كشف وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري عن أسباب تحفظ العراق على إعطاء مقعد سوريا في الجامعة العربية للائتلاف السوري المعارض، وقال في حوار خاص مع «الشرق الأوسط»: «نحن في فوهة المدفع بسبب الأزمة السورية وعسكرتها، ولا نفعل شيئا من أجل أحد وإنما حفاظا على مصالحنا الوطنية»، كما تحدث عن تفاصيل المناقشات التي دارت داخل الجلسات المغلقة، في ما يتعلق بوضع الائتلاف السوري وتسليح الجيش الحر، وكذلك تطوير الجامعة العربية وهيكلتها، ووصف المناقشات بالمجهدة.
وقال زيباري إن تسليح المعارضة السورية قرار سيادي، كما حذر من مرحلة ما بعد الأسد وتأثير الأزمة على دول الجوار، وقدم صورة واضحة لما تم على الحدود السورية العراقية مؤخرا، نافيا تدخل العراق الذي لا يملك طائرة حربية واحدة حتى يحلق على الحدود دعما لجيش الأسد، وقال: «حاولنا إعادة الجنود السورين إلى الحدود من معبر آخر فاستهدفوا وقتلوا نتيجة تسريب معلومات إلى جماعات مسلحة تنتمي إلى تنظيم القاعدة».
كما تحدث عما دار بينه وبين وزير الخارجية الأميركي جون كيري قبل زيارته للمنطقة، وأفاد بأن الموقف الأميركي بدأ في التحرك وليس التغيير الجذري لحسم الأزمة السورية. وفي ما يلي أهم ما جاء بالحوار:
* كيف كانت طبيعة المناقشات في الجلسة المغلقة لاجتماع وزراء الخارجية العرب (الأربعاء) بالقاهرة؟ وهل كما تردد بأنها كانت عاصفة، خصوصا في ما يتعلق بمقعد سوريا في الجامعة وإمكانية تسليح الجيش الحر؟
- المناقشات كانت مستفيضة ومبنية على الاحترام في نفس الوقت وخلت من أية اشتباكات، وليست عاصفة، لكن المواضيع التي طرحت كانت حساسة جدا، ونحن في العراق من حيث المبدأ وأشرنا إلى تجربتنا وكيف كانت الظروف التي تختلف عن الأوضاع في سوريا بكل تأكيد، كما تحدثت أيضا كيف كان الوضع عندما أعطينا مقعد ليبيا للمعارضة (المجلس الوطني)، وقلنا إن هذا الإجراء كان شكل سابقة خطيرة ومسؤولية تاريخية على الأمانة العامة للجامعة وعلى المجلس الوزاري، لأنه عندما نعطي مقعد المعارضة لأي نظام في الجامعة سنكون بذلك قد أعطينا الفرص لتكرار هذا الإجراء، وذكرت أن جبهة الإنقاذ المعارضة للنظام في مصر قد تطالب بنفس الحق، وقدمنا للأمانة العامة مذكرة استشارية حول موقف ميثاق الجامعة العربية من الناحية القانونية في مثل هذه الظروف التي يطالب فيها معارضو النظام بمقعد نظام الدولة في الجامعة العربية، وحددنا فيها تعريف ما هي الدولة وكيف يكون التمثيل، وقد توافقت معنا آراء الأمانة العامة بأن الشروط ليست متوفرة في الائتلاف السوري المعارض حتى يحصل على مقعد سوريا، وقلنا إن أي جهة تأخذ هذا المقعد يجب أن تكون حكومة لا ائتلافا.
* تردد بأن ثلاث دول أيدت بشدة إعطاء المقعد للائتلاف السوري، وثلاث دول اعترضت أو تحفظت، وباقي الدول كان موقفها غير واضح. إلى أي مدى ترى صحة هذا التصنيف؟
- صحيح هذا التصنيف. ومن خلال النقاش توصلنا إلى صيغ، منها أنه ما دام الموضوع ليس عليه إجماع وأن القرارات الأساسية الجوهرية تحتاج إلى توافق وإذا لم يتحقق يؤجل الموضوع إلى الاجتماع القادم. وأثناء الاجتماع التحضيري للقمة أو خلال القمة العربية، ولكن النقاش انتهى إلى صيغة مسودة قرار تفيد بأن الائتلاف الوطني العراقي السوري بإمكانه شغل مقعد سوريا بعد تشكيل هيئة تنفيذية إلى الاجتماع القادم في الدوحة، واعتراضنا كان هو: من يستطيع أن يضمن بأن الائتلاف سوف يتمكن من تشكيل هيئة تنفيذية وحكومة؟ والموضوع الثاني المهم والحساس الذي طرح في الاجتماع مسألة التسليح، وقلنا إن هذا الأمر سبق أن طرح من قبل، وهو سيادي متروك لكل دولة، وقلت أيضا إن العراق ليس مع عسكرة النزاع أو تسليح النظام أو المعارضة لأن هذا من شأنه أن يؤدي إلى المزيد من الاقتتال وسفك الدماء.
* هل يبدو معاذ الخطيب - رئيس الائتلاف السوري المعارض - شخصية معتدلة؟
- أتفق معك، لكن المشكلة في أن يستوعب هذا الائتلاف كل أطياف المعارضة وليس مجرد طرف من المعارضة التي تعمل على الأرض داخل سوريا، وهناك معارضة عسكرية ومن يقول لنا إن هؤلاء لديهم تمثيل في الائتلاف.
* ماذا حدث على الحدود العراقية السورية؟ وهل شارك العراق في القتال مع نظام بشار الأسد ضد الجيش الحر كما تردد؟
- هناك بوادر خطيرة من التوتر وتصاعد المواجهات العسكرية على المخافر الحدودية في مدينة الرقة القريبة من دير الزور وكذلك كل المنافذ الحدودية، وقد حدثت قبل أيام مواجهات عنيفة على مخفر حدود رئيسي في الجانب العراقي يطلق عليه ربيعة، وفي الجانب السوري يطلق عليه اليعروبية في محافظة نينوى والموصل بعد أن استولى الجيش السوري الحر على المعبر وتغلبوا على القوات السورية المكلفة بحماية المخفر وأسقطوه، وترتب على ذلك هروب نحو 51 جنديا سوريا إلى العراق وسلموا أنفسهم إلى السلطات العراقية، ومنهم من دخل للعلاج وبالتالي المعركة كانت بين قوات النظام والمعارضة السورية، والعراق لم يكن طرفا في هذه المعركة، وليس صحيحا كما تردد أن قوات عراقية اشتركت مع النظام السوري ضد الجيش الحر لأن العراق لا يملك ولا طائرة حربية.. وكل ما تردد محض افتراء.
* هل أكيد أن العراق لم يقاتل بجانب جيش النظام ضد الجيش الحر على الحدود؟
- إطلاقا.. إطلاقا.. ما حدث هو ما يلي: بعدما عبر الجنود السوريون المصابون إلى أرض العراق حاولنا إعادتهم إلى الأرض السورية من خلال رطل مركبات عادية، ورافقتهم قوة عسكرية عراقية صغيرة وحاول الدخول بهم إلى سوريا من معبر آخر، وأثناء السير في هذا الطريق وداخل الأراضي العراقية استهدف هذا الرطل العسكري ومعه الجنود السوريون بكمين رهيب.
* هل من الجيش الحر؟
- لا، بل من تنظيم القاعدة في تقديري، تنظيمات إرهابية، قتلوا جميع من في الرطل سوريين وعراقيين، 50 جنديا سوريا و12 جنديا عراقيا، وقد حدث ذلك نتيجة تسريب معلومات أمنية حول خط سير الرطل. واليوم أيضا جدت معلومات أن هناك أربعة أو خمسة جنود عراقيين مصابون ويعالجون في منطقة قريبة من حدود سوريا، وما قصدت قوله هو أن هذه الحوادث تزداد وتيرتها، وهذا ما نبهنا عليه بأن استمرار الأزمة السورية لا يمكن حصره داخل حدودها، وأنها تنتقل إلى العراق والأردن ولبنان وتركيا، ولكن نحن حاليا في فوهة المدفع بسبب الأزمة السورية، لذلك فإن مواقفنا نابعة من مصالحنا الوطنية العراقية وليس في سبيل أو من أجل الآخرين، وقد أكدنا في اجتماعات ثنائية مع وزراء الخارجية العرب وقلت إننا نخشى مما بعد الأسد لأن كل الأطراف ليس لديها سيطرة على الأرض، ومثلما قال الأخضر الإبراهيمي وغيره إن المخاوف تكمن في تحول سوريا إلى دولة فاشلة، وهذا خطير نظرا لموقعها الاستراتيجي، ولا أحد بكل تأكيد يريد أن تكون سوريا دولة فاشلة، لكن ما هو الأسلوب الأفضل للحل وآليات التنفيذ؟ حقيقة، الكل يبحث عن حلول، لكن الأمور خارجة عن السيطرة.
* ماذا ينتظر الجميع؟
- أن تحسم المعركة على الأرض. ونعتقد هذه المعركة ستطول وستحصد المزيد من أرواح الأبرياء.
* كيف رأيت زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري للمنطقة مؤخرا؟ ولماذا لم تشمل العراق؟
- كيري تحدث معي على الهاتف نحو نصف ساعة قبل مغادرته واشنطن على الطائرة وسأل حول رأينا في الأوضاع بسوريا والوضع الداخلي واللجان المشتركة بين العراق وأميركا، وأكد أنه سوف يزور العراق وإن كان قد سبق بزيارة لنا عندما كان برتبة سيناتور، وأرى أن موقف واشنطن لم يتغير بشكل كبير بعد مؤتمر روما بالنسبة لسوريا واستعداد أميركا لتقديم مساعدات عسكرية غير مميتة أو قاتلة.
* ماذا يقصد بمساعدات عسكرية غير قاتلة؟
- أجهزة لا سلكي أو آليات مدرعة وسيارات إسعاف.
* ما تقييمك للموقف الأميركي تجاه سوريا؟
- هذا الموضوع أثير في الاجتماع الوزاري وقلنا إن هناك تحركا، وكما ذكرت من قبل إن واشنطن قد تتحرك تجاه سوريا في النصف الثاني من العام الحالي، وأرى أن التحرك الأميركي سيكون بطيئا وليس بالحل الجذري كما يرى البعض، لأنه تحرك بطئ ويمكن أن يتطور، والوصف الأدق لموقف واشنطن هو أنه بدأ بالتحرك من خلال نظرة أخرى.
* ما المنتظر بعد زيارة جون كيري للمنطقة؟
- الإدارة الأميركية ترغب في عمل شيء جدي بالنسبة لعملية السلام، وهم يرغبون في إحياء المباحثات من خلال زيارة وفد وزاري عربي إلى واشنطن خلال شهر أبريل (نيسان) القادم، أما بخصوص زيارة أوباما لإسرائيل فهي تركز على العلاقات الأميركية الإسرائيلية – في تقديري – وهناك توجه عربي بأنه إذا لم يتم الضغط على الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بشأن القضية الفلسطينية فسوف يمر هذا العام والقادم دون عمل شيء. كما تهتم الإدارة الأميركية بموضوع إيران وقدموا بعض الإغراءات أو حزمة من الإجراءات حسب معلوماتنا بناء على العناصر التي طرحت في اجتماع بغداد، وقد تساعد على التفاهم، وسبق وأن ضغطنا على الجانبين الغربي والإيراني للتوافق حول إجراءات تشجيعية للحوار والتفاهم، مثل «هذا مقابل هذا»، أو التحرك سويا.
* كيف تترجم «هذا مقابل هذا» عمليا؟
- يمكن رفع الحظر عن بعض المشتقات النفطية وغيرها لإيران مقابل وقف تخصيب اليورانيوم، وصولا إلى رفع حظر تدريجي وفق تجاوب الجانب الإيراني مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ويبدو أن بعض الأمور بدأت في التحرك.
* تقصد إلى الأفضل مع إيران؟
- هي إلى الأفضل بالنسبة للمفاوضات بين الطرفين، وسوف يعقد اجتماع فني في إسطنبول قريبا، واجتماع آخر في كازاخستان خلال شهر يونيو (حزيران)، والدول الغربية تريد أن تشرك إيران في هذه العملية أو تتركها إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية، هذا هو التوجه الأساسي نحو إيران.
* إذن لن تكون هناك ضغوط إضافية على إيران في الفترة الراهنة؟
- الضغوط مستمرة وممثلة في العقوبات، ولا توجد أية بوادر لعمل عسكري وإنما هناك ضغوط اقتصادية هائلة على الجانب الإيراني وأيضا الأزمة السورية تستنزف كل الأطراف في هذا الموضوع.
* ماذا بشأن ملف تطوير الجامعة العربية؟
- قمة بغداد أكدت أهمية تطوير العمل العربي المشترك والأمانة العامة وتعيين نائب للأمين العام بشكل رسمي، وأيضا بعض الإصلاحات والإجراءات الإدارية الداخلية، وقد أنجزت لجنة الحكماء والخبراء هذا التقرير وقدم إلى الدول الأعضاء، ولكن هناك ملاحظات بأن يتطابق التطوير مع وثيقة العهد والوفاق التي صدرت عن قمة تونس ولم تعترض أي من الدول على ذلك، وكذلك زيادة الميزانية للجامعة أكدنا بأن يرتبط هذا بالأنشطة وبهيكلية وبتوافق الدول.