المفتش الأميركي لإعادة إعمار العراق في آخر تقرير له: أنفقنا 60 مليار دولار.. ولكن من دون نتائج تذكر

811 مليار دولار تكلفة 10 سنوات من الاحتلال الأميركي

عراقي يقف في شارع تسيل فيه مياه الصرف الصحي ببغداد رغم إنفاق مليارات الدولارات من أموال دافعي الضرائب الأميركيين لتحسين الخدمات الأساسية (أ.ب)
TT

بعد عشر سنوات وإنفاق 60 مليار دولار من أموال دافعي الضرائب الأميركيين، ما زال العراق يفتقر للاستقرار ويعاني من انقسامات، إلى حد أن قادته باتوا يتشككون في ما إذا كانت جهود الولايات المتحدة المبذولة لإعادة إعمار الدولة التي قطعت الحرب أوصالها تستحق العناء.

وفي تقريره الأخير للكونغرس، كان استنتاج المفتش العام المختص بشأن إعادة إعمار العراق، ستيوارت بوين، واضحا تماما للعيان؛ وخلاصته أنه منذ الغزو أنفقت الولايات المتحدة أموالا طائلة في العراق دون تحقيق نتائج تذكر. وأوضح بوين لوكالة «أسوشييتد برس» في لمحة عن آخر تقرير أعده عن حجم الأموال الأميركية التي تم إنفاقها في العراق وكان مقررا نشره في وقت لاحق أمس، أن جهود إعادة الإعمار «وصلت إلى حجم أضخم بكثير مما تم توقعه على الإطلاق»، وأضاف: «لم يتحقق القدر الكافي من النتائج بالنظر إلى حجم الأموال التي تم إنفاقها». وفي مقابلات مع بوين، ذكر رئيس الوزراء نوري المالكي أن الأموال الأميركية «كان من الممكن أن تأتي بتغيير هائل في العراق»، لكنها أخفقت في تحقيق ذلك في الأغلب.. يقول المالكي: «كان هناك إسراف في إنفاق الأموال».

بدوره، أوضح أسامة النجيفي رئيس مجلس النواب العراقي، أن جهود إعادة الإعمار «أتت بنتائج غير مرغوب فيها في العموم». وخاطب المسؤول الحكومي الكردي، قباد طالباني، ابن الرئيس العراقي جلال طالباني، مدققي الحسابات قائلا: «تعتقدون أنكم إذا ما دفعتم أموالا، فيمكنكم علاج المشكلة. لم يكن هذا تفكيرا استراتيجيا».

وبعد فترة قصيرة من الغزو الأميركي في مارس (آذار) 2003، منح الكونغرس 2.4 مليار دولار للمساعدة في تخفيف وطأة الحرب عن كاهل العراقيين. وكان الهدف منها هو إعادة بناء أنظمة الماء والكهرباء في العراق وتوفير طعام ورعاية صحية ونظام حكم جيد لشعبه؛ فضلا عن الاهتمام بهؤلاء الذين أجبروا على إخلاء منازلهم أثناء القتال. وبعد أقل من ستة أشهر، طلب الرئيس الأميركي، جورج بوش الابن، مبلغ 20 مليار دولار إضافيا، لتحقيق المزيد من الاستقرار للعراق ودعم تحوله إلى حليف يمكن أن يحصل على استقلال اقتصادي ويحصد استثمارات عالمية.

وحتى اليوم، دفعت الولايات المتحدة أكثر من 60 مليار دولار في صور منح إعادة إعمار لمساعدة العراق في الوقوف على قدميه من جديد بعد أن تمزقت أوصال الدولة بفعل استمرار الحرب وفرض العقوبات وفرض النظام الديكتاتوري لما يزيد على عقدين، وتبلغ قيمة التكلفة نحو 15 مليون دولار يوميا.

غير أن حكومة العراق ترزح تحت نير الفساد والاقتتال بين أفراد شعبها. وما زالت شوارع بغداد تشهد تفجيرات مروعة بشكل شبه يومي، فيما يعيش ربع سكان العراق البالغ تعدادهم 31 مليون نسمة في فقر، وعدد محدود منهم لديه كهرباء ومياه نظيفة.

في المجمل، بما في ذلك تكاليف الجهود العسكرية والدبلوماسية كافة والمساعدات الأخرى، أنفقت الولايات المتحدة ما لا يقل عن 767 مليار دولار منذ الغزو الأميركي، بحسب تقدير مكتب ميزانية الكونغرس. أما مجموعة الأولويات القومية، المختصة بتحليل البيانات الفيدرالية، فتقدر حجم التكاليف بنحو 811 مليار دولار.

وقالت سوزان كولينز، العضو الجمهوري في لجنة مجلس الشيوخ التي تشرف على التمويل الأميركي، إنه كان ينبغي على إدارة الرئيس السابق جورج بوش أن تقدم أموال إعادة الإعمار على أنه قرض في عام 2003 بدلا من تقديمها منحة كاملة. وأضافت: «لقد كانت تلك محاولة مخيبة للآمال، وبرنامجا فاشلا إلى حد بعيد، أعتقد لو أن تلك الأموال كانت قدمت على هيئة قرض في المقام الأول، لشهدنا أسلوبا أكثر مسؤولية في كيفية استخدام هذه الأموال، وتدني مستويات الفساد بشكل أقل بكثير».

وخلص بوين إلى أن المسؤولين الأميركيين لم يتشاورا مع العراقيين بشكل وثيق أو بما فيه الكفاية لتحديد أي مشروعات إعادة الإعمار التي يريدونها أو يحتاجونها حقا، ونتيجة لذلك، كان اهتمام العراقيين بالعمل محدودا، ففي أغلب الأحيان كان العراقيون ينسحبون من مشروعات لم يتم إنجاز سوى النصف منها أو امتنعوا عن دفع حصتهم فيها، أو أخفقوا في الحفاظ على المشاريع التي تم الانتهاء منها بعد تسليمها.

وقد تحدث خمسة عشر مسؤولا من كبار مسؤولي الدولة ووزارة الدفاع الأميركية، بما في ذلك السفراء والجنرالات، الذين شاركوا بشكل مباشر في إعادة بناء العراق، عن تلك الفرص الضائعة خلال مقابلتهم لإعداد التقرير. وأبلغ ويليام بيرنز نائب وزيرة الخارجية السابقة، مدققي الحسابات أن أحد الدروس الرئيسية المستفادة من العراق: «ينبغي على الولايات المتحدة أن لا تفكر فيما تنفذ المشروعات بأكملها وعلى طريقتها، يجب علينا مشاركة هذا العبء بصورة أفضل مع العديد من الأطراف وإشراك البلد المضيف في ما تريده حقا».

وقال قائد القوات الأميركية في العراق الجنرال راي أوديرنو، الذي كان قائد القوات الأميركية في العراق من 2008 إلى 2010: «كان من الأفضل تأجيل دفع مبالغ هائلة من الأموال» حتى تستقر البلاد.