حكمت الشهابي يدفن في المهجر.. وآخر كلماته: بشار سيجر سوريا إلى حرب أهلية وسيدمرها

كان قريبا من الأسد الأب الذي ضحى به لتمهيد طريق الرئاسة لنجله

TT

بهدوء لافت مر خبر وفاة رئيس أركان الجيش السوري السابق حكمت الشهابي في منفاه الاختياري أولا ثم الإجباري لاحقا في الولايات المتحدة، حيث سيدفن هناك بعيدا عن قرية باب الهوى السورية القريبة من الحدود التركية حيث كان يريد أن يدفن كما كشف صديقه النائب اللبناني وليد جنبلاط الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إنه كان يرغب بأن يدفن في قريته في الباب في سوريا، إلى جانب البيت الذي دمره النظام السوري بإلقاء القنابل عليه.

وأضاف جنبلاط: «صدق حكمت الشهابي، رحمة الله عليه، عندما قال لي في الاتصال الأخير قبل أيام، بعد أن استعاد بعضا من قوته وكان مريضا، قال لي: يا وليد سوريا التي تعرفها لن تعود. وكان صادقا عندما رأيته بعد أسبوعين من ثورة أطفال درعا وقال لي: هذا الرجل سيجر سوريا إلى حرب أهلية وسيدمر سوريا. كان يقصد بشار».

كان الشهابي من رفاق الرئيس السابق حافظ الأسد في مرحلة صعوده إلى السلطة، وكان معروفا بولائه اعمى له، مما خوله تولي منصب رئاسة الاستخبارات العسكرية بين عامي 1971 و1974، وهو من ذهب إلى واشنطن من أجل التحضير لاتفاق فض الاشتباك مع إسرائيل في بداية عام 1974، ويقال إنه كان وراء إنشاء شبكة التجسس السورية الوحيدة التي عملت في إسرائيل لصالح النظام السوري قبل تلك الحرب التي نال على إثرها منصب رئيس الأركان، وهو المنصب الذي بقي فيه حتى تنحيته قبل وفاة الأسد الأب بعامين حيث أحيل إلى التقاعد كجزء من خطة قيل إنها تهدف إلى تمهيد الطريق لوصول ابنه الشاب إلى رئاسة سوريا من دون عوائق من «الحرس القديم».

وبعد عامين من الانكفاء في حلب، غادر الشهابي إلى أميركا بطريقة تشبه الفرار عبر مطار بيروت إلى كاليفورنيا التي يقيم فيها ابنه حازم، الذي شغل منصب قنصل فخري لسوريا في لوس أنجليس، ليعود في عام 2008 إلى سوريا حيث استقبله اسد، وأعاد له الاعتبار ليستقر بين مزرعته الفخمة في «الباب» شمال حلب و«لوس أنجليس». علما أن الشهابي كان معروفا بعلاقاته المميزة مع المسؤولين الأميركيين ويقال إنه لعب دورا في إقناع الإدارة الأميركية بعدم غزو سوريا بعد العراق في عام 2003.

ومع اندلاع الأزمة السورية، عاد الشهابي سريعا إلى دمشق لتقديم «المشورة»، لكنه فوجئ بعدم استقباله من قبل الأسد رغم أنه طلب موعدا وانتظر فترة طويلة تسلل إليه اليأس بعدها وقرر المغادرة قائلا لبعض المقربين منه: «اولاد (بشار وماهر) ذاهبون في المعركة إلى النهاية، لن يصلحوا ولن يسلموا السلطة ولن يتركوا الشام إلا وهي أنقاض». ويضيف: «اولاد ذاهبون إلى التقسيم، ولكن ليس قبل أن يحرقوا البلد بما ومن عليها».

عاصر الشهابي فترة حكم الرئيس حافظ الأسد، بدءا من حرب تشرين في عام 1973 ودخول لبنان في عام 1975 وصولا إلى الصراع مع حركة الإخوان المسلمين في سوريا في بداية الثمانينات. وعرف بعلاقاته الوثيقة بأطراف لبنانية كثيرة، وتنسيقه طويلا الشؤون اللبنانية في سوريا. كما سبق لمنافسه في الجيش العماد مصطفى طلاس أن اتهمه بأنه «رجل أميركا في سوريا» لكن الشهابي بقي على ولائه حتى بعد انشقاق نائب الرئيس السابق عبد الحليم خدام عام 2005، ورفض الانضمام إليه، بل أرسل رسالة رسمية عززها بظهور إعلامي قصير أعلن فيه تضامنه مع القيادة السورية. وينسب لابنه الأكبر حازم، الذي يحمل الجنسية الأميركية، دورا في العلاقة الجيدة التي جمعت الأسد بوزير الخارجية جون كيري.

ولد الشهابي في عام 1931 في بلدة باب الهوى في ريف حلب، وتلقى دراسته فيها قبل التوجه إلى الكلية العسكرية، وترقى في الرتب والمسؤوليات في صفوف الجيش والقوات المسلحة حيث ترأس الاستخبارات العسكرية منذ بداية السبعينات.

ويصف ضباط عملوا مع شهابي شخصيته بأنها «قوية»، وبأنه كان متشددا في إدارته لشؤون الأركان. ويعتبر الشهابي من الشخصيات القليلة التي سبق للرئيس حافظ الأسد أن زارها في منزلها بعد التقاعد، مرفقا ذلك بإعلان رسمي عن الزيارة التي جرت في حلب، وذلك تكريما لولائه.

وفي بيروت، حيث كان الشهابي يحتفظ بعلاقة مميزة مع الرئيس الراحل رفيق الحريري ومع النائب وليد جنبلاط الذي حافظ على علاقة أكثر من خاصة معه. وقد نعاه جنبلاط مستذكرا آخر لقاء بينهما في أبريل (نيسان) 2011 في باريس، حيث كان شديد القلق على سوريا و«كنت و أزال أشاطره هذا القلق وقال لي عبارة معبرة وهي: (يا وليد، سوريا التي نعرفها لن تعود)، وكل يوم تزداد قناعتنا بأنها لن تعود. وبعد أن غادر باريس، بقيت على اتصال به، وكان لا يزال متمسكا برأيه حيال التطورات في سوريا، بل إنه كان يزداد تشبثا به مع مرور الأيام القاسية على وطنه»، متابعا: «لقد أدرك العماد الراحل منذ الأيام الأولى لانطلاق أحداث درعا أن امور ستتطور نحو اسوأ ما لم يتم تداركها، فطلب موعدا من بشار الأسد لم ينله قط، وتفاقم الأوضاع بشكل دراماتيكي دفع به في وقت حق ن يكون شديد التشاؤم وهو محق في ذلك. فها هي سوريا اليوم تحترق وتحتضر وسط صمت دولي غير مسبوق وقد ترك شعبها للقدر فيما يواصل النضال والقتال ويرفض الاستسلام».