صعوبة توزيع المساعدات «كارثة» في سوريا.. وسيطرة النظام عليها تساعده على الصمود

رغم إنفاق مئات الملايين من الدولارات على المعونات الإنسانية للسوريين

TT

تنفق الولايات المتحدة وغيرها من الجهات الدولية المانحة مئات الملايين من الدولارات على المعونات الإنسانية للسوريين المتضررين من الحرب الأهلية التي تعم المدن والبلدات السورية، ولكن تلك الأموال لم تجلب سوى الغضب والسخط على المناطق الشمالية التي يسيطر علها الثوار، حيث تذهب الغالبية العظمى من المعونات إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري، بينما لا تشعر المناطق التي تسيطر عليها المعارضة بأي أثر للمساعدات المحدودة التي تتلقاها.

ويرى الثوار أن المساعدات الإنسانية تساعد الأسد على الصمود في حرب الاستنزاف التي تشهدها سوريا، حيث قال عمر بيلساني، وهو أحد قادة المعارضة في مدينة إدلب، خلال زيارة لإحدى البلدات السورية الواقعة على الحدود التركية: «المعونات باتت بمثابة سلاح في يد الأسد، كما أن المساعدات الغذائية تعد هي الورقة الرابحة في يد النظام».

وتتمثل العقبة الأكبر أمام وصول المعونات إلى المناطق التي يسيطر عليها الثوار في حقيقة أن الأمم المتحدة تطلب من وكالات الإغاثة التابعة لها عدم انتهاك قوانين الحكومة السورية - وهو ما يقلل من إمكانية وصول المعونات إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة - ما دامت المنظمة الدولية ما زالت تعترف بحكومة الأسد. وتعد الوكالات التابعة للأمم المتحدة هي القناة الرئيسية للمعونات الدولية، بما في ذلك معظم المساعدات التي خصصتها الولايات المتحدة للمساعدة في حل الأزمة السورية خلال عامي 2012 و2013 والتي تصل قيمتها إلى 385 مليون دولار، وهو ما يعني أن السوريين المهجرين داخليا في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية يتم الاعتناء بهم في المخيمات التي تديرها الأمم المتحدة ويقيمون في ملاجئ تحتوي على المرافق الأساسية، في الوقت الذي يعاني فيه كثيرون ممن فروا إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة من نقص الطعام والوقود والأغطية والأدوية، ويكفي أن نعرف أن الأطباء الذين يعملون بإحدى العيادات الطبية هنا في إحدى المناطق الريفية الخاضعة للثوار إلى الشمال من مدينة حلب يقومون بطرد المئات من مرضاهم كل يوم في الساعة الرابعة مساء لعدم وجود وقود أو كهرباء.

وقال مدير العيادة، سعد باقور أبو يحيى وهو يرتدي معطفا شتويا ويفرك يديه طلبا للدفء، إن عدم وجود مساعدات أجنبية يعد «كارثة»، مضيفا: «نحن لا نحصل على أي شيء».

وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة قد قامت بجهود أكبر من أي بلد آخر للالتفاف على قواعد الأمم المتحدة، فإن جهودها لا تزال غير معروفة لدى معظم السوريين، حيث تقدم واشنطن نحو 60 مليون دولار - قرابة 10 ملايين دولار في 2012 و50 مليون دولار في 2013 - عبر جماعات مستقلة غير ربحية من أجل إمداد المناطق المستقرة التي تسيطر عليها المعارضة بالدقيق وسلال الطعام والبطانيات والأدوية (قالت إحدى الجماعات إنها تقدم المعونات إلى معظم أنحاء مدينة حلب، ولكنها لم تتمكن بعد من الوصول إلى إدلب). وتصر الجماعات غير الربحية على إبقاء عملها وهويات المتبرعين الأميركيين طي الكتمان بهدف حماية موظفيها الذين ما زالوا يعملون في دمشق تحت إمرة الأسد.

وقال دبلوماسي أميركي رفض الكشف عن هويته: «المساعدات الإنسانية التي نقدمها، والتي وصلت إلى 385 مليون دولار حتى الآن، لها أثر كبير، ولكن لا نستطيع الحديث عنها».

وكانت النتيجة تزايد الشكوك والغضب تجاه الغرب في أوساط السوريين الذين تعمل واشنطن وحلفاؤها على مساعدتهم والوقوف إلى جانبهم، وهو ما يشكل خيبة أمل وإحباط للأميركيين الذين كانوا يمنون النفس بنيل ثقة المعارضة السورية.

وخلال المقابلات الشخصية التي أجريت معهم، أصر عشرات السوريين الذين يعيشون في مناطق يسيطر عليها الثوار في محافظتي حلب وإدلب على أن بلداتهم لم تتلق مساعدات غربية وتذمروا من «الوعود الفارغة» التي يقطعها الغرب على نفسه، ولم يعترف سوى عدد قليل للغاية من المشاركين بصورة مباشرة في توزيع المساعدات بأن جماعات دولية غير ربحية قد زارت تلك البلدات في الآونة الأخيرة، كما أصر المطلعون على الاجتماعات على إبقاء أسماء جماعات الإغاثة طي الكتمان.

وحتى السوريون المشاركون بصورة مباشرة في الجهود الغربية قد عبروا عن إحباطهم، حيث قال غسان حتو الذي يدير ذراع تنسيق عمليات الإغاثة بالمجلس الوطني السوري المدعوم من الغرب: «نعتقد أنه من حقنا أن نعرف المكان الذي تذهب إليه هذه الأموال، ولكننا في كل مرة نسأل عن ذلك لا نحصل على أي إجابة». وقال حتو إن نحو 60 في المائة من الشعب السوري يعيش خارج نطاق سيطرة حكومة الأسد، وبالتالي خارج النطاق الذي تصل إليه المساعدات. وفي الحقيقة، لا يمكن بأي حال من الأحوال التأكد من تلك النسبة، ولكنها قد تكون ممكنة بسبب الكثافة السكانية الهائلة في الجزء الشمالي الذي يسيطر عليه الثوار.

ويقر مسؤولو الأمم المتحدة بتلك المشكلة، ولكنهم يشيرون إلى قلة البدائل المتاحة أمامهم بسبب اعتراف الأمم المتحدة بالحكومة السورية، وهو الوضع الصعب تغييره طالما ظلت روسيا تدعم الأسد. وقال جنز ليركي، وهو المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية: «الحكومة، شئتم أم أبيتم، ما زالت هي الحكومة».

وثمة عقبات أخرى أمام وصول المساعدات للسوريين، حيث أغلقت الحكومة السورية أقصر الطرق وأكثرها أمنا أمام المنظمات التابعة للأمم المتحدة التي تريد الوصول إلى المناطق التي يسيطر عليها الثوار على الحدود التركية، حيث قال ليركي: «لم نحصل على موافقة الحكومة السورية، ولذا لا يمكننا في الأمم المتحدة القيام بذلك».

وقال ليركي إنه قد تم التحايل على هذا الحظر عن طريق عبور ثلاث قافلات إغاثة دولية على الأقل خطوط القتال للوصول إلى بعض المناطق في شمال سوريا، رغم ما تنطوي عليه الرحلة من مخاطر، مشيرا إلى أن ثمانية من العاملين في مجال الإغاثة الدولية قد لقوا حتفهم خلال الصراع السوري.

وقال ليركي إن نحو 45 في المائة من الـ1.7 مليون سوري الذين يتلقون مساعدات من برامج الأغذية التابعة للأمم المتحدة يعيشون في مناطق أقل ما يقال عنها إنها تحت سيطرة الثوار، إلا أن عمال إغاثة ومراقبين دوليين قد أشاروا إلى أن هذه الأرقام لا تعكس حجم الكارثة التي تعاني منها بعض المناطق السورية.

وقال الدكتور ميغو تيرزيان، وهو المنسق السوري لمنظمة أطباء بلا حدود التي تدير مستشفيين في مواقع لم يكشف النقاب عن مكانها في المنطقة التي تسيطر عليها المعارضة: «هناك تناقض كبير للغاية». وطالبت الهيئة بضرورة مرور مزيد من المعونات عبر الحدود التركية.

وقال هشام محمد باكور (40 عاما)، وهو مدير مكتب المعونة في قرية صوران، إن الأمم المتحدة تخلت عن مبادئ الحيادية عندما سمحت للأسد بأن يستغل المعونات لخدمة أهدافه، مضيفا: «كإنسان، أعتقد أنه يجب تقديم المساعدات للمحتاجين أينما كانوا، وأعني بذلك الشعب وليس الحكومة».

وقال مسؤولون في الجماعات الغربية غير الربحية القليلة التي تعمل في مدينة حلب الخاضعة لسيطرة الثوار، والذين تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتم، إن أعمال العنف تقف عائقا أيضا أمام إمداد المحتاجين بالمعونات والمساعدات.

وقال مسؤول في إحدى الجماعات التي تحصل على 20 مليون دولار من الولايات المتحدة: «الحقيقة هي أنه من الصعب وصول المساعدات إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة. نقدم المعونات الغذائية لـ410,000 شخص، ولكن هذا لا يمثل سوى نقطة في بحر. المعونات التي نقدمها لا تكفي والأزمة تزداد سواء كل يوم». (قال مسؤولون إن واشنطن تمول ثلاث منظمات غير ربحية، علاوة على منظمتين أخريين في الآونة الأخيرة).

وأشار عاملون في مجال الإغاثة إلى أن جهات مانحة أخرى، ولا سيما من البلدان العربية المعادية للأسد، تحول الأموال بصورة مباشرة عبر الكتائب العسكرية، التي تقوم كل منها بإدارة «ذراع إغاثة» خاص بها لتحقيق أهدافها السياسية.

وقال دكتور تيرزيان من منظمة «أطباء بلا حدود»: «نرى قدرا كبيرا من المال مقدما من دول الخليج، لكن في واقع الأمر أكثر المساعدات المالية التي تقدمها تلك الدول تذهب لتمويل القتال، ولا يتبقى سوى القليل للمساعدات الإنسانية». ويشير إلى أن هذا القدر الضئيل يقدم بدافع الدعاية الإعلامية فقط. وتشهد الحدود مع تركيا في مدينة كيليس، والتي يسيطر عليها الثوار، فروقا كبيرة صادمة. وخارج سوريا تدير الحكومة التركية مخيما كبيرا للاجئين أشبه بقرية نظيفة تضم أكواخا متقدمة يحتوي كل منها على التدفئة والكهرباء والأجهزة الكهربائية.

ويلتحق الأطفال اللاجئون بمدرسة ابتدائية رحيبة تضم أخصائيين في علاج اضطراب ما بعد الصدمة. ويستخدم السكان الغسالات ويحضرون دروسا في الكومبيوتر في مركز اجتماعي. إنهم يشترون البقالة من سوقين متنافستين دون دفع نقود من خلال بطاقات ائتمانية خاصة يتم التحقق منها بآلات مسح متطورة تعمل ببصمة الأصبع.

مع ذلك داخل الحدود نفسها هناك مخيم عشوائي أقذر من أي مخيم للاجئين في الأردن أو لبنان أو تركيا، حيث ينام الآلاف، نظرا لعدم وجود إحصاء دقيق، متكدسين في خيام ليس بها تدفئة أو كهرباء. إنهم يتكدسون مثل قطيع ماشية في ممرات معدنية يحملون آنية بلاستيكية للحصول على وجبات ضئيلة يتم تقديمها لهم مرتين يوميا، وأحيانا مرة واحدة، وأحيانا أخرى لا يتم تقديمها لهم على الإطلاق. المصدر الوحيد للمساعدات هو فريق صغير من إحدى المنظمات الإنسانية التركية، التي تعرف باسم «اي إتش إتش»، وهي أنشط منظمة دولية في الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة.

ينزلق أطفال المخيم في قلب البرك الطينية لارتدائهم نعالا بلاستيكية ذات مقاس أكبر كثيرا من مقاسهم. وخلال زيارة مؤخرا اندفع عدد كبير من اللاجئين حول مخزن كان يوزع به العاملون في مجال المساعدات أحذية جديدة يحتاجها اللاجئون بشدة تبرعت بها شركات تركية.

ظهر عبد الرحمن حاجي، رجل ضخم يبلغ من العمر 29 عاما، ذو لحية كثيفة، وهو يمسك بزوج أحذية نسائي أحمر اللون مقاس 37 ذي كعب ارتفاعه 3 بوصات، ويتساءل: «من الذي سيرتدي حذاء ذا كعب عالٍ وسط هذا الطين؟». وصرخت امرأة ترتدي عباءة وحجابا، بينما تمسك بزوج حذاء آخر ذي كعب عالٍ وتتساءل: «هل نحن كلاب حتى تعطونا هذه الأشياء؟».

وعند إرخاء الليل ستاره، بدأت سحابات كثيفة من الدخان الأسود السام تتصاعد من مداخن معدنية وسط الخيام وتنتشر فوق المخيم. وقال اللاجئون، الذين يتوقون للحصول على وقود للتدفئة، إنهم أحرقوا الأحذية للحصول على الدفء، كما فعلوا بالمعاطف والفساتين الصيفية التي حصلوا عليها.

* خدمة «نيويورك تايمز»