حماه: «الجيش الحر» يقاتل في ريفها.. وحواجز نظامية تقطع أوصالها

صنعت مشهد «ميدان التحرير» فتعرضت للاقتحام العسكري

TT

حين احتشد أكثر من نصف مليون متظاهر في ساحة العاصي، وسط مدينة حماه، منتصف عام 2011، وهتفوا لإسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، نظر العالم إلى هذه المدينة على أنها «ميدان تحرير» سوريا، في إشارة إلى ساحة «التحرير» في القاهرة. لكن النظام السوري، بآلته العسكرية، سارع إلى محاصرة المدينة، بعد فترة من ثورتها السلمية وقصفها بالدبابات والمدفعية، في استعادة لمشهد الثمانينات الدموي الماثل بقوة في أذهان الحمويين.

ووفقا لناشطين باتت «حماه بعد اقتحامها (مدينة أشباح)، فتم اعتقال كوادر المعارضة وتصفية بعضهم، إضافة إلى تقطيع الأحياء والشوارع بأكثر من 60 حاجزا أمنيا».

هذا الواقع، أخرج المدينة من سلميتها التي تمسكت بها في الأيام الأولى لـ«الثورة» وغدت جزءا من مشهد «العسكرة»، الذي شمل معظم المدن والمناطق السورية، بعد ارتفاع وتيرة القمع من قبل النظام.

وبحسب أبو غازي الحموي، عضو مجلس ثوار حماه «فإن أول عملية لـ(الجيش السوري الحر)، في المدينة حدثت في حي الجراجنة، حيث تم استهداف مصفحة للجيش النظامي، وقتل على أثرها 3 جنود».

ويؤكد الحموي لـ«الشرق الأوسط» أن هذه العملية جاءت بعد 3 أشهر على اقتحام المدينة وقصفها بوحشية. ويضيف: «حماه كانت متطرفة في سلميتها خلال هذه الثورة. المتظاهرون فيها أصروا على عدم رفع السلاح على الرغم من العسكرة التي صاحبت نشاط (الثوار)، في مدينة حمص المجاورة لكن اقتحام المدينة، ووصول دبابات النظام إلى ساحة العاصي، دفع الناس إلى خيار الدفاع عن أنفسهم، لكن سرعان ما أحكم النظام سيطرته على المدينة، بسبب تفوقه العسكري وقطع التواصل بين أحيائها بأكثر من 60 حاجزا أمنيا».

ويشير الحموي إلى أن «كتائب الجيش الحر في حماه تقوم بعمليات بسيطة وفردية، لكن نشاطها يتركز في الريف، حيث تخوض الكتائب المقاتلة معارك على محاور قرى كفر نبوذة، كفرزيتا، مورك، كرناز، قلعة المضيق، طيبة الإمام، حلفايا».

وطبقا للناشط المعارض، فإن «تنفيذ هجوم من قبل (الجيش الحر) على مدينة حماه، يبدو بحكم المستحيل بسبب حصارها من كل الجهات، موضحا أن «المدينة تشكل أهمية كبيرة بالنسبة للنظام السوري، لأن سقوطها يعني الوصول إلى ريف حمص، وبالتالي سقوط حمص، التي يعتبرها النظام خطا أحمر، لأنها تؤدي إلى الالتفاف نحو دمشق».

ويضيف الحموي: «قرب حماه يقع الفوج 47 الذي يضم نحو 400 دبابة تصوب مدافعها نحو المدينة، كما يوجد على بعد أميال أفواج من القوات الخاص هذا، بالإضافة إلى وجود جبل الأربعين، الذي يعتبر مركزا عسكريا محصنا للجيش السوري النظامي».

ويقاتل «الحر» وفق استراتيجية الكر والفر، حيث يدخل إلى بعض القرى، ويخرج منها بعد اشتداد هجوم القوات النظامية. وعن وجود جبهة النصرة يقول الحموي: «النصرة توجد في الريف الشمالي، ويتمثل وجدها في كتيبتين أو ثلاثة».

ويعيش ريف مدينة حماه وضعا طائفيا خطيرا، حيث يقطن في قراه المسلمون السنة والمسيحيون والعلويون والمرشديون والإسماعيليون.. الأمر الذي فتح الباب على صراعات ذات طابع طائفي بين هذه القرى، تمثلت في حوادث الخطف والتصفية والقتل على الهوية. وتتخذ القرى العلوية، مثل معان وأصيلة ربيعة، موقفا مساندا للنظام السوري حيث يتجند أبناؤها وفقا للناشطين في كتائب «الشبيحة» لمهاجمة القرى الثائرة، التي ينتمي معظم قاطنيها إلى الطائفة السنية.

وبينما تتخذ القرى المرشدية موقفا محايدا مما يجري، يؤكد ناشطون أن «النظام السوري يدفع بالمسيحيين إلى موقف مؤيد له عبر تركيز مدافع في قراهم لقصف الأحياء السنية» ويتركز الوجود المسيحي في ريف حماه في مناطق السقيليبة ومحردة وكفربو.

أما السلمية، المدينة التي يتركز فيها الإسماعيليون، فيرى ناشطون أن «مزاجا معارضا لا يزال يسيطر عليها، على الرغم من استهدافها من قبل «جبهة النصرة» بتفجيرين راح ضحية أحدهما أكثر من 50 شخصا، جلهم من المدنيين.

وكانت مدينة حماه قد دخلت في الحراك الثوري بعد أيام من اندلاعه، حيث خرجت مظاهرات عدة في شوارع المدينة، ليسقط أول ضحية من المتظاهرين برصاص الأمن السوري في منتصف أبريل (نيسان) من عام 2011، وارتفعت لاحقا وتيرة القمع من قبل النظام السوري، فارتكبت مجزرة فيما عرف بجمعة «أطفال الحرية»، حيث قتل 150 شخصا.