وزير الداخلية التونسي الجديد لـ «الشرق الأوسط»: الأولوية لنشر الطمأنينة والأمن بين التونسيين

المعارضة في موقف «المتربص» بالحكومة الجديدة

TT

قال لطفي بن جدو وزير الداخلية التونسي الجديد إن نشر الطمأنينة والأمن في نفوس التونسيين يحظى بالأولوية المطلقة في برنامج عمل الوزارة خلال الأشهر القليلة التي تفصل التونسيين عن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة.

وأضاف في اتصال هاتفي أمس مع «الشرق الأوسط» أن تتويج مسيرة الانتقال الديمقراطي في ظل أجواء أمنة ودون توجس من حصول أي مكروه هو من بين ضمانات الاستقرار خلال المرحلة المقبلة. واعتبر أن الأمن هو المحرك الأساسي للتنمية وقال في هذا الشأن إن ضمان رجوع المستثمرين ودفع العجلة الاقتصادية وتوفير الشغل للعاطلين هي العوامل المساعدة على استتباب الأمن وشعور التونسيين بالطمأنينة في ديارهم. وربط بصفة مباشرة بين التنمية الاقتصادية وسيطرة المناخ الأمني المستقر.

وبشأن توتر الأوضاع الأمنية وظهور تيارات متشددة من اليمين واليسار تهدد الثورة التونسية. قال بن جدو إن عمله الطويل في سلك القضاء وتعامله المباشر مع مختلف أسلاك الأمن واطلاعه عن قرب على مشكلات الأمنيين ستكون مساعدة على ضمان الأمن ومواصلة عمليات إصلاح المنظومة الأمنية وفض المشكلات العالقة للأمنيين أنفسهم.

وعن وصوله إلى وزارة الداخلية، قال الوزير الجديد إنه لم يعلم بالأمر إلا يوم الخميس الماضي عندما هاتفه خليل الزاوية وزير الشؤون الاجتماعية (القيادي في حزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات)، واقترح عليه تولي وزارة الداخلية. وعبر بن جدو عن تفاجئه بالأمر وقال إنه كان ينتظر أن يكون على رأس وزارة العدل باعتبار التجربة الطويلة التي قضاها في سلك القضاء. ولم يخف تردده في قبول الحقيبة الوزارية قبل أن يحسم الأمر ويبدي موافقة نهائية على توليه إحدى أهم الوزارات السيادية. وقال إن تزكيته من كل من جمعية القضاة ونقابة القضاة حول ترشيحه لوزارة الداخلية، كان وراء تعيينه.

وبشأن ما سيتخذه من خطوات في قضية اغتيال المناضل اليساري شكري بلعيد، قال بن جدو إنه لم يباشر بعد الملف ولكنه على اطلاع بسير عمليات التحقيق منذ حصول عملية الاغتيال وقال إنه سيتخذ كل الاحتياطات المناسبة والكاملة واعتبر أن البت في تلك القضية وحسم كامل تفاصيلها سيعود بالثقة على كامل شرائح المجتمع التونسي وتلك غاية ثمينة على حد تعبيره.

وفيما يتعلق بعمله في السابق في خطة قاضي تحقيق في كل من مدينتي الكاف والقصرين وكذلك وكيلا للجمهورية بعد الثورة في القصرين وهل تم التدخل في عمله القضائي، قال بن جدو إن عائلة «الطرابلسية» (نسبة إلى عائلة ليلى الطرابلسي زوجة الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي) قد حاولت التدخل في شؤون القضاء في مناسبتين الأولى في قضية قتل والثانية في قضية تهريب عبر الحدود التونسية الجزائرية وقال إنه تمكن من تجاوز عمليات التأثير على سير القضية بالالتزام بالقانون. وفي قضية شهداء تالة والقصرين التي باشرها بدوره، قال بن جدو إن برقيات إيداع صدرت ضد بعض الأمنيين لم يتم تنفيذها وقال إنه تابع الملف مدة ثلاثة أشهر قبل أن يحال الملف بأكمله إلى القضاء العسكري.

في غضون ذلك لم تحسم معظم أحزاب المعارضة مواقفها من حكومة علي العريض وبدا أن موافقة حركة النهضة على مبدأ تحييد وزارات السيادة ومناقشة برنامج عمل الحكومة بين أحزاب الائتلاف المشارك في مشاورات تشكيل الحكومة، قد خفضا من درجة التوتر السياسي الذي كان يربط بين الحكومة والمعارضة. وأبدت بعض أحزاب المعارضة تحفظاتها حول الحكومة الجديدة واعتبرتها معظم تلك المعارضة نسخة ثانية من حكومة الترويكا الأولى وعبرت أحزاب سياسية أخرى عن عودة «حكومة الترويكا من الباب الخلفي».

وفي تقييمها لتوزيع الحقائب الوزارية الجديدة، انتقدت أحزاب سياسية من المعارضة تواصل عقلية المحاصصة الحزبية بين الأحزاب الثلاثة المكونة للائتلاف الحاكم الذي تلا انتخابات المجلس التأسيسي (البرلمان) في شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2011 وقالت إن بعض الوزراء ممن كانوا عنوان فشل في تنفيذ سياسات الحكومة حافظوا على مواقعهم ولم يطلهم التعديل الوزاري. وفي عملية إحصائية قدمها بعض الخبراء اتضح أن نسبة 60 في المائة من بين التشكيلة الحكومية لا تزال تحت سيطرة أحزاب الترويكا الحاكمة فيما عده خبراء عملية استنساخ حكومي جزئي لما كانت عليه حكومة حمادي الجبالي المستقيلة.

وفي هذا السياق قال أحمد نجيب الشابي القيادي في الحزب الجمهوري لـ«الشرق الأوسط» إن حكومة علي العريض هي حكومة ترويكا ثانية وقد أعادت تشكيل نفسها من جديد دون أن تتمكن من إقناع مجموعة كبيرة من القوى السياسية من المشاركة في الحكومة. وأضاف أن انتظارات التونسيين لم تتحقق بعد السادس من فبراير (شباط) تاريخ اغتيال القيادي اليساري شكري بلعيد وقال إن التدقيق في تركيبة الحكومة وبسط برنامج عملها سيكون الفيصل في الحكم لها أو ضدها. وأشار إلى حاجة تونس إلى توافق سياسي أعمق يحدد بشكل صريح تاريخ إجراء الانتخابات المقبلة ويحقق المناخ الديمقراطي الآمن لإجراء انتخابات نزيهة وشفافة.

ولا تزال حركة النهضة تتمتع بأكبر نصيب من الحقائب الوزارية وذلك بتسعة وزراء مع تمتعها بخطة المنسق العام لعمل الحكومة ممثلة في نور الدين البحيري وزير العدل السابق. وفقدت حركة النهضة ثلاث وزارات سيادية دفعة واحدة وهي وزارة العدل ووزارة الداخلية ووزارة الخارجية وهو ما يوحي حسب الملاحظين بفقدانها لسلطات معنوية على المشهد السياسي. إلا أن محللين آخرين قللوا من أمر تلك الوزارات ما دام أن الحركة قد أعلنت أنها تراهن على المناخ الديمقراطي والاحتكام إلى صناديق الاقتراع بعد أشهر قليلة. كما أن كل الأطراف السياسية دققت جيدا في السير الذاتية لوزري الداخلية والعدل على وجه الخصوص باعتبار رجوع جزء كبير من أمر الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة إليهما.

ولم تنفع تصريحات علي العريض بعد الإعلان عن التشكيلة الحكومية وتذكيره التونسيين بضرورة العمل والانضباط والمحافظة على الوحدة الوطنية، بل إن المعارضة بدأت منذ أول يوم تلا الإعلان عن الحكومة إلى محاولة النبش عن مآخذ داخلها.

وفي هذا الشأن، قال محمود البارودي القيادي في التحالف الديمقراطي لـ«الشرق الأوسط» إن الحكومة علي العريض «مجرد صيغة جديدة للترويكا القديمة» وانتقد مواصلة الائتلاف الثلاثي الحاكم تنفيذ مبدأ المحاصصة الحزبية وتقاسم الغنائم على حد قوله. وأضاف أن الحكومة الجديدة تفتقر إلى توسيع حقيقي ولم تتمكن من بعث صدمة إيجابية لدى الرأي العام التونسي بالإضافة إلى عدم الوقوف على تحييد فعلي لوزارات السيادة ولم تعمل الحكومة الجديدة على تخفيض عدد الحقائب الوزارية ولم يقتصر التعديل سوى على عشر وزارات فحسب. وحول إمكانية تعطيل المصادقة على الحكومة الجديدة خلال الأيام المقبلة، قال البارودي إنها ستحصل على أغلبية ضعيفة على أمل أن تتوصل إلى تحقيق بعض أهداف الثورة. ومن ناحيته أشار رضا بلحاج القيادي في حركة نداء تونس في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الحكومة الجديدة لم تحقق تقدما مقارنة بالحكومة السابقة وأنها تفتقد إلى ما سماه «حزام أمان سياسي فعلي» يسمح لها بمواصلة الفترة التي تفصل التونسيين عن الانتخابات المقبلة في أمان.

واعتبر أن على الحكومة الجديدة السعي الفعلي إلى تحييد الدواوين الوزارية داخل وزارات السيادة إذ لا يكفي على حد قوله تحييد الوزراء. ودعا الحكومة الجديدة إلى إعطاء الأولوية لعملية إتمام المسار الانتقالي وذلك بصياغة الدستور وبعث الهيئة العليا للانتخابات وتحديد موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وتهيئة البلاد لتلك المحطات الانتخابية الهامة.