الشيخة مي بنت محمد آل خليفة: الحرية التي أتاحها المشروع الإصلاحي للملك أسيء استخدامها

وزيرة الثقافة البحرينية في حوار مع «الشرق الأوسط»: الثقافة مرآة أساسية تعكس الأوضاع لكن في أوطاننا لم نوظفها لإيصال ما نريد

الشيخة مي بنت محمد آل خليفة
TT

اعتبرت الشيخة مي بنت محمد آل خليفة وزيرة الثقافة البحرينية أن الأدوات السياسية الحديثة جديدة على البحرينيين، وأنها لم توظف التوظيف الصحيح، وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن «الحرية التي أتاحها المشروع الإصلاحي للملك أسيء استخدامها. لم نلتفت للجانب الإيجابي وكرسنا ثقافة أخرى مثل ثقافة الانقسام، وهويات لم نعرفها. كنا في مدارس تجمع الجميع ولم تفرقنا مذاهب أو أديان».

وأضافت أنه قد تكون «الأداة الوحيدة لتقريب النفوس وترميم الشرخ الذي حدث عبر الثقافة».

وأكدت الوزيرة أن الثقافة مرآة تعكس الأوضاع أساسية، لكن في أوطاننا لم نوظفها لإيصال ما نريد، وحول دول الخليج وموقع البحرين فيها قالت إن «كل بلد من بلدان الخليج له خصوصية، ونؤمن بأننا كدول خليجية تكاملنا ضرورة، ونستطيع أن نعطي صورة أفضل وأكبر بهذا التكامل».

«الشرق الأوسط» التقت الشيخة مي بنت محمد آل خليفة وزيرة الثقافة البحرينية في المنامة على هامش افتتاح «البحرين عاصمة للسياحة العربية»، وكان لها معها حوار فيما يلي نصه:

* البحرين أشعت من خلال كونها كانت عاصمة للثقافة ثم السياحة في سنتين متتاليتين.. لو تحدثيننا عن هذا الإشعاع.

- كما تعلمون هذا العام هو عام السياحة 2013.. المنامة هي عاصمة السياحة العربية، وقبلها بعام كانت عاصمة للثقافة العربية. دون ثقافة لا نستطيع أن نروج للسياحة، ونحن في العام الماضي عملنا على تأسيس بنية أساسية تحتية للثقافة، واحتفالنا بافتتاح الموسم كان في المسرح الوطني، وهو أحد أهم المشاريع الاستثمارية في الثقافة، حيث جاء بدعم كريم من جلالة الملك، وافتتح هذا المبنى الجميل في عام الثقافة ليكون أيضا رافدا أساسيا للسياحة، والأنشطة الأساسية التي نستقبلها ربما لو اطلعتم على كتيب ربيع الثقافة، وهذا هو العمل الذي يروج بالفعل لصورة البحرين الحقيقية، لتراثها، لثقافتها، في دول الخليج في المجال الذي لم يسلط عليه الضوء، فالإعلام مقصر في حقه، أو ربما نحن كمواطنين قصرنا في حقها، لنا إرث نفخر به، لنا معالم، لنا تاريخ وهوية، لم نوظفها التوظيف الصحيح لإيصال معلومة عن طبيعة هذه الجزيرة الصغيرة، والكبيرة بأحلامها وامتدادها عبر أنشطتها، ولا نتكلم عن الحيز الجغرافي وإنما نتكلم عن التنوع، وعن العمق الذي تزخر به البحرين عبر حضارات عاشت فيها وتراكمت الخبرات، واستقطبت على مدى سنوات هذا الموقع كجزيرة، وأهل الساحل دائما يستقبلون الوافدين ويختلطون معهم ويتعلمون منهم وينفتحون، ويبدأون المبادرات قبل غيرهم.

وليس جديدا أن نقول إن التعليم النظامي بدأ في البحرين قبل دول الخليج الأخرى، وليس جديدا أن نقول إن النواة الأساسية للحركة الأدبية والمطالب الإصلاحية أيضا. ومن الجدير أن نلتفت لبداية القرن المنصرم 1920، كانت هناك مطالب من حاكم البحرين آنذاك أن يكون هناك برلمان منتخب من عامة الشعب، ولو كتب لهذه التجربة أن تتحقق ربما لكانت لنا خبرة برلمانية عمرها أكثر من 80 عاما، ولربما أجاد المواطن استخدامها.

الأدوات السياسية الحديثة جديدة عليهم ولا يعلمون كيف يوظفونها التوظيف الصحيح، والحرية التي أتاحها المشروع الإصلاحي للملك أسيء استخدامها. لم نلتفت للجانب الإيجابي وكرسنا ثقافة أخرى مثل ثقافة الانقسام، وهويات لم نعرفها، كنا في مدارس تجمع الجميع ولم تفرقنا مذاهب أو أديان، ولم نكن نسأل من اليهودي أو المسيحي أو السني، كلها أشياء جديدة علينا. وهذا أعتقد ظاهرة عامة ككل الوطن العربي، وما يحدث حاليا قد تكون الأداة الوحيدة لتقريب النفوس وترميم الشرخ الذي حدث عبر الثقافة. لنجتمع على حب الموسيقى، وحب الفن والجمال والعمران، وكلها أدوات صحيحة قد تفلح فيما أفسدته السياسة.

* اختيار البحرين عاصمة للسياحة العربية جاء على أي أساس؟

- هو كان نتيجة لملف تقدمنا به إلى المنظمة العربية للسياحة، وكان وقتها من المقرر أن تكون دمشق هي عاصمة السياحة لـ2013، وفي اجتماع وزراء السياحة في العقبة لم يكن هناك حضور أو وزير، طبعا بسبب الأزمة في سوريا والأحداث التي تشهدها.

وبادرنا بتقديم الملف واستوفينا الشروط المطلوبة، وكان هناك تشجيع من جميع الدول العربية لأن تأخذ البحرين حقها وتكون عاصمة للسياحة، وشهدتم في افتتاح الحدث حضورا عربيا ورسالة أردنا إيصالها للجميع؛ أن لدينا في مواقعنا رسالة، ولدينا ما نستطيع أن نقدمه كتراث إنساني نعتز به ويجلب السياحة التي تحقق الثراء، ونريد أن نصل بهذه الرسالة إلى المواطن؛ إلى كل من يعمل بالاقتصاد، أو بالتجارة، وتلبية الاحتياجات الأساسية لينمو ويتقدم ويحقق الكثير عبر أدوات السياحة، نستطيع أن نحقق ذلك.

* هل تؤمنين باعتبار الثقافة مرآة لبلد وشعب ما؟ وكيف ينعكس ذلك في البحرين؟

- هي الأساس. وأنت يمكنك معرفة الناس من خلال ثقافتهم، ومن خلال إرثهم الحضاري، ولو لم يكن لكل بلد ما يميزه لما كانت مطالبتنا بالحفاظ على الهوية، ولما استطعنا أن نعكس تاريخنا وما تعلمناه من تراكم حضاري مر على مدننا. الثقافة أداة أساسية وتوظيفها التوظيف الصحيح لتمرير رسائل حقيقية قد يصل بنا إلى ما نتمناه من أوطاننا.

* ما الذي يميز المواطن البحريني عن غيره من سكان العالم؟

- مثلا أهل الجزر هم دائما أكثر انفتاحا من أهل الداخل، وهذه الطبيعة تعكس أيضا الحضور والاستقلالية للمرأة في البحرين، هي ممارسة طبيعية، هي ليست مطالب أو شعارات، فنحن مع الحقوق، الأشياء جاءت بسلاسة مع طبيعة الوضع، وأيضا المهن التي مارسها الأجداد في القديم مثل صيد اللؤلؤ. كان من يعملون بمهنة القوس هم الرجال، وأثناء ذلك المرأة هي التي تدير البيت وتعمل بالاقتصاد، وفي حديث لي مع زميلة قالت لي إن جدتها التي عاشت في القرن الـ19 كان لديها في منزلها تجارة، وتصف الموقع الذي كانت تعرض فيه أشياءها كأنه معرض «شو روم» بالنسبة للأخريات، نتحدث عن مهنة تزاولها سيدة في وقت مبكر من تاريخنا.

* هل هذا يعني أن المرأة كانت لها حقوق منذ الماضي في البحرين؟

- نعم بالتأكيد، فمثلا في مجال التعليم النظامي بدأ تعليم صف البنات قبل صف البنين، ودائما ما أكرر هذه المعلومة، ففي سنة 1899 كان صف البنات الأول لمدرسة المبشرين والتحقت به بنات قبل البنين، فهناك أمور عاشتها المرأة في البحرين واكتسبتها بشكل طبيعي، نحن لم نكافح أو نناضل للحصول على حقوق، بل حقوقنا وجدناها ومارسناها بشكل طبيعي.

* لماذا كل هذا النشاط المميز في البحرين، قلب يخفق وتتسارع دقاته وتنعكس في مظاهرات أكثر، وأنشطة أكبر نسمع عنها كل يوم من البحرين وكأنه من شدة الفرح من أن الناس يهتمون بما يقدم داخل هذه البلاد؟ هل هذه كانت محفزات لكم لتقديم المزيد؟

- الناس يصلهم حماسنا وتصلهم المشاريع التي وزعت في أرجاء المملكة، وقد زرتم قلعة الرفاع، وقلب المحرق، ولو التفتم إلى المنامة لوجدتم مشاريع أخرى، وإذا تكلمت عن الشق الأهلي فقد كان هناك مشروع بدأ بمركز واحد ثم امتد إلى 25 بيتا، وهناك أكثر من 36 مشروعا إنشائيا، وهذا يعتبر عددا مهولا بالنسبة لمحدودية إمكانيات الوزارة. ونحن طرحنا مشروع الاستثمار في الثقافة لإيماننا بأن القطاع الخاص أو البنوك أو المساهمين لا بد أن يأخذهم الحماس لمشاريعنا ويساهموا بدورهم لتوصيل المعلومة الصحيحة، والسعي لكسب أو خلق مصادر جديدة لتحقيق حلم على أرض الواقع وسيلة من الوسائل التي تعكس حماسنا على المتلقي، وهذا بدوره يحمل قضيتنا معه ويصبح من هذه المجموعة التي أبرز ما يميزها العفوية في التعامل.. نحن نكره الأطر المحددة ولا نفكر في نطاق المربع، نحن نريد دائما أن نكون خارج القوالب والمربعات.

* هل الثقافة مرآة للسياسة أم العكس؟

- الثقافة مرآة أساسية تعكس الأوضاع، لكن في أوطاننا لم نوظفها لإيصال ما نريد، فحتى عبر المسرح يمكننا الوصول برسالة حقيقية للمواطن، وإيصال ما يعجز السياسي عن قوله، ولكن نحن بحاجة لتثقيف السياسيين لكي يستطيعوا التعامل مع شريحة من البشر أجندتهم مختلفة، ولا نقول إن هذا فكر مثالي، وإن مشكلات العالم ستحل، ولكن نستطيع أن نخفف من حدة التوتر السياسي عبر أدوات الثقافة التي تعكس حالة الجمهور، وحالة الحراك الموجود في البلد.

* إذا أخذنا البحرين ضمن دول الخليج كلها، ما الذي يميزها عن غيرها؟ فهل هي مرتبطة بالثقافة الخليجية أم مميزة عنها؟ وإن كان مميزة، فما الذي يميزها؟

- كل دولة لها خصوصيتها، وكل بلد من بلدان الخليج له خصوصية، ونؤمن بأننا كدول خليجية، تكاملنا ضرورة، ونستطيع أن نعطي صورة أفضل وأكبر بهذا التكامل، وعلى سبيل المثال ونحن نتكلم عن السياحة، فدبي على سبيل المثال حققت شوطا كبيرا في هذا المجال، وكرست اسمها كمحطة أساسية مثل باريس أو لندن، والناس من جميع أنحاء العالم يذهبون إلى دبي، ولو استطعت أنا لجئت بهم إلى البحرين، نحن نستطيع أن نروج للبحرين. وفي كل زمن هناك فترة تتألق فيها بعض المدن وفترة تتراجع وتنكفئ على نفسها، وهناك فترات يكون فيها ركود، ونحن لم نحسن توظيف الفرص.

* لكن هناك فرقا شاسعا بين دبي والبحرين، فدبي الآن مركز عصري جدا ووجهة للتسوق، ولا مقارنة بينها وبين البحرين، حيث نرى الأصالة والعراقة ما زالتا حيثما أدرت وجهك.

- أنا أعلم هذا طبعا، ولكن دبي تقدم ثقافة مطارات، وجهة للاستراحة وخدمات على أعلى مستوى، حققت شيئا نعتز ونفخر به، ونحن لدينا شيء آخر وخصوصية تميزنا. ولا ينكر جهد الآخر، بل أسعى لأتكامل معه. يجد القاصد لدبي خدمات يقدمها محترفون، وعندما يأتون للبحرين يجدون خصوصية.

* هل تلقون دعما من حكومتكم لأنشطتكم الثقافية التي لا تنقطع؟

- بالطبع، وخاصة من جلالة الملك ورئيس الوزراء.

* هناك بعض وسائل الإعلام تروج لإعطاء صورة مختلفة عما تحدثتم عنه عن البحرين، ووضعها في نفس الدائرة مع المناطق الساخنة و«بلدان الثورات»، ما هو ردكم على هذا؟

- حضور مثل هذه الفعاليات واستقبال شخصيات من داخل وخارج الوطن العربي لتصحيح الصورة وإعادة الصورة الحقيقية للبحرين التي ترونها، وعندما تسيرون في طرقاتها لا ترون شيئا مما تتناقله وسائل الإعلام، الكل يروج لصورة سيئة ويخفي الجمال، ونحن نقول إن الجمال ينقذ العالم، فإذا قدمتم الجميل تجدون النفوس أكثر راحة وأكثر سلاما وعطاء.

* مشاريعكم المستقبلية..

- مشاريعنا كثيرة وكبيرة، في كل موقع إنشائي سيكون لنا متحف، وفي كل مناسبة سنحاول خلق فرصة للاجتماع بالآخرين، ونكرر نفس المحبة والجمال عنوانا لهذا البلد الصغير الذي بإمكانه أن يعطي وأكثر.

ولنا مشاريع خاصة بالبنية التحتية التي تؤسس لها منامة 2013م، من خلال الاستثمار الإنساني في الكوادر العاملة لدى قطاع السياحة، حيث تخصص وزارة الثقافة برامج تأهيل وتطوير قدرات المرشدين السياحيين وتعميق علاقاتهم بالمخزون التراثي والإرث الحضاري الذي تنفرد به مملكة البحرين دون سواها، كما تعيد تأهيل وحفظ المواقع الأثرية وإعدادها سياحيا وعمرانيا لاستقطاب الزوار.

وكما تشتغل مملكة البحرين على مواقعها الجغرافية وبيئتها الحضرية وأمكنتها الخاصة، فإنها بالمثل تسعى لاستحداث مجموعة من الأنشطة والمواسم المختلفة التي تشتبك فيها مع الحدث الخارجي ومثيلاتها من الدول، في مواعيد مألوفة ومنتظرة، تمسك فيها بتفصيل العالم الآخر الذي تحب أو ترغب. كما أنها تهيئ لنفسها مكانا خارج مكانها المعتاد عبر المشاركة في الكثير من المعارض والمحافل الخارجية التي لا تتقيد بالحيز المكاني، بل تذهب إلى المشاركة في الفكرة والفرح والتداخل في القضايا الإنسانية أو الاهتمامات الأوسع. وهذا العام، عام «المنامة.. عاصمة السياحة العربية»، يرتب نفسه في فصول أربعة ما بين الثقافة، الرياضة، الترفيه والبيئة الخضراء، ويتمسك بأربعة مشاريع كخطوة أولى في اتجاه التأسيس لبنية تحتية سياحية مشتركة للوطن العربي.

* من أين تستلهمين كل هذه القوة لمواصلة العمل بهذا النسق المتسارع؟

- من حب.. لا أمتلك غير حب كبير للبحرين.