«معركة نساء» للفوز برئاسة باريس

4 سيدات بينهن داتي يتطلعن للمنصب بعد امتناع العمدة الاشتراكي عن الترشح مجددا

سيسيل دوفلو
TT

إنها «حرب النساء» في باريس، هكذا يمكن اختصار ما يجري في العاصمة الفرنسية تمهيدا للانتخابات البلدية المقررة العام المقبل، والتي لا يريد رئيس بلديتها الاشتراكي برتراند دولانويه الترشح لها مرة ثالثة.

إنهن على الأقل أربع نساء من الصف الأول، لكل منهن مسارها وخلفيتها. لكن ما يجمعهن هو الطموح في الجلوس على المقعد الذي احتله جاك شيراك رئيسا لبلدية باريس 18 عاما، وجلس فيه برتراند دولانويه 13 عاما، وحيث ميزانية البلدية تزيد على 8 مليارات يورو. ورئاسة بلدية باريس ليست كغيرها من رئاسة البلديات الأخرى، فباريس هي عاصمة فرنسا وبلديتها لها موقع خاص: كل زوار فرنسا من الضيوف الرسميين يمرون في قاعاتها الفخمة التي تضاهي فخامة قصر الإليزيه أو وزارة الخارجية. ورئيس البلدية له موقعه في كل الاحتفالات الرسمية. وليس سرا أن هذا المنصب يؤهل صاحبه لكثير من الطموحات. ألم يستغل شيراك البلدية للتحضر للانقضاض على قصر الإليزيه؟ وألم يسع فيليب سيغان، رئيس البرلمان ورئيس الحزب الديغولي، للفوز برئاستها عام 2001؟ ألم يحلم جاك لانغ، الوزير الاشتراكي الذي تنقل في العديد من لمناصب الوزارية من الثقافة إلى التربية، أن يتربع على عرش مبنى البلدية المطل على نهر السين وعلى كاتدرائية نوتردام التاريخية؟

من بين النساء الأربع تبرز اثنتان: رشيدة داتي وناتالي كوسيوسكو موريزيه. وحتى وقت قريب كانتا صديقتين حميمتين، فكلتاهما تربت على يدي الرئيس السابق نيكولا ساركوزي. داتي، السمراء، المغاربية الأب والأم، وزيرة العدل السابقة ورئيسة بلدية الدائرة السابعة في باريس (تضم عشرين دائرة) حاليا، أعلنت منذ أشهر عزمها الترشح لرئاسة بلدية العاصمة. وجاء تسرعها لتقطع الطريق على رئيس الوزراء السابق فرنسوا فيون الذي كان يحلم هو الآخر بالمنصب «بانتظار» أن تحين الانتخابات الرئاسية التي ينوي خوضها بعدما خاض العام الماضي معركة رئاسة حزب «الاتحاد من أجل حركة شعبية» اليميني. ولداتي قصة طويلة مع السياسة وما يتفرع عنها من نزاعات. فهذه المرأة من أصل متواضع نجحت في الوصول إلى أعلى مناصب الجمهورية. لكنها تثير الجدل أينما حلت ومهما فعلت. فقد أنجبت ابنة رفضت لشهور الكشف عن هوية أبيها. وهي اليوم تخوض معركة في المحاكم ضد مدير مجموعة الفنادق والكازينوهات لوسيان دوسيني لإلزامه بالاعتراف بأبوته للفتاة سارة، ابنة رشيدة داتي. وعندما كانت وزيرة للعدل كانت تتصرف وكأنها نجمة من نجوم هوليوود. ولم تترك صحافة «البيبول» شاردة ولا واردة من قصص داتي إلا وتناولتها، ومن بينها علاقتها المعقدة مع سيسيليا ونيكولا ساركوزي، حيث لم ينجح الأخير في حملها على تقديم استقالتها من وزارة العدل إلا مقابل «ترضية»، وهي انتخابها رئيسة لبلدية الدائرة السابعة في باريس وعضوا في البرلمان الأوروبي.

غير أن داتي تريد أكثر من ذلك. فقد سعت للترشح عن مقعد نيابي عن إحدى دوائر باريس لأنها «تضجر» في ستراسبورغ، مقر البرلمان الأوروبي، وتخاصمت عليه مع فيون. لكن الأخير انتزعه منها بعد حرب ما ألذ حرب «داحس والغبراء» بجانبها. ورغم الدعم الذي كانت تلقاه من جان فرنسوا كوبيه، أمين حزب «الاتحاد من أجل حركة شعبية» وقتها (وهو الحزب الذي تنتمي إليه داتي وفيون) فإن داتي خسرت المنافسة فاتجهت صوب رئاسة البلدية متسلحة بـ«برنامج متكامل» وبـ«خبرتها» في إدارة شؤون الناس.

غير أن داتي وجدت في طريقها ناتالي كوسيوسكو موريزيه، وزيرة البيئة في آخر حكومات ساركوزي والناطقة باسمه في حملته الرئاسية الثانية. موريزيه نائبة في البرلمان ورئيسة بلدية مدينة لونغومو (جنوب باريس). وإذا كانت داتي «بنت الشعب» فإن ناتالي كوسيوسكو موريزيه الشقراء النحيلة «ابنة البرجوازية الفرنسية» بأصدق تعابيرها، لم تأت إلى السياسة صدفة، إذ إن والدها وجدها وجدها الأعلى مارسوها من غير انقطاع. وهذه الشابة المولودة في عام 1973 خريجة معهد البوليتكنيك الشهير، وحائزة لعدة شهادات إضافية. وقد دخلت العمل العام باكرا وكان صعود نجمها السياسي سريعا إلى درجة أنها لم تتردد في خوض المنافسة الصيف الماضي لرئاسة الحزب اليميني الأول في فرنسا.

وما بين داتي وموريزيه لم يعد مكان للصلح أو التفاهم. كلتاهما ترنو إلى المنصب عينه، الأمر الذي سيلزم حزبهما على إجراء انتخابات داخلية قبل المنازلة الكبرى.

غير أن الجلوس في مقعد رئيس البلدية، سواء كانت الفائزة داتي أو موريزيه، ليس مضمونا، إذ يتعين على الفائزة أن تنافس امرأة أخرى صلبة المعدن وواسعة الخبرة في الشؤون البلدية لكونها تحتل منصبا استراتيجيا إلى جانب دولانويه منذ سنوات حيث تتحضر لخلافته. فآن هيدالغو، التي تشغل منصب المساعد الأول لدولانويه منذ عام 2001، تعتبر أن حظوظها بالفوز برئاسة البلدية واسعة، الأمر الذي تشير إليه استطلاعات الرأي.

في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي، أعلنت هيدالغو، المولودة في إسبانيا، عزمها الترشح للانتخابات البلدية. وما يزيد من عزمها وقوف الحزب الاشتراكي وراءها حيث لا منافس جديا لها بعكس ما هو الحال يمينا. وتتمتع هذه المرأة التي تزوجت من جان مارك جيرمان، المدير السابق لمكتب مارتين أوبري، أمينة عام الحزب الاشتراكي السابقة، بخبرة واسعة في الحقل الاجتماعي وقانون العمل، إذ إنها عملت لسنوات في هذا الحقل في فرنسا وللمكتب العالمي للعمل في جنيف. وتشير استطلاعات الرأي إلى أنها تسبق جميع منافسيها بشكل مريح.

غير أن هيدالغو فشلت مرتين في الفوز بمقعد نيابي عن العاصمة، الأمر الذي لم يمنعها من أن تلعب دورا مهما في الشؤون البلدية. لكن معركتها الكبرى ستكون العام القادم حيث سيتعين عليها أن تثبت جدارتها في قيادة لائحة منسجمة تنافس لائحة اليمين.

أما المرأة الرابعة فهي وزيرة الإسكان الحالية سيسيل دوفلو. ودوفلو أحد أبرز وجوه حركة الخضر والبيئويين في فرنسا، إذ شغلت منصب أمينة عام حزب الخضر طيلة ست سنوات، وانتخبت نائبة عن باريس صيف العام الماضي، قبل أن يعينها الرئيس هولاند وزيرة للإسكان في أول حكومة في عهده.

وحتى الآن، لم تكشف هذه المرأة الشابة (مولودة في عام 1975) والطموحة عن خططها بالنسبة لمعركة رئاسة بلدية باريس. غير أنها قالت مؤخرا إنها «لا تستبعد شيئا»، إذ إن الأمور مرهونة بشكل التحالفات التي ستقوم بين الاشتراكيين والخضر الموجودين معا داخل حكومة جان مارك أيرولت. والخيار الذي سيتعين على دوفلو القيام به هو بين بقائها وزيرة في الحكومة الراهنة مع ما يؤمنه لها ذلك من حضور إعلامي وشهرة على المستوى الوطني الفرنسي أو النزول في غمار معركة العاصمة، علما بأنها لا تستطيع الوصول إلى رئاسة البلدية بسبب حجم الاشتراكيين الساحق في باريس وفرنسا مقارنة مع حجم الخضر.