مسؤول ليبي ينفي اعتزام المقريف الاستقالة بعد اقتحام مقر المؤتمر الوطني

اختطاف إعلاميين وصحافيين بعد اقتحام مسلحين قناة خاصة

TT

نفى مصدر مسؤول في المؤتمر الوطني العام (البرلمان) في ليبيا اعتزام الدكتور محمد المقريف، رئيس المؤتمر، التخلي عن منصبه أو تقديم استقالته، فيما استمر التجاذب السياسي والأمني حيث تعرض مقر قناة فضائية خاصة في العاصمة طرابلس لاعتداء من قبل مسلحين مجهولين.

ورغم أن المكتب الإعلامي للمؤتمر الوطني أعلن في بيان رسمي أن المؤتمر لن يزاول عمله تحت التهديد، استقبل المقريف مجموعة من السفراء الأجانب المعتمدين في طرابلس، بالإضافة إلى مسؤولين محليين، فيما أكد مسؤول مقرب من المقريف لـ«الشرق الأوسط» أن بيان المؤتمر هذا لا يعني استقالة المقريف بأي حال من الأحوال، مؤكدا في المقابل أنه باق في منصبه حفاظا على ما وصفه بشرعية المؤسسات في الدولة الليبية.

وقال المسؤول الذي تحدث عبر الهاتف من طرابلس مشترطا عدم تعريفه «ربما المقصود رسالة تحذير بأن المؤتمر الوطني الذي يعتبر أعلى هيئة دستورية في البلاد قد يضطر إلى تجميد عمله وتعطيل جلساته لفترة غير محدودة في وقت قريب إذا لم تتوقف عمليات الاعتداء على مقره وأعضائه».

وأوضح المؤتمر الذي تم تشكيله عقب الانتخابات البرلمانية التي جرت في شهر يوليو (تموز) الماضي، ويتكون من 200 عضو تم طرد 14 منهم مؤخرا، أن الحكومة الليبية لن تسمح باستخدام السلاح من الجماعات الخارجة عن القانون كوسيلة للضغط على المؤتمر ليسير عمله بناء على أجندات هذه الجماعات، مشيرا إلى أن هنالك طرقا مشروعة لتوصيل الصوت والتظاهر بعيدا عن الاعتداء الجسدي والاحتجاز التعسفي.

واعتبر المؤتمر في بيانه الذي أعقب اقتحام جلسته التي عقدها بمقر مركز الأرصاد الجوية بالكريمية وسط العاصمة طرابلس، أن الأعمال الفوضوية التي تستخدم فيها القوة مرفوضة بجميع أشكالها وصورها، لافتا إلى أن مثل هذه التهديدات تعطل سير عمل المؤتمر وتحبط جهود المخلصين من أبناء الوطن في الدفع قدما لبناء دولة الدستور والقانون.

وكشف البيان النقاب عن أن المقريف، رئيس المؤتمر، وأعضاءه قد تعرضوا مساء الثلاثاء الماضي للتهديد بالقتل أثناء انعقاد هذه الجلسة من قبل مجموعة من المتظاهرين، موضحا أن أحدهم وجه السلاح إلى المقريف بشكل شخصي وهدده بالقتل إن لم يأمر بإحضار مجموعة من المعتقلين الليبيين المحتجزين في العراق إلى ليبيا، كما تعرضت سيارة المقريف وهو بداخلها لإطلاق نار متواصل تسبب في أضرار جسيمة وانفجار اثنين من إطاراتها.

وقال البيان إن «أعضاء المؤتمر تعاملوا بصبر وحكمة ومهنية مع من يحتجزونهم، واستمعوا لمطالبهم، وفي المقابل نقلوا لهم وجهة النظر التشريعية والفنية، والتي تمحورت حول عدم إمكانية التصويت على قانون العزل السياسي نظرا لأن إقرار أي قانون ينبغي أن تتوافر له عدة شروط إجرائية وتشريعية لم تكن متوافرة».

وأكد البيان أن عدم احترام حاجة بعض الأعضاء من كبار السن والنساء للمغادرة ومنع دخول الطعام إليهم هو تصرف غير أخلاقي وانتهاك للشرعية وأمر خطير، مجددا الدعوة إلى جميع الليبيين من أجل الالتفاف حول الشرعية، لقطع الطريق أمام الخارجين عن القانون الذين يعطلون نهضة ليبيا واستقرارها.

وشهدت العاصمة طرابلس مساء أول من أمس مظاهرة احتجاج بميدان الشهداء ضد وجود الكتائب والتشكيلات العسكرية المسلحة الخارجة عن الشرعية والموجودة في المدينة، حيث رفع المشاركون في المظاهرة شعارات ورددوا هتافات تطالب كل التشكيلات العسكرية الخارجة عن سلطة الدولة بالخروج فورا من المباني العامة للدولة ومن استراحات ومباني المحسوبين على نظام العقيد الراحل معمر القذافي التي تتخذ منها مقرا لها وتسليمها فورا للدولة الليبية.

كما طالب المتظاهرون بانضمام هذه المجموعات المسلحة التي قالوا إنها تمارس شتى أنواع التعذيب والاختطاف، إلى شرعية الدولة المتمثلة في وزارتي الداخلية والدفاع.

وحدد الدكتور نوري الدروقي، أحد أعضاء اللجنة التنسيقية لمؤسسات المجتمع المدني بطرابلس، في تصريح لوكالة الأنباء المحلية، تاريخ الخامس والعشرين من الشهر الحالي كموعد أخير لبقاء التشكيلات المسلحة غير الشرعية في طرابلس، مهددا بأن تقوم كل مؤسسات المجتمع المدني بالتعاون مع وزارة الداخلية والدفاع باقتحام هذه المواقع.

واستنكرت عدة أحزاب وتنظيمات وتجمعات سياسية عملية اقتحام مقر المؤتمر الوطني، ونددوا بما وصفوه بهذه الظاهرة التي كانت سببا في تعطيل عمل المؤسسة التشريعية عن إنجاز الاستحقاقات المطلوبة منها في هذه المرحلة الدقيقة.

واعتبر البيان أن مثل هذه الأعمال لن تؤدي إلا إلى عرقلة مسيرة الديمقراطية التي تشهدها ليبيا، مطالبة الليبيين بتحمل مسؤولياتهم والدفاع عن الشرعية المتمثلة في المؤتمر الوطني وعن حرمة الدولة الليبية الناشئة ومؤسساتها التي لا ينبغي التفريط فيها.

وكان وزير العدل الليبي المستشار صلاح الميرغني قد حذر من أن تعطيل عمل المؤتمر في هذه المرحلة الفاصلة يؤدي إلى تأخير تحقيق الاستحقاقات وطموحات الشعب الليبي ما بعد ثورة السابع عشر من فبراير (شباط). وأوضح الميرغني في مؤتمر صحافي عقده بطرابلس أن حزمة من قوانين العدالة الانتقالية وقانون تجريم التعذيب والخطف والتمييز إضافة إلى قانون جواز محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، قد أصبحت الآن معطلة بسبب ما يحدث من تدخلات في عمل المؤتمر.

من جهتها، جددت تنسيقية العزل السياسي تمسكها بإصدار قانون العزل السياسي وعدم التلاعب فيه، معتبرة أن مخالفة إرادة الشعب الليبي والخروج عن أهداف ثورته المجيدة يقتضيان فرض إرادة الشعب ومشروعيته التي يصنعها ومحاسبة من يستحق الحساب.

في المقابل، حثت بعثة الأمم المتحدة لدعم ليبيا السياسيين والوجهاء وقادة المجتمع المدني على الوقوف ضد التحريض على العنف ضد أي شخص على أساس اعتبارات سياسية أو دينية أو عرقية، كما أثنت على التزام السلطات الليبية بضمان احترام حقوق الإنسان ومحاسبة من ينتهكها. وأعربت البعثة في بيان أصدرته أمس عن قلقها العميق إزاء بعض الأحداث التي حصلت مؤخرا، وتضمنت الهجوم على مؤسسات إعلامية، وتوجيه تهديدات للصحافيين، وأعمال عنف استهدفت كنيسة قبطية، ودور عبادة أخرى، معتبرة أن هذه الأعمال تشكل انتهاكا لحقوق الإنسان الأساسية خاصة حرية المعتقد التعبير.

ونقل البيان عن طارق متري، رئيس بعثة الأمم المتحدة، قوله إن التسامح والاعتدال واحترام الاختلاف هي قيم كونية، وهي متأصلة في التراث الديني والثقافي للمجتمع الليبي، وينبغي أن تكون هذه القيم الأساس الذي تقوم عليه ليبيا الجديدة.

إلى ذلك، قال إعلاميون ومسؤولون بقناة العاصمة الليبية الخاصة إن مقرها في العاصمة طرابلس قد تعرض لإشعال النار فيه بعد عملية اقتحام مفاجئة أمس من قبل مجهولين مسلحين اعتراضا على تغطية القناة للشأن المحلي. وقال هؤلاء إن المسلحين الذين لم يعلنوا عن تبعيتهم لأي جهة رسمية أو حكومية اقتادوا تحت تهديد السلاح إلى جهة غير معلومة كلا من رئيس القناة جمعة الأسطى والإعلاميين محمود الشركسي ومحمد الهوني ونبيل الشيباني وفتحي بن عيسي. واتهمت القناة أحد أعضاء المؤتمر الوطني المتهمين بالضلوع في اقتحام الجلسة الأخيرة للمؤتمر بتدبير هذه العملية انتقاما منها بسبب معارضتها لتوجهاته السياسية.

وطالبت لجنة حقوق الإنسان في المؤتمر الوطني في بيان لها بفك الحصار بشكل عاجل على القناة وإطلاق سراح طاقمها، كما دعت وزارة الداخلية إلى تحمل مسؤولياتها الكاملة والتدخل الفوري لفك الحصار وإطلاق سراح المحتجزين.