عاصفة انتقادات لبنانية لمواقف وزير الخارجية حول سوريا

السفير السعودي: مواقف بعض المسؤولين اللبنانيين لا تنسجم مع سياسة النأي بالنفس

TT

لم يكد المسؤولون اللبنانيون يستوعبون «التحذير» الذي أطلقه مجلس التعاون لدول الخليج العربية، بضرورة التزام «النأي بالنفس» في الأزمة السورية، حتى سرت شائعة اقتصادية - سياسية أطلقتها وسائل إعلام قريبة من حزب الله، مفادها أن مستثمرين سعوديين سارعوا إلى سحب نحو مليار دولار من ودائعهم بعد بيان المجلس الذي أبلغه أول من أمس الأمين العام عبد اللطيف الزياني لرئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان.

ورغم أن أوساطا مصرفية لبنانية نفت بشدة هذه الشائعات التي لم تؤيدها أي من المعطيات في قطاع المصارف أمس، فإنها أرخت بظلال من القلق الاقتصادي، وأسهمت في إذكاء السجال حول تصريحات وزير الخارجية اللبناني عدنان منصور في اجتماعات وزراء الخارجية العرب أول من أمس، والتي كررها أمس في تصريحات متفرقة أدلى بها لوسائل إعلام لبنانية.

ورد السفير السعودي «التحذير» الخليجي إلى ملاحظة قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية أن «ما صدر مؤخرا من مواقف عن بعض المسؤولين اللبنانيين لا ينسجم مع ما تم إعلانه من قبل السلطات اللبنانية حيال سياسة النأي بالنفس، لذا جاء مضمون الرسالة واضحا وصريحا». وقال السفير علي عواض عسيري لـ«الشرق الأوسط» إن الزيارة التي قام بها الزياني إلى لبنان قبل عدة أيام «توضع في إطار حرص قادة دول مجلس التعاون على العلاقات التي تجمع دولهم وشعوبهم مع لبنان وشعبه الشقيق، كما أن الرسالة التي نقلها معالي الأمين العام لفخامة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال سليمان تعكس اهتمام قادة دول مجلس التعاون بالتطورات الجارية على الساحة السورية، حيث يعتبر القادة الخليجيون أن من الأهمية أن يلتزم لبنان سياسة النأي بالنفس ومضمون ما عُرف بـ(إعلان بعبدا) الذي أقرته الدولة اللبنانية وكل القوى السياسية». وأمل عسيري أن يتجاوب المسؤولون اللبنانيون مع رسالة قادة دول مجلس التعاون، وأن يعملوا على إبعاد الساحة اللبنانية عن التأثيرات الخارجية خلال هذه المرحلة الدقيقة، مؤكدا أن دول الخليج وفي طليعتها المملكة العربية السعودية تتمنى للبنان أن ينعم بالأمن والاستقرار وأن يعزز أبناؤه وحدتهم الوطنية ويعملوا من أجل المصلحة الوطنية العليا.

وكانت أوسط مصرفية رفيعة أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن السوق المصرفية بقيت طبيعية خلال الأيام الماضية، كاشفة عن وجود ودائع بقيمة 140 مليار دولار في هذا القطاع، في إشارة منها إلى ثباته وعدم تأثره بالشائعات، مشددة على أن دول الخليج «تفرق بين الأداء السياسي والأداء الاقتصادي في الساحة اللبنانية». ولاحظ مرجع مصرفي لبناني أن العمليات المصرفية تجري كالمعتاد من دون أي تغييرات، مشددا على أن المستثمرين السعوديين ليسوا من أصحاب الودائع في المصارف اللبنانية فحسب، إنما هم مستثمرون رئيسيون وأصحاب أسهم في العديد من المصارف اللبنانية.

وكان وزير الخارجية اللبناني قد كرر أمس تحذيره من مخاطر مقررات الجامعة العربية، مستغربا تدخلها في شؤون دولة أخرى عضو فيها، لافتا إلى أنه أعد خطابه في اجتماعات الجامعة العربية بنفسه، لافتا إلى أن «القرارات التي اتُخذت بالجامعة العربية ستكون لها تداعياتها الخطيرة على لبنان في المستقبل لأننا شرعنا الأجواء المفتوحة أمام دخول السلاح إلى سوريا»، متسائلا «أي قانون عربي ينص على ذلك؟ وهل القانون الدولي يسمح بإرسال السلاح ودعم المقاتلين؟». واعتبر منصور أن «ما يجري جنون لأن لبنان سيدفع الثمن، وإذا ما استمرت دورة العنف في سوريا فعلينا أن ننتظر ملايين النازحين»، مطالبا بالكف عن المهاترات والنظر إلى الوضع القائم في المنطقة. واعتبر أن «السلاح الذي سيتدفق مستقبلا على سوريا سيمر عبر دول الجوار، ولبنان واحد من دول الجوار، فكيف سنحصن بلدنا؟»، محذرا من أنه «إذا تسرب السلاح إلى السوريين في لبنان سنكون في وضع خطير».

لكن زميل منصور في الحكومة وزير البيئة ناظم الخوري، المقرب من رئيس الجمهورية، شدد على أن «النأي بالنفس» عن الأزمة السورية هي سياسة الحكومة ولا تزال، مشيرا إلى أن ما قاله منصور لا يعكس سياسة الحكومة. وقال «جميعنا يتمنى أن تعود سوريا إلى كنف جامعة الدول العربية، لكن من الأفضل أن يتجنّب منصور قول ما أعلنه بالأمس، لأن موقف الحكومة بالنأي بالنفس معروف». وعندما سئل «هل الكل يغني على ليلاه في هذه الحكومة؟»، أجاب الخوري «في لبنان، معتادون على التفرد في التصرف، نتيجة (الشطط) السياسي»، آملا أن يعود الجميع إلى سياسة النأي بالنفس، مؤكدا أن رئيس الجمهورية والحكومة متمسكان بموقفهما من الأزمة السورية.

وناقش رئيس الهيئات الاقتصادية، الوزير السابق عدنان القصار، مع رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان «مسألة التحذير الذي أطلقته دول مجلس التعاون الخليجي إلى لبنان». وقال القصار «لقد دعوت فخامة الرئيس إلى ضرورة الحفاظ على أفضل العلاقات مع الأشقاء العرب، لا سيما الدول الخليجية، نظرا للمفاعيل والمحاذير التي سوف نواجهها من جراء أي قرار تتخذه البلدان الخليجية تجاه لبنان، إن على الاقتصاد اللبناني حيث تشكل البلدان الخليجية المنفذ الاقتصادي الأول للبنان، أو على صعيد اللبنانيين العاملين في البلدان الخليجية».

ورأى النائب مروان حمادة (14 آذار) أن «العتب الكبير والغضب على وزير الخارجية عدنان منصور أنه اختار أسوأ وقت في تاريخ لبنان ليعبر عن أسوأ موقف تجاه القضية السورية»، معتبرا أن «منصور نسف كل قرارات الحكومة في وداعه لرئاسة جامعة الدول العربية وكأنه يقول سياسة الحكومة شيء وسياستي شيء آخر».

ورأى النائب عماد الحوت (الجماعة الإسلامية) أن مواقف وزير الخارجية عدنان منصور «المتكررة تعبر عن إحدى الخلفيات الرئيسية لتشكيل هذه الحكومة والإصرار على بقائها وهي دعم النظام السوري». ودعا النائب الحوت رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، إلى «عدم الاكتفاء بتصريحات صحافية يؤكد فيها سياسة النأي بالنفس للحكومة، والمبادرة إلى ترجمة هذه السياسة ببيان رسمي يصدر عن الاجتماع القادم للحكومة، وكف يد وزير الخارجية عن تمثيل الدولة اللبنانية في أي اجتماع خارجي ما دام مستمرا في مخالفة الموقف الرسمي للحكومة».

وقال عضو كتلة المستقبل، النائب سمير الجسر، إن «تصريح وزير الخارجية عدنان منصور في اجتماع مجلس الجامعة العربية هو خروج عن سياسة الحكومة اللبنانية، لأن الحكومة تتكلم عن النأي بالنفس فليس لها أن تتدخل في هذا الأمر وتأخذ طرفا إلى جانب النظام السوري، وهو تمرد على الحكومة لأن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أكد في إطلالته التلفزيونية الأخيرة أنه متمسك بالنأي بالنفس، والوزير عليه تنفيذ قرارات الحكومة»، محذرا من أن «كلام الوزير منصور هو إدخال للبنان في وضع غير سليم، وله انعكاسات سلبية علينا من قبل المحيط العربي».

وفي المقابل، حظي منصور بدعم وحيد عبر عنه رئيس كتلة حزب الله النيابية النائب محمد رعد، الذي رأى أن «ما تضمنته كلمة وزير الخارجية عدنان منصور في مؤتمر وزراء الخارجية العرب الأخير، يعبر بكل دقة ومسؤولية وطنية وقومية عن الموقف الرسمي اللبناني الذي أقرته الحكومة لجهة النأي بالنفس عن التورط في الأزمة السورية، وحث جميع الأفرقاء لاعتماد حل سياسي يحفظ وحدة سوريا ويحقق استقرارها ويلبي متطلبات شعبها من دون أي تدخل خارجي في شؤونها». ولفت في تصريح مكتوب وزعه إعلام الحزب إلى أن «الكلام الواضح وغير الموارب الذي قاله منصور ينطوي على إيجابية وحرص كبيرين تجاه دول المنطقة العربية كلها»، معتبرا أن «تحامل بعض المعارضين في لبنان على الوزير منصور هو ترجمة مفهومة للتعهد الذي تلتزمه المعارضة ضد الدولة نكاية في الحكومة، ومن أجل مآرب سلطوية خاصة».