تردي الحالة الأمنية يعرقل حركة الدبلوماسيين في مصر

الجامعة العربية انعقدت خارج مقرها.. وصعوبة في تنقل الموفدين الأجانب

TT

يبدو أن زمن السفير الأميركي الأسبق فرانسيس ريتشاردوني انتهى في القاهرة، فالدبلوماسي الغربي الذي اعتاد حضور الموالد الشعبية بطول مصر وعرضها، بات تعبيرا عن صورة من أرشيف بلد تجتاحه الفوضى الأمنية تحت حكم أول رئيس إسلامي منتخب. ولم يعد استثنائيا أن يتم نقل اجتماعات وزراء الخارجية العرب خارج مقر الجامعة المشرف على ميدان التحرير بسبب الاشتباكات بين محتجين وقوات الشرطة في محيط الميدان.

وتزايدت الاحتجاجات الشعبية ضد حكم جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي لها الرئيس محمد مرسي منذ أن أصدر نهاية العام الماضي إعلانا دستوريا منح فيه لنفسه سلطات واسعة، ولم تنجح الإجراءات السياسية اللاحقة في احتواء الغضب الجماهيري الذي امتد ليطال مدنا بكاملها.

وعقد في القاهرة أمس اجتماع مجلس الجامعة على مستوى وزراء الخارجية العرب، في فندق فيرمونت المطار، الذي استضاف قبل نحو شهر أعمال القمة الإسلامية أيضا، وهو أمر يعكس الصعوبات المتزايدة أمام قدرة السلطات المصرية على تأمين الوفود الدبلوماسية في تحركاتها في العاصمة المصرية.

وبدا لافتا أن تشترك قوات من الجيش المصري في عملية تأمين الوفود المشاركة في بعض الملتقيات الدولية، وهو ما دفع الرئيس مرسي لأن يشكر رسميا وزير دفاعه الفريق أول عبد الفتاح السيسي على جهود القوات المسلحة في تأمين ضيوف القمة الإسلامية الأخيرة قبل شهر.

وقبل أيام تسببت احتجاجات روابط مشجعي النادي الأهلي الأكثر شعبية في البلاد في تأخير موعد مغادرة وزير الخارجية الأميركي جون كيري الذي صاحبته قوات تأمين خاصة بدت لافتة وهو في طريقه إلى المطار.

ويقول مراقبون إن كيري الذي تفقد بأريحية ميدان التحرير قلب ثورة 25 يناير بعد أسابيع قليلة من الإطاحة بنظام الرئيس السابق حسني مبارك في 2011، لا بد وأن يكون قد أدرك التدهور الأمني في البلاد، خصوصا مع احتدام الاشتباكات بين وقت وآخر في محيط السفارة الأميركية وعدد من السفارات الغربية القريبة من ميدان التحرير، وفي الطريق المؤدي إلى مطار القاهرة الدولي.

وتسببت المخاوف من تصاعد أعمال العنف في البلاد وتأثيرها السلبي على الحالة الأمنية والسياسية والاقتصادية، في محاولة من الجيش للتدخل لـ«تهدئة النفوس» من خلال دعوة للفرقاء على مائدة غداء، لكن الأمر لم يفلح على ما يبدو، ما دفع مؤسسة الأزهر إلى جمع الخصوم السياسيين من كل التوجهات في اجتماع والتوقيع على وثيقة لـ«نبذ العنف»، في مسعى جديد لمحاصرة أعمال العنف التي طالت القصر الجمهوري نفسه، وامتدت إلى مدن قناة السويس وقلب دلتا النيل ولا يزال الغضب والاحتجاجات الشعبية مشتعلة في بورسعيد المدخل الحيوي لقناة السويس أهم مجرى ملاحي في العالم.

وبعد مرور نحو شهر على توقيع وثيقة الأزهر يعتقد المراقبون أنها لم تعد تساوي الحبر الذي كتبت به مع انسداد آفاق الحلول السياسية، واستمرار تساقط القتلى وقطع الطرق وإرباك وسط المدينة الحيوي. وتضع حالة الانفلات الأمني اقتصاد البلاد المتردي أصلا أمام أعباء جديدة، ويقول المراقبون إنه سيكون من الصعب على الدبلوماسيين الغربيين أن يتحدثوا عن آفاق استثمار وشراكات طالما بقيت الأحوال الأمنية على ما هي عليه وسط مخاوف من أن يمتد الغضب لقطاع الشرطة نفسه.

ولا يزال مقطع الفيديو الذي يظهر الرئيس الإيراني أحمدي نجاد في جولة له بمنطقة الحسين قبل أسابيع وهو يتعرض لاعتداء من أحد المواطنين، يبدد التطمينات الرسمية التي تطلقها القاهرة. وتقول مصادر أمنية تحدثت لـ«الشرق الأوسط» إن هناك تضخيما إعلاميا بشأن الحالة الأمنية في البلاد، مضيفين أن ما يحدث يعد أمرا عاديا بالنسبة لبلد خارج لتوه من ثورة شعبية، من دون أن ينسوا أيضا دور من يصفونهم بقوى معادية للثورة في الداخل والخارج في تأجيج العنف.

ويقول خبراء الاقتصاد إن نحو 13 مليار دولار من الاستثمارات غير المباشرة فرت من مصر التي تعاني من حالة عدم الاستقرار منذ أكثر من عامين، لكن المخاوف تنامت من قدرة الحكومة الإسلامية الجديدة على كبح جماح الغضب. وفي السياق نفسه، أظهرت معدلات التراجع في قطاع السياحة الأكثر حساسية لمعطيات الحالة الأمنية مدى التردي الأمني الذي تعاني منه البلاد، وباتت تؤثر على حركة الدبلوماسيين الغربيين والعرب.

وأجبرت الاحتجاجات العنيفة أمام القصر الرئاسي المعروف بقصر الاتحادية (شرق القاهرة) الرئيس مرسي على نقل لقاءاته إلى قصر القبة (شمال شرق القاهرة) وهو ما حدث في استقبال الرئيس المصري نظيره التركي عبد الله جول مطلع الشهر الماضي.

ومنذ سبتمبر (أيلول) من العام قبل الماضي تعرضت عدة سفارات في القاهرة إلى اعتداءات من قبل متظاهرين غاضبين، كان أكثرها عنفا اقتحام مقر السفارة الإسرائيلية. كما شهدت سفارات أميركا وبريطانيا وكندا وغيرها من السفارات الواقعة قرب ميدان التحرير مظاهرات في محيطها. وأنزل محتجون العلم الأميركي عن مبنى السفارة في سبتمبر (أيلول) الماضي، وهو ما دفع الرئيس الأميركي باراك أوباما للحديث للمرة الأولى في ذلك الوقت عن أن إداراته لا تعتبر مصر حليفا ولكنها ليست عدوا أيضا.

في هذا المشهد بات الكثير من الدبلوماسيين والمسؤولين يتحسبون لخطواتهم وهم يسيرون في أحياء معينة في العاصمة القاهرة، على رأسها حي جاردن سيتي الراقي المتاخم لميدان التحرير، ومناطق سكن كبار الموفدين الدوليين في ضواحي الزمالك والمعادي ومصر الجديدة.