقني في رحلات سفر أخرى. لا بد من أن يستمر تيمور في إدارة المختارة، لكنني كذلك وعدت الحزب بأن يأتي دم جديد إليه وهذا مفصول عن دور تيمور. دوره أن تبقى المختارة دارا لجميع اللبنانيين.