«هيئة شرعية» في المنطقة الشرقية لتسيير شؤون المواطنين

نظمت استعراضا عسكريا لشرطتها في دير الزور وسط مخاوف من «الأسلمة»

TT

شكلت مجموعات إسلامية مقاتلة في محافظة دير الزور «الهيئة الشرعية للمنطقة الشرقية من سوريا»، لتتولى إدارة شؤون الناس في هذه المناطق حيث يسيطر مقاتلو المعارضة على أجزاء واسعة من محافظتي دير الزور والرقة، فيما يتخوف ناشطون علمانيون من «أسلمة المنطقة الشرقية»، بعد الإعلان عن الهيئة التي «يبدو أنها ستنفذ الأحكام الشرعية في محاكم إسلامية»، بحسب حقوقيين معارضين في محافظة دير الزور.

وجاء الإعلان عن الهيئة تتويجا لمهام اجتماعية وخدماتية شرعت بها كتائب الجيش السوري الحر والتشكيلات العسكرية التي سيطرت على أجزاء واسعة من محافظة الرقة الأسبوع الماضي. وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان أمس بتشكيل المقاتلين الإسلاميين «الهيئة الشرعية للمنطقة الشرقية من سوريا»، مشيرا، في بيان موقع باسم الهيئة وزعه المرصد، إلى أن الهيئة «تضم مكاتب وهيئات أخرى لتسيير شؤون المواطنين وملء الفراغ الأمني الذي تشكل في المنطقة».

وبحسب المرصد، ضمت الهيئات المشكلة «قوة تنفيذية سميت بشرطة الهيئة الشرعية، كما ضمت مكاتب للإغاثة والدعوة والإرشاد والفتوى والخدمات والإصلاح وفض الخصومات»، مشيرا إلى أنها «ستقوم بتسيير شؤون الناس وملء الفراغ الأمني وحل قضايا الناس العالقة». وجاء في بيان الهيئة الذي نشره المرصد السوري، أنها تشكلت «حتى تحفظ الحقوق لمستحقيها وتؤدى الأمانات إلى أهلها ويردع الظالم عن ظلمه ويضرب على يد الفاسد حتى يرجع عن إفساده ويؤخذ للضعيف المظلوم حقه من الغني الظالم وتصان الأعراض عن العبث بها»، لافتا إلى أنها «أمانة جسيمة ومسؤولية عظيمة وحمل ثقيل».

وأظهر شريط فيديو بثه المرصد على موقع «يوتيوب» موكبا يجول في محافظة دير الزور، في ما قيل إنه «الاستعراض العسكري لشرطة الهيئة الشرعية». وضم الموكب عشرات السيارات منها رباعية الدفع، إضافة إلى شاحنات صغيرة مزودة برشاشات، إضافة إلى باصات. كما يظهر الشريط عددا من المقاتلين يرفعون على مبنى في مدينة الميادين لافتة سوداء كتب عليها «الهيئة الشرعية في المنطقة الشرقية»، بينما يحمل عدد منهم أعلاما كتب عليها «لا اله إلا الله». وأوضح المرصد أن من بين المجموعات التي شكلت الهيئة «جبهة النصرة» الإسلامية المتطرفة التي أدرجتها الولايات المتحدة على لائحة المنظمات الإرهابية، متحدثة عن ارتباطها بتنظيم القاعدة في العراق.

وينضم هذا التشكيل إلى تشكيلات أخرى، ظهرت في ريف حلب بعد سيطرة قوات المعارضة على المنطقة، بموازاة إعلان قضاة معارضين عن تسلم المحاكم المدنية في المنطقة، ومحاكمة المخلين بالأمن فيها. لكن ظاهرة المحاكم الشرعية الإسلامية تنتشر على نحو غير مسبوق في المناطق التي يسيطر عليها مسلحون إسلاميون معارضون.

وقال ناشط من الرقة لـ«الشرق الأوسط» إن هذه الهيئة «لا يقتصر عملها على دير الزور، بل تشمل مدينة الرقة التي سيطر عليها المعارضون الأسبوع الماضي». وأوضح الناشط أن هذه الهيئة «ستعتقل المخلين بالأمن وتجري المحاكمات وفق الشريعة الإسلامية»، فضلا عن أنها «تقدم الخدمات الاجتماعية في المنطقة التي تحتاج إلى سلطة قانونية، بعد غياب الأمن فيها». وأضاف الناشط «لم يتضح بعد دور الهيئة كونها لم تشرع في المهام التي أعلن عنها»، معربا عن اعتقاده أنها «ستتابع المهام التي يبدأ بها المقاتلون المعارضون فور سيطرتهم على المناطق»، لافتا إلى أنها «ستقدم خدمات اجتماعية كتوزيع الخبز وضبط حركة الناس وفرض الأمن واعتقال المخلين والسارقين».

غير أن هذه الظاهرة تثير مخاوف شخصيات حقوقية سورية معارضة «كونها تفرض القانون الإسلامي الذي يزيد من مخاوف غير المسلمين». وقال مصدر حقوقي معارض في دير الزور، لـ«الشرق الأوسط»، إن الحقوقيين «يتخوفون من أسلمة المنطقة وإلغاء القانون المدني المعمول به في المحاكم». وأضاف المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه لحساسية القضية «الإجراءات القانونية التي تعتمد في المحاكم الشرعية الإسلامية تثير مخاوف غير المسلمين، وتهدد النظام القضائي المعمول به منذ استقلال سوريا»، لافتا إلى اصطدام الإسلاميين بالحقوقيين السوريين العلمانيين في قرى ريف حلب.

ويتسع عمل الهيئة ليشمل المناطق الشرقية المحاذية للحدود العراقية، والتي يغلب على المعارضين فيها الطابع الإسلامي، خلافا لمناطق أخرى، وهو ما يفسر على أنه «امتداد للبيئة الاجتماعية والقبلية المحاذية وراء الحدود العراقية». ويتوقع أن تلغي هذه الهيئة عمل تشكيلات أخرى في الرقة مثل «لواء أمناء الرقة» الإسلامي الذي أعلن أمس عن تأمينه مراكز رسمية حيوية مثل مباني البريد والاتصالات والمتحف الأثري ومصرف التسليف الشعبي ومبنى البلدية، فضلا عن العديد من المباني الحكومية. كما أعلن عن إلقاء القبض بالتعاون والتنسيق بين لواء أمناء الرقة وأحرار الشام وجبهة النصرة على مجموعة من اللصوص الذين «سيتم عرضهم على الجهات المختصة للبت في أمرهم». ولفت اللواء إلى أن هنالك توجيها من كتائب أحرار الشام ولواء أمناء الرقة إلى باقي الكتائب لتسليم المحافظة للجان الشرعية لتسيير أمور المحافظة وخروج جميع الكتائب من مركز المحافظة.

وعُرف الإسلاميون بقربهم من الناس في المناطق التي فقد النظام السيطرة عليها، من خلال الخدمات الاجتماعية والتقديمات للسكان. وقال ناشط معارض في دير الزور، لـ«الشرق الأوسط»، إن المقاتلين الإسلاميين «يستقطبون الناس في المناطق المحررة من خلال التقديمات الاجتماعية وتوزيع المساعدات عليهم». وأشار إلى أنه «تردد أن الهيئة الجديدة ستعمد إلى تشكيل مجموعات من كل حي لتسيير أموره وحراسته للحفاظ على أمن وممتلكات الناس، ويكون المكلف مقربا من المجموعات العسكرية ويتواصل معهم، ويقوم بمهام مختار الحي».

وفي سياق متصل، دعا رئيس اتحاد علماء بلاد الشام، الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، أمس، الأمة إلى الاستنفار العام لنصرة سوريا والدفاع عنها إلى جانب الجيش، مؤكدا في حديث خاص لإذاعة «النور» التابعة لحزب الله في لبنان، أن الغزو الذي تتعرض له سوريا «يجعل الجهاد واجبا على كل مكلف لمواجهة من وصفهم بالمرتزقة»، وهو واحد من أبرز المراجع الدينية الداعمة لنظام الرئيس بشار الأسد. ورد مصدر قيادي بارز في الجيش السوري داعيا إلى «إسكات الشيخ البوطي الذي يستخدم الدين لنصرة نظام مجرم»، على حد وصفه.