بريطانيا تؤكد عزم مجلس الأمن على منع «المخربين» من عرقلة العملية السياسية في اليمن

اجتماع «أصدقاء اليمن» يختتم بالتأكيد على دعم «الحوار الوطني» والإعداد لانتخابات 2014

صورة تذكارية للمشاركين في اجتماع «أصدقاء اليمن» بالعاصمة البريطانية أمس (إ.ب.أ)
TT

أكد وزير الخارجية البريطاني، ويليام هيغ، عزم المجتمع الدولي، وبشكل خاص مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، على الوقوف مع اليمن ومنع أي أطراف تعرقل العملية السياسية في البلاد. وجاء ذلك خلال اجتماع «أصدقاء اليمن» الذي اختتم بتجديد الدعم الدولي للحكومة اليمنية والعملية الانتقالية التي ولدت بموجب مبادرة مجلس التعاون الخليجي. وعقد الاجتماع الخامس لـ«أصدقاء اليمن» في العاصمة البريطانية أمس، برئاسة المملكة المتحدة والسعودية واليمن وبحضور 39 دولة ومنظمة دولية، ليؤكد الدعم السياسي للحكومة اليمنية والإشادة بجهود الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي.

وقال هيغ: «بعد 3 سنوات من الاجتماع الأولي لـ(أصدقاء اليمن) عام 2010، يسرني أن الأصدقاء عادوا إلى لندن في مرحلة مهمة من الانتقال في اليمن»، مشيرا إلى المرحلة الانتقالية في اليمن. وأوضح هيغ أن «الشأن اليمني مهم بالنسبة للمملكة المتحدة وباقي العالم، لأن عدم الاستقرار في اليمن يزيد من الصراعات، ويهدد الأمن الإقليمي، ويؤدي إلى مشاكل عميقة وفقر للشعب اليمني». وأضاف في مؤتمر صحافي مشترك مع الدكتور نزار بن عبيد مدني، وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية ووزير الخارجية اليمني أبو بكر القربي أن «اليمن الآن في منتصف الطريق لعملية انتقال سلمية وفي طريقه إلى انتخابات كاملة عام 2014. وفي منطقة شهدت الكثير من انعدام الاستقرار والعنف، تقدم اليمن في السنوات الأخيرة رائع، وهناك فرصة عظيمة الآن لليمن وشعبه، وذلك ينعكس في الكثير من المداخلات والخطابات من دول كثيرة» في المؤتمر.

وكان هناك إجماع بين الوزراء الثلاثة على أن اليمن بحاجة لدعم دولي لوقف من يمكن له أن يعرقل أو يخرب العملية السياسية في البلاد، ومنهم الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح وأنصاره. ووجه وزير الخارجية البريطاني كلاما شديد اللهجة لمن قال إنهم «يسعون لتخريب العملية السلمية الجارية، المجتمع الدولي يحمل إنذارا واضحا، أي محاولات لتخريب العملية أو التدخل في الانتخابات أو إضعاف الحوار الوطني ستواجه برد جدي من الأمم المتحدة، بما في ذلك مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة».

وردا على سؤال لـ«الشرق الأوسط» على الخشية من المخربين، قال هيغ: «لدى مجلس الأمن، التابع للأمم المتحدة، خيارات كثيرة للتعامل مع هؤلاء، ومجلس الأمن عازم جدا ومتحد في هذا الشأن، وقد مثلت الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن في اجتماعنا، ورغم الانقسامات في مجلس الأمن حول قضايا أخرى، فإن الدول الأعضاء متحدة وداعمة جدا للتقدم الذي أحرز في اليمن وداعمة لعمل مجلس التعاون الخليجي». وأضاف: «سيكون على مجلس الأمن تقرير ما الخطوات التي سيتخذها، ولكن أعلم أننا نريد خطوات جدية بتأثير جدي لتكون رادعة جدا لأي من هؤلاء المخربين».

وجددت السعودية دعمها لمؤتمر الحوار الوطني أمس، إذ قال الدكتور مدني، الذي ترأس وفد بلاده في الاجتماع: «من المتوقع أن تكون هناك تحديات وعراقيل تجاه إقامة هذا المؤتمر، ولكن الإرادة الدولية، وبصفة خاصة الإرادة اليمنية التي هي مربط الفرس في هذا المؤتمر، ستكون - إن شاء الله - دون أي تأثير يمارس على مؤتمر الحوار الوطني، سواء من داخل من اليمن أو من خارجه، ووضع حد لأية تدخلات خارجية في شؤون اليمن، وهذا الشيء الذي نعول كثيرا عليه من حكومة اليمن وضمان الخروج بمؤتمر حوار ناجح، يؤدي - إن شاء الله - لاستكمال المسيرة التي بدأت بالمبادرة الخليجية».

أما القربي، فقال: «المخربون دائما موجودون، وأؤكد لكم أن قبل مسؤولية المجتمع الدولي، هناك مسؤولية اليمنيين أنفسهم، كيف يواجهون هؤلاء الذين يريدون أن يعرقلوا تنفيذ المبادرة اليمنية أو خراج البلاد من أجواء الأزمات إلى أجواء السلام». وأضاف: «مستقبل اليمن اليوم في المقام الأول في يد اليمنيين، وبالتالي الحل يجب أن يكون يمنيا، ويجب أن تكون مسؤولية اليمنيين في المقام الأول، ولكن المجتمع الدولي يراقب ويدعم، ويؤسس لليمنيين وسيلة لإخراج بلدهم من مخاطر الحروب والأزمات والتخلف».

وأوضح هيغ أن «كل الدعم الذي نقدمه لليمن يطمح إلى جعل البلد أكثر ازدهارا واستقرارا، وهذا جزء من الرد على الإرهابيين، الذين يسعون إلى التمركز هناك واستغلال القضايا الداخلية والمشاكل الداخلية لمهاجمة العالم، فهذه من بين الأهداف التي تعمل من أجلها». وأضاف: «في ما يخص إيران، نحن ندعم كليا مطالبة الرئيس هادي بتحقيق من الأمم المتحدة في شحنة الأسلحة التي قبضت على شاطئ اليمن في 23 يناير (كانون الثاني) الماضي، والتحقيقات الأولية تشير إلى أن هذه الأسلحة جاءت من إيران، وإذا ثبت ذلك فسيكون خرقا لقرار مجلس الأمن 1747 الذي يمنع إيران من تصدير الأسلحة». وتابع: «مثل هذه التصرفات تضر بأمن المنطقة كلها ،وندعو إيران إلى الالتزام بالتزاماتها الدولية، وندعو هيئة العقوبات الخاصة بإيران في الأمم المتحدة لتحقق في هذه القضية على الفور».

وكانت هناك 3 أهداف رئيسية للمؤتمر، أولها التأكد من توزيع المساعدات والمنح التي رصدت لليمن خلال العام الماضي، و«تحويلها إلى مشاريع وأعمال حقيقية» بحسب هيغ، وثانيها التأكيد على دعم المجتمع الدولي للعملية السياسية في اليمن، وتحديدا مؤتمر الحوار الوطني، الذي من المرتقب أن ينطلق يوم 18 مارس (آذار) الحالي في اليمن. وأما الهدف الثالث، فهو التعبير عن الطرق التي يمكن للمجتمع الدول أن يساعد فيها اليمن خلال استعداده لانتخابات عام 2014، التي تعتبر تتويجا للعملية السياسية الانتقالية في البلاد بناء على الاتفاق الذي مهدت له مبادرة مجلس التعاون الخليجي.

وخلال اجتماع أمس، قدمت الحكومة اليمنية خريطة طريق للانتخابات المزمع عقدها في فبراير (شباط) المقبل، بما في ذلك تجديد لوائح الناخبين وضمان نزاهة الانتخابات، بالإضافة إلى الإعداد لاستفتاء حول دستور جديد للبلاد. واعتبر هيغ أن «الحوار الوطني أساسي» في العملية السياسية في اليمن، داعيا «كل الأطراف (اليمنية) لانتهاز هذه الفرصة ليكون لهم صوت في كيفية حكم اليمن. ومن دواعي سروري تمثيل كل المجموعات بما فيها النساء والشباب والجماعات الجنوبية».

وكان من اللافت، الوقت المقتضب الذي خصص للاجتماع، حيث لم يتعد 3 ساعات. وقال وزير الخارجية اليمني: «نتائج هذا الاجتماع لا تقاس بالساعات القليلة فيه، ولكن قياسها الحقيقي بمدى وحدة (مجموعة أصدقاء اليمن) لموقفها الداعم لليمن وفي إدراكها التام أنه على الرغم من تجاوز اليمن مرحلة سقوط هاوية الصراعات فإنها ما زالت تواجه الكثير من التحديات في الجانب الأمني والاقتصادي والسياسي».

وبعد أن قدم وزير الخارجية اليمني أبو بكر القربي شكره للمملكة المتحدة لاستضافة اجتماع «أصدقاء اليمن»، توجه بالشكر للسعودية، قائلا: «أتقدم بالشكر إلى المملكة العربية السعودية على رئاستها المشتركة لهذا اللقاء وعلى ما تقدمه لليمن من دعم تنموي، وهي تعتبر في الحقيقة الداعم الأول للتنمية في اليمن ويمثل ما تقدمه لليمن بنحو 40% مما يقدم من إجمالي الدعم» لليمن. وأشاد هيغ أيضا بالدعم السعودي لليمن، قائلا إنها قدمت 93% من الـ3.25 مليار دولار التي تعهدت بها لليمن. وأضاف: «السعودية هي أكبر المانحين، ونحن ندعو المانحين الآخرين إلى توصيل التعهدات». ومن الـ7.9 مليار دولار التي رصدت من المانحين لليمن، قال القربي إن 6 مليارات دولار خصصت، وتم إقرار 1.8 مليار دولار في مشاريع محددة. واعتبر القربي أن هذا «تقدم كبير جدا».

وقال الوزير السعودي إن منح بلاده لليمن خلال الأعوام الخمسة الماضية تجاوزت 3 مليارات دولار، مضيفا: «أيضا في اجتماع الرياض، قدمت السعودية تعهدات جديدة بلغت إجمالها 3.25 مليار دولار أميركي، منها مليار دولار وديعة للبنك المركزي لدعم استقرار العملة اليمنية ومليار و750 مليون دولار من مساعدات إنسانية وتنموية».

وأوضح مدني: «نشعر بالكثير من التفاؤل لتوافر الإرادة الدولية لمساعدة اليمن، ولكننا نتطلع إلى أن تترجم هذه الإرادة الدولية إلى خطوات على أرض الواقع». ولفت إلى أن المجتمع الدولي «تعهد في العام الماضي بتقديم مبلغ 7.9 مليار دولار لمساعدة جهود إعادة الإعمار والتحول السياسي في اليمن، ونعتقد أنه حان وقت الوفاء بهذه الوعود». وأضاف: «اليمن أحرز تقدما كبيرا منذ أن تبنى مبادرة مجلس التعاون الخليجي التي تضمن تشكيل حكومة مصالح وطنية، وتدشين الحوار الوطني، والإشراف على صياغة دستور جديد تعقبه انتخابات برلمانية ورئاسية جديدة، وهذه العملية تسير في مسارها السليم، وقد تم تشكيل حكومة انتقالية وانتخب فخامة الرئيس عبد ربه منصور هادي لقيادتها، وتم الإعلان عن موعد رسمي للحوار الوطني». ولفت إلى أن «اليمن تمكن من تحقيق الكثير من التقدم في المجال الاقتصادي، وتمت السيطرة على التضخم، ومن المتوقع أن تصل معدلات النمو إلى نحو 4% هذا العام».

واعتبر هيغ أنه بات من الضروري أن توزع المساعدات والمنح المخصصة لليمن لـ«المساعدة في إعادة إعمار اليمن وتحسين حياة الشعب اليمني كله، ونحن مسرورون بتأسيس الحكومة اليمنية وحدة تنفيذية لوضع الأوليات لصرف الأموال وأن يحدث ذلك بسرعة وبشفافية، كما أن الدول التي لم تخصص الأموال التي تعهدت بها سابقا قالت إنها ستقوم بذلك قريبا».

ورغم الإشادة بالتقدم في اليمن، أقر الوزراء الثلاثة بوجود تحديات جسيمة أمام اليمن. وقال هيغ: «الرئيس هادي كان جريئا في مواجهة التحديات الأمنية الجدية في اليمن من المتطرفين والإرهابيين الذين هدفهم هو (خلق) الخوف والعنف وانعدام الاستقرار، كما أن الإصلاحات وإعادة الهيكلة في قوات الشرطة والأمن خطوات نرحب بها». وأكد هيغ: «إننا نقف كتفا إلى كتفا مع الرئيس هادي في معركته ضد (القاعدة في شبه الجزيرة العربية)». ومن جهته، قال مدني: «رغم جميع ما تم تحقيقه من مكاسب وإنجازات، إلا أنه لا يزال هناك الكثير من التحديات والمخاطر، ولا يزال هناك الكثير مما يجب عمله، سواء على الصعيد الأمني أو الاقتصادي». وأضاف: «المهم في هذا الإطار، الدعم الدولي المستمر هو الذي سيكون عنصرا حيويا ومهما لترسيخ التقدم الذي تم إحرازه والبناء عليه، والحفاظ على الوفاق الشعبي الضروري لعملية التحول». وتابع: «من الضروري أن تواكب كافة الأطراف المانحة هذه السرعة وهذه الإنجازات، وذلك بالتعجيل في تحول وعودهم إلى واقع والوفاء بما تم الالتزام به».

واعتبر مدني أن «الحكم على الفترة الانتقالية سيتم في نهاية المطاف في محافظات ومدن وقرى اليمن وليس في غرف الاجتماعات والمؤتمرات، لأن الناس إذا شعروا بتحسن في حياتهم فإيمانهم بالعملية السلمية السياسية سيقوى، وأملهم في تحقيق التقدم والاستقرار سيزيد، وهذا كله سيجعلهم يحلمون بغد أفضل، وهو أقل ما يستحقه اليمن السعيد إن شاء الله».

وبينما شدد هيغ على أهمية الإصلاحات السياسية في البلاد، لفت إلى أن «الكثير من اليمنيين لديهم مصادر قلق أكبر وأكثر مباشرة، مثل الحصول على الطعام والمياه».

ومن المرتقب أن ينعقد اجتماع «أصدقاء اليمن» المقبل في نيويورك في الخريف المقبل، على هامش أعمال اجتماعات الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة. وقال هيغ إن المجتمع الدولي يترقب «رؤية تحسن، ليس فقط في حياة الكثير من اليمنيين، بل رؤية اقتصاد أقوى وبدايات الحملات الانتخابية هناك». وقال هيغ: «هذه الانتخابات ستكون نقطة تحول في اليمن ومن أجل مساعدة أصدقائنا في اليمن على الوصول إلى هذه النقطة والتمتع بمستقبل أفضل وأكثر ازدهارا».