توجه لفرض الطوارئ في ليبيا بعد تعرض المقريف لمحاولة اغتيال

مسؤول ليبي يرجح تورط نواب في عملية اقتحام البرلمان

سيارة محمد المقريف رئيس المؤتمر العام (البرلمان) الليبي وبدت عليها آثار الرصاص («الشرق الأوسط»)
TT

تأزم المشهد السياسي والأمني في ليبيا بشكل متسارع، حيث لمح مسؤول بالحكومة الليبية لـ«الشرق الأوسط» إلى احتمال فرض حالة الطوارئ في البلاد بعدما تعرض الدكتور محمد المقريف، رئيس المؤتمر الوطني العام (البرلمان) لمحاولة اغتيال فاشلة، عقب اقتحام جديد لمقر المؤتمر في طرابلس من قبل متظاهرين مؤيدين لقانون العزل السياسي لمنع المحسوبين على نظام العقيد الراحل معمر القذافي من الوصول مجددا إلى السلطة.

وأبلغ المسؤول ذاته «الشرق الأوسط» مشترطا عدم تعريفه، أن حكومة الدكتور علي زيدان قد تضطر إلى إعلان حالة الطوارئ في البلاد لمنع المزيد من التدهور الأمني والعسكري، مشيرا إلى أن الأمر قيد البحث والدراسة حاليا دون أن يكشف عن المزيد من التفاصيل.

وقال سالم بالروين، مدير مكتب المقريف في تصريحات للتلفزيون الرسمي إن المقريف تلقى تهديدات بالقتل، وأن مسلحين أشهروا أسلحتهم في وجهه وتوعدوه بالقتل، قبل أن تتعرض سيارته لإطلاق نار كثيف لدى خروجه من جلسة عقدها المؤتمر مساء أول من أمس بمركز الأرصاد الجوية بمنطقة الكريمية في طرابلس.

ونجا المقريف الذي لم يصب بأذى من هذه المحاولة، لكن صورا فوتوغرافية حصلت عليها «الشرق الأوسط» أظهرت تعرض سيارته الخاصة والمصفحة لإطلاق نار من كافة الاتجاهات.

وقبل إطلاق النار على سيارة رئيس أعلى سلطة دستورية في البلاد، اقتحم مؤيدون لإقرار قانون العزل السياسي جلسة المؤتمر مطالبين بإقرار القانون.

وقال أعضاء في المؤتمر لـ«الشرق الأوسط» إن العشرات من الأشخاص دخلوا بشكل مفاجئ إلى مكان الجلسة وحاصروا الأعضاء وطالبوهم بالتصويت لصالح هذا القانون ومنعوهم من المغادرة حتى وقت متأخر من الليلة قبل الماضية.

واعتبر الأعضاء أن هذا الاقتحام يمثل ضغطا غير مبرر على المؤتمر المنتخب من الشعب ومخالفا للديمقراطية.

وروى جمعة السائح، رئيس لجنة الدفاع بالمؤتمر الوطني لـ«الشرق الأوسط» تفاصيل احتجاز الأعضاء، مشيرا إلى أنهم ظلوا عاجزين عن مغادرة المكان منذ الساعة العاشرة والنصف صباحا إلى الساعة الثانية عشرة من منتصف الليل.

وأضاف السائح عبر الهاتف من طرابلس في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»: «خرجنا بعد معركة حامية الوطيس، وأمضينا ساعات طويلة من دون طعام أو شراب، إنه أمر مؤسف لكن هذا هو الربيع العربي، كما يقولون».

وتوقع السائح خروج مظاهرات شعبية حاشدة لتأييد المؤتمر في كافة المدن الليبية وخاصة العاصمة طرابلس، ضد ما وصفه بمحاولة إهانة كرامة المؤتمر وسيادته رغم أنه تم انتخابه من نحو ستة ملايين ناخب في البلاد.

وقال السائح إن بعض أعضاء المؤتمر متورطين في عملية الاقتحام الجديدة، ويقفون خلفها، مشيرا إلى حوار دار بين عضوين أحدهما متورط بالضلوع في هذه المحاولة، حيث قال مخاطبا زميله: «أنا أريد أن تذهب ليبيا إلى الهاوية».

واعتبر رئيس لجنة الدفاع بالمؤتمر الوطني أن هذا يمثل دليلا على عدم رغبة أطراف داخلية وخارجية في قيام الدولة الليبية بشكلها الرسمي حتى يعيثوا فسادا في الأرض ويصادروا مستقبل هذا الشعب لصالح أجندات مشبوهة، على حد قوله.

وجاءت عملية الاقتحام الجديدة بعد ساعات فقط من الإعلان عن إبرام اتفاق بين جمعة عتيقة، النائب الأول للمقريف مع الثوار والجرحى لإخلاء المقر الرئيسي للمؤتمر بأحد فنادق طرابلس الذي كانوا يحتلونه منذ الخامس من الشهر الماضي للمطالبة بتحسين أوضاعهم الصحية والمعيشية.

ورغم أن وكالة الأنباء المحلية نقلت عن مصدر مسؤول بالمؤتمر عدم تحديده المسؤولين عن حادث إطلاق النار، وهل هو محاولة لاغتيال المقريف أو مجرد حادث عرضي خلال عملية اقتحام مقر المؤتمر، فإن الدكتور علي زيدان رئيس الحكومة الانتقالية سارع إلى إعلان اتخاذ حكومته كافة الإجراءات الوقائية والاحترازية لحماية رئيس وأعضاء المؤتمر الوطني فور الاقتحام، حيث حاصرت قوات من المخابرات والشرطة والجيش المجهزين بآلياتهم وتجهيزاتهم مقر المؤتمر.

وأوضح زيدان، في مؤتمر صحافي عقده مع وزيري الداخلية والعدل، أن التعليمات الصادرة لهذه القوة تقضي بعدم اللجوء إلى استعمال القوة حفاظا على أرواح أعضاء المؤتمر وكذلك المتظاهرين.

كما دعا زيدان المواطنين ومؤسسات المجتمع المدني والحكماء وأهل الشورى إلى التعاون مع الحكومة ومؤسساتها لإيجاد الحلول الجذرية لهذه التجاوزات المستمرة، مشيرا إلى أن المطالب يجب أن تستند على الموضوعية وألا تقترن باستعمال القوة والسلاح من المطالبين وعدم الارتكان إلى إجبار الدولة على اتخاذ القرارات وإصدار القوانين تحت التهديد.

وهدد زيدان بأن حكومته التي تشكلت في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي تملك من القوة ما يمكنها من القيام بواجباتها وفرض سيطرتها مستندة في ذلك على دعم الشعب والشرعية التي انطلقت منها بعد الانتخابات التشريعية التي أجريت في السابع من شهر يوليو (تموز) الماضي.

ووصف زيدان عملية اقتحام مقر المؤتمر ومحاصرة واحتجاز أعضائه بأنه احتجاز وارتهان لإرادة الشعب الليبي بكامله، داعيا المواطنين إلى الالتفاف حول المؤتمر والحكومة من أجل أن تحقق ثورة 17 فبراير أهدافها بالديمقراطية وإقرار الدستور.

وكان زيدان قد استنكر في بيان بثته قناة «ليبيا الوطنية» الرسمية مساء أول من أمس ما تعرض له أعضاء المؤتمر، لافتا إلى أن الأعضاء رفضوا الامتثال لمطالب هؤلاء المواطنين فما كان منهم إلا أن احتجزوهم ومنعوهم من الخروج بينما تعرض أحد أعضاء المؤتمر للضرب على أيدي هؤلاء عند محاولته الخروج.

واعتبر أن تعطيل المؤتمر قد أدى إلى عطل اعتماد الميزانية، وقرار قانون العدالة الانتقالية، والكثير من القرارات التي من شأنها أن تهيئ للحكومة الانطلاق في أداء واجباتها ويعيق تنفيذ برامجها وخططها وهذا أمر مرفوض. وأضاف «من حق أي مواطن أن يعبر عن رأيه بالسلم وأن يصل إلى ما يريد عن صندوق الاقتراع، ولكن الإكراه واستعمال العنف من أجل فرض الرأي هذا أمر مرفوض، وهو ضد ثورة 17 فبراير، وينبغي على الشعب الليبي أن يكون أكثر حرصا على حريته، وعلى الديمقراطية، وعلى حرية الاقتراع، وعلى مبادئ العدل والسلم الذي ضحى من أجلها الشهداء».

وأكد زيدان وقوف حكومته بكل قوة إلى جانب المؤتمر ودعمها له باعتبارها المنفذة لسياساته وقراراته وتدين وترفض تعرضه لأي عنف لأنه يمثل السلطة التشريعية والرقابية والسيادية للدولة الليبية، معتبرا أن المساس بالمؤتمر هو مساس بإرادة وكرامة الشعب الليبي.

وأعرب زيدان عن أمله في أن يقف الشعب وقفة حاسمة حازمة من أجل دعم الشرعية ومن أجل الوقوف ضد من يريد أن يفرض على الشعب الليبي بالإكراه وللحفاظ على مسار الثورة وعلى الوطن وحتى لا تتداعى ليبيا وتتجه في اتجاهات غير محمودة.

من جهته، قال وزير الداخلية الليبي عاشور شوايل إن المؤتمر الوطني يمثل السلطة التشريعية وسيادة القانون في ليبيا، واصفا ما حدث بأنه أمر مؤسف.

وأوضح شوايل أن الحكومة بعد قيام المتظاهرين بمحاصرة المؤتمر، وضعت أمام خيارين إما التدخل واستعمال القوة وما ينتج عنها من تداعيات، أو اللجوء إلى التريث وهو ما ذهبت إليه الحكومة وذلك لتجنب وقوع مواجهات.

ودعا شوايل إلى الوقوف مع الحكومة ودعمها في التصدي والحد من عملية انتشار السلاح على نطاق واسع، لافتا إلى أن المطالب المشروعة يجب ألا تقترن باستعمال القوة التي توصل في النهاية إلى طرق مسدودة.

كما أعلن أن قوة مشكلة من وزارة الداخلية ورئاسة الأركان العامة ستبدأ هذا الأسبوع في عملية مسح وتمشيط لكل المقار التي توجد فيها كتائب أو جماعات مسلحة تعمل خارج الشرعية. وكشف النقاب عن أن الحكومة أعدت خطة شاملة لإخلاء هذه المقرات من المجموعات المسلحة الخارجة عن القانون التي تقوم بعمليات الخطف والتعذيب والسطو المسلح، مشيرا إلى أن هذه الخطة ستشمل المزارع والاستراحات والمساكن التي توجد فيها هذه الجماعات في طرابلس كمرحلة أولى على أن يتم تنفيذ هذه الخطة في كل أنحاء ليبيا.