إدارة أوباما قتلت العولقي ثم نجله عبد الرحمن بالـ«درون»

كيف تقوم الإدارة الأميركية باستهداف الأميركيين بالخارج؟

أنور العولقي وسمير خان ولقطة لسيارتهما التي دمرت بصاروخ من طائرة «درون» أميركية (نيويورك تايمز)
TT

في صباح أحد الأيام الأخيرة من شهر سبتمبر (أيلول) 2011، أقلعت مجموعة طائرات أميركية دون طيار الـ«درون» باتجاه الحدود إلى اليمن وحلقت فوق مجموعة من الشاحنات التي كانت تصطف في منطقة صحراوية بمحافظة الجوف؛ تلك المنطقة التي كانت تشتهر في السابق بتربية الخيول العربية الأصيلة.

وسارع عدد من الرجال، الذي كانوا قد انتهوا للتو من تناول وجبة الإفطار، باستقلال شاحناتهم، وكان من بينهم الداعية المتشدد أنور العولقي، الذي ولد في نيو مكسيكو وتحول من مروج للكراهية عبر الإنترنت إلى عميل بارز لفرع تنظيم القاعدة في اليمن، بالإضافة إلى سمير خان، وهو مواطن أميركي آخر كان قد انتقل من ولاية كارولينا الشمالية إلى اليمن وكان صاحب فكرة إطلاق مجلة «إنسباير» الناطقة باللغة الإنجليزية للترويج لفكر التنظيم. ووجهت طائرتان من «درون» أشعة الليزر على الشاحنات لتحديد الأهداف، في حين قام قائدو الطائرة «ريبر» بقصف الهدف من على بعد آلاف الأميال.

وفي الحقيقة، كانت هذه العملية تتويجا لسنوات من العمل المضني لأجهزة الاستخبارات والمداولات المكثفة من جانب مستشاري الرئيس أوباما ومناقشات ومعارك حادة بين البنتاغون ووكالة الاستخبارات المركزية. وقد تكون هذه هي المرة الأولى منذ الحرب الأهلية التي تقوم فيها الحكومة الأميركية بتنفيذ عملية قتل متعمد لمواطن أميركي دون محاكمة. وبعد مرور 18 شهرا، وعلى الرغم من الجهود الحثيثة التي تبذلها الإدارة الأميركية للحفاظ على سرية تفاصيل هذه العملية، برز موضوع مقتل العولقي كمادة خصبة للنقاش والجدل مرة أخرى عقب ترشيح مستشار الرئيس أوباما لمكافحة الإرهاب جون برينان لمنصب رئيس وكالة الاستخبارات المركزية.

وكان الشهر الماضي قد شهد تسرب تقرير حكومي رسمي تابع لوزارة العدل الأميركية يلقي الضوء على البراهين والحجج القانونية التي استندت إليها الإدارة الأميركية للقيام بتلك العملية – وهو التقرير الذي تم إعداده بعد عدة أشهر من مقتل العولقي وخان وسط جدل داخلي حول حجم المعلومات التي يتعين الكشف عنها للرأي العام. وعقب تسرب هذا التقرير، تزايدت المطالبات بمزيد من الشفافية، وهي المطالب التي بلغت ذروتها الأسبوع الماضي خلال جلسة لمجلس الشيوخ استمرت لمدة 13 ساعة كاملة، وهي الجلسة التي أدت إلى تأجيل التصديق على تعيين برينان لمنصب رئيس وكالة الاستخبارات المركزية. وبات السؤال الذي يطرح نفسه الآن بين الأميركيين هو: إذا كان الرئيس يقوم بإعطاء الأوامر لاغتيال مواطنين أميركيين بالخارج، على أساس معلومات سرية، فما هي حدود سلطات الرئيس إذا؟

هذه الرواية لمقتل العولقي، استنادا إلى مقابلات مع عشرات المسؤولين الحاليين والسابقين في المسائل القانونية ومجال مكافحة الإرهاب وخبراء من الخارج، تكشف عن تفاصيل جديدة للتحديات القانونية والاستخباراتية والعسكرية التي تواجه إدارة أوباما فيما ثبت أنه حلقة بارزة من حلقات التاريخ والقانون الأميركي على حد سواء، كما تسلط الضوء على مخاطر الحرب التي تجري في سرية، اعتمادا على الهجمات الصاروخية التي نادرا ما تحظى بقبول وإقرار الحكومة الأميركية. وقد أدى الهجوم الذي أسفر عن مقتل العولقي إلى مقتل سمير خان، الذي يرى مسؤولون أميركيون أنه لم يكن يشكل تهديدا كبيرا على الولايات المتحدة بالشكل الذي يدفع واشنطن للقيام بعملية تستهدفه شخصيا. وبعد تلك العملية بنحو الشهر، أسفر هجوم آخر – عن غير عمد – عن مقتل نجل العولقي البالغ من العمر 16 عاما ويدعى عبد الرحمن، والذي كان قد انطلق إلى الصحراء اليمنية بحثا عن والده، وبذلك تكون الحكومة الأميركية قد قتلت ثلاثة من مواطنيها في اليمن في غضون أسبوعين فقط؛ اثنان عن طريق الخطأ وواحد فقط عن طريق استهداف مباشر. وظل العولقي يخضع لمراقبة شديدة من قبل المسؤولين الأميركيين على مدار عقد من الزمان حتى مصرعه في الثلاثين من سبتمبر 2011 وهو في الأربعين من عمره، ففي البداية خضع للتحقيق عام 1999 من جانب مكتب التحقيقات الفيدرالي بسبب علاقته بمتشددين، ثم تم التحقيق معه عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 بسبب اتصالاته بثلاثة من خاطفي الطائرات في مساجد في سان دييغو وفيرجينيا. وفي أوقات أخرى، كان العولقي يقدم نفسه على أنه رجل معتدل الفكر ويجري مقابلات مع وسائل الإعلام الأميركية ويدلي بأحاديث وعظات في مبنى الكابيتول بواشنطن ويتناول وجبة الإفطار مع مسؤولي البنتاغون. وغادر العولقي الولايات المتحدة عام 2002 وبات يؤمن بأن الدولة التي ولد فيها باتت في حالة حرب مع الإسلام. وفي لندن، ثم في اليمن، التي اعتقل فيها لمدة 18 شهرا بإيعاز من واشنطن، بات العولقي أقرب ما يكون إلى تبني الفكر الإرهابي بشكل كامل وباتت خطاباته البليغة باللغة الإنجليزية التي تحث على الجهاد ضيفا دائما على أجهزة الكومبيوتر الخاصة بالإرهابيين الذين يتم اعتقالهم في بريطانيا وكندا والولايات المتحدة.

وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2009، عندما اتهم نضال مالك حسن، وهو طبيب نفسي في الجيش، بإطلاق النار في قاعدة فورت هود في ولاية تكساس وقتل 13 شخصا، بدا أن العولقي قد وجد الشهرة العالمية التي ظل طويلا يبحث عنها، فسرعان ما اكتشف المحققون أن حسن قد تبادل رسائل إلكترونية مع العولقي. وعلى الرغم من أن ردود العولقي في تلك الرسائل دائما ما كانت تتسم بالحذر الشديد، إلا أنه أزال كل الشكوك المثارة بشأن موقفه من ذلك الهجوم، حيث كتب على مدونته بعد مرور أربعة أيام فقط يقول: «نضال حسن بطل، فهو رجل لديه ضمير لم يستطع تحمل التناقض بين كونه مسلم وكونه يخدم في الجيش الذي يقتل شعبه». وكثفت أجهزة الاستخبارات الأميركية تركيزها على العولقي، وقامت بالتنصت على الاتصالات التي أظهرت تنامي نفوذه في تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. وفي 24 ديسمبر 2009، وخلال الضربة الأميركية الثانية في اليمن في غضون ثمانية أيام، أصاب هجوم صاروخي اجتماعا يضم قادة التنظيم، وأشارت التقارير الإخبارية إلى أن العولقي، الذي قيل خطأ إنه قد لقي حتفه، كان أحد المستهدفين.

في الواقع، كان هذا الهجوم يستهدف مسؤولين بارزين آخرين في التنظيم، ولم يكن يستهدف العولقي في المقام الأول، ولا سيما وأنه قد بدا أنه مجرد «محرض» على القيام بعمليات إرهابية، ولم يكن هناك أي أدلة على أنه يقوم بدور «تنفيذي»، على حد قول المحللين المتخصصين في مجال مكافحة الإرهاب. ولكن سرعان ما تغير هذا الاعتقاد، ففي اليوم التالي حاول شاب نيجيري يدعى عمر فاروق عبد المطلب يبلغ من العمر 23 عاما تفجير طائرة ركاب لدى اقترابها من ديترويت، وقال عبد المطلب لمكتب التحقيقات الفيدرالي إنه قد ذهب إلى اليمن والتقى بالعولقي الذي تحدث معه حول «الاستشهاد والجهاد» وأقنعه بالقيام بالعملية الانتحارية على الأراضي الأميركية.

وخلال الاستجواب الأولي الذي استمر لمدة 50 دقيقة يوم 25 ديسمبر 2009، قال عبد المطلب إنه قد تلقى الأوامر للقيام بالعملية الانتحارية من قبل إرهابي يدعى أبو طارق، ولكن سرعان ما اكتشفت وكالات الاستخبارات أدلة على تورط العولقي في تلك العملية. وفي أواخر شهر يناير (كانون الثاني) اعترف عبد المطلب للمحققين بأن أبو طارق هو العولقي في حقيقة الأمر. ونتيجة لذلك، أيقن المسؤولون الأميركيون أن العولقي بات يشارك بشكل مباشر في العمليات الإرهابية، ولم يعد مجرد محرض عليها، ولذا قررت التخلص منه عبر هجوم بالطائرات دون طيار.

* خدمة «نيويورك تايمز»