سباق الرئاسة في فنزويلا ينطلق بين التعاطف مع مادورو وطموحات كابريلس

خليفة شافيز يعد بـ«اليسار الحديث».. والبرازيل تنأى بنفسها عن تشدد «الزعيم الراحل»

القائم بأعمال الرئاسة في فنزويلا نيكولاس مادورو (يسار) بعد مرافقته رئيس نيكاراغوا دانييل أورتيغا (وسط) لإلقاء نظرة على جثمان الرئيس الراحل هوغو شافيز في قاعة الأكاديمية العسكرية في كاركاس أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

أطلقت فنزويلا إشارة البدء لانتخابات من المتوقع أن تكون ساخنة ويرجح أن يخوضها القائم بأعمال الرئيس نيكولاس مادورو، الذي كان الخليفة المفضل للرئيس الراحل هوغو شافيز، وزعيم المعارضة المنتمي إلى الوسط إنريكي كابريلس. وتنتهي اليوم (الاثنين) مهلة التسجيل للانتخابات التي تجري في 14 أبريل والتي ستحدد ما إذا كانت ثورة شافيز الاشتراكية القومية ستظل صامدة في فنزويلا، التي يوجد بها أكبر احتياطي مؤكد للنفط في العالم.

وقالت تيبيساي لوسينا رئيسة لجنة الانتخابات يوم السبت الماضي: «ندعو إلى انتخابات رئاسية في 14 أبريل (نيسان) 2013»، موضحة أن «الانتخابات التي تمت الدعوة إليها في 14 أبريل من الممكن إجراؤها تماما.. قوة نظامنا التي جرت البرهنة عليها مرات كثيرة تسمح لنا بتأكيد ذلك، انطلاقا من سنوات كثيرة من الخبرة التي تظهر امتياز قدرتنا الفنية». ووجهت لوسينا الدعوة للجيش لحماية الديمقراطية في البلاد، وقالت: «على قواتنا المسلحة أن تكون على وعي دائم بنداء الجمهورية.. نحن نريدكم أن تعرفوا مسؤوليتكم وإيمانكم العميق بالديمقراطية».

وتوفي شافيز يوم الثلاثاء الماضي عن عمر 58 عاما بعد معركة مع السرطان استمرت لعامين. وينظر لمادورو (50 عاما)، النائب السابق للرئيس والذي كان سائقا للحافلات وزعيما نقابيا وتحول إلى العمل السياسي، ويكرر خطاب شافيز المناهض للامبريالية، على أنه سيفوز في الانتخابات بفارق مريح طبقا لاستطلاعين للرأي أجريا مؤخرا، بحسب «رويترز».

وسعى مادورو جاهدا لإجراء انتخابات مبكرة للاستفادة من موجة من التعاطف الشعبي معه، تسببت فيها وفاة شافيز.. وأدى اليمين لتولي منصب القائم بأعمال الرئيس يوم الجمعة، مما أثار غضب إنريكي كابريلس. واتهم كابريلس، الذي كان حاكما لولاية ميراندا والبالغ من العمر 40 عاما، الحكومة والمحكمة العليا بالتلاعب للسماح لمادورو بإطلاق حملته الانتخابية دون أن يتنحى عن منصبه. وكان كابريلس قد هزم أمام شافيز في الانتخابات التي أجريت في أكتوبر (تشرين الأول)، لكنه حصل على أكبر نصيب من أصوات المعارضة.

وتعهد مادورو الذي أدى اليمين لتولي منصب القائم بأعمال الرئيس في البرلمان يوم الجمعة بالبدء من حيث انتهى شافيز. كما تبنى أسلوب أستاذه في الخطب المسرحية، واتهم الدول الامبريالية بقتل شافيز من خلال إصابته بالسرطان.. وكثيرا ما تكون هذه إشارة إلى الولايات المتحدة. ويقول كابريلس إنه في حالة انتخابه فسوف يحاكي نموذج البرازيل القائم على «اليسار الحديث» في السياسات الاقتصادية والاجتماعية. وساند ائتلاف المعارضة في فنزويلا كابريلس بوصفه مرشحه أول من أمس السبت، ومن المتوقع على نطاق واسع أن يقبل ترشيحه. وقال رامون جييرمو أفيليدو رئيس حركة الوحدة الديمقراطية: «لقد أدركنا جميعا أن إنريكي كابريلس هو الشخص الذي سيجسد هذا الخيار للتغير الديمقراطي البديل.. بديل لنا جميعا. واتفقنا على أن نطرح إنريكي كابريلس كمرشح رئاسي للوحدة». ومع إتاحة الفرصة للمرشحين لمباشرة حملاتهم الانتخابية لمدة عشرة أيام فقط، يواجه كابريلس معركة صعبة في ظل تمتع مادورو بكل موارد الدولة تحت تصرفه.. ويقول البعض إن كابريلس لن يكسب شيئا من ترشيح نفسه، لكن عدم خوضه الانتخابات سيكون بمثابة انتحار سياسي.

وتدنت الحالة المعنوية للمعارضة بشدة بعد الهزيمة في انتخابات العام الماضي، إلى جانب هزيمتها في انتخابات حكام الولايات في ديسمبر (كانون الأول) بشكل أذكى انقسامات داخلية. وقال المحلل السياسي المحلي لويس فيسينتي ليون: ليس هناك شك في أنه سباق صعب بالنسبة لكابريلس.. مادورو ليس شافيز؛ لكن المشكلة هي أنه نظرا لأن السباق الانتخابي قريب جدا من وفاة شافيز، فإن المشاعر ملتهبة وقد يظل المرشح شافيز وليس مادورو». وأضاف أن «التحدي الكبير أمام كابريلس ليس أن تكون حملته الانتخابية ضد شافيز، بل محاولة نقل المعركة إلى مادورو.. محاولة إظهار الفجوة الكبيرة بينه وبين شافيز، وربطها بالمشكلات اليومية التي يواجهها شعب فنزويلا». وفي سياق مواز، بدأت رئيسة البرازيل ديلما روسيف تحركا دقيقا لتحقيق التوازن بين نعي شافيز والوقوف في الوقت ذاته على مسافة معينة من إرثه بعد ساعات من وفاته يوم الثلاثاء الماضي، عندما عبرت في كلمة عن إعجابها بالزعيم الاشتراكي، لكنها استدركت قائلة بوضوح إن البرازيل «لم توافق بشكل كامل» على كثير من سياساته المتشددة.

وتبنت روسيف، وسلفها إيناسيو لولا دا سيلفا، خلال السنوات العشر الماضية مجموعة من السياسات الأكثر عملية وتصالحا مع الاستثمار من تلك السياسات التي انتهجها شافيز، الذي اشتهر بمهاجمة واشنطن ومصادرة الشركات وترويع خصومه السياسيين. ويقول مقربون من لولا دا سيلفا وروسيف إنهما حقا معجبان بشافيز وتعاطفه مع الفقراء وتألما لوفاته، لكنهما اغتنما أيضا فرصا كثيرة خلال الأسبوع الماضي ليبرزا اختلافاتهما معه في إطار حملة قال مسؤولون إنها أعدت بعناية لتمييز البرازيل عن فنزويلا في عين المجتمع الدولي وقادة الأعمال.

وقال مسؤول برازيلي طلب عدم نشر اسمه لـ«رويترز»: «الرسالة البسيطة هي نحن مختلفون.. نعم نحترم أشياء كثيرة فعلها وهناك قضية مشتركة.. لكن البرازيل ليست فنزويلا». وربما تعزز مثل هذه الرسالة من سمعة البرازيل باعتبارها زعيمة بين حكومات أميركا اللاتينية، والتي تبنت في السنوات القليلة الماضية تيارا يساريا أكثر حداثة. كما يترقب دبلوماسيون في واشنطن وأوروبا اللحظة التي تسعى فيها البرازيل للحصول على نفوذ أكبر في العالم إذا نالت مقعدا دائما في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

وسافرت روسيف ولولا أيضا إلى كراكاس يوم الخميس، وانضما إلى شخصيات عالمية ألقت نظرة الوداع الأخيرة على شافيز. كما قال مسؤول إن روسيف عرضت على نيكولا مادورو، القائم بأعمال الرئيس، المساعدة غير المالية في الأشهر القليلة القادمة إذا فاز في أي انتخابات خلفا لشافيز، وشمل العرض أيضا تقديم مساعدة فنية في برنامج للإسكان.

غير أن كلا من روسيف ولولا غادرا فنزويلا قبل جنازة رسمية أقيمت يوم الجمعة حضرتها شخصيات رفيعة من أكثر من 30 دولة، منهم شخصيات تسبب انقساما، مثل رئيس كوبا راؤول كاسترو والرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد. وعلى عكس لولا الذي كان مقربا من أحمدي نجاد، كانت روسيف تتجنب أغلب الوقت الاتصال بالرئيس الإيراني منذ توليها منصبها عام 2011، نظرا لأن حكومتها أكدت بوضوح أكبر على الديمقراطية وحقوق الإنسان في علاقاتها الخارجية.