السكك الحديدية.. التحدي الكبير لقادة الصين الجدد

قاومت جهود التغيير والإصلاح لسنوات

صورة أرشيفية التقطها مصور صحافي عام 2010 لأحد القطارات فائقة السرعة في الصين قبل البدء في تشغيل الخدمة (أ.ب)
TT

في السجلات التاريخية للسلطة الصينية البيروقراطية كانت وزارة السكك الحديدية تتخذ مركزا مختلفا، فقد قاومت تلك القوة الطاغية، التي تعد من أكثر السكك الحديدية ازدحاما في العالم، فضلا عن امتلاكها قوة شرطة خاصة، محاولات الإصلاح التي تقوم بها الحكومة لسنوات، مما جعل الصينيين يصفونها بـ«السكك الحديدية الزعيمة».

وأعلنت الحكومة يوم الأحد عن طردها لتلك «الزعيمة». وفي إطار خطة تم تقديمها إلى المجلس التشريعي لإعادة هيكلة الوزارات، صرحت الحكومة بأنها ستحل الوزارة وتعهد لشركة جديدة بتولي العمليات الخاصة بالسكك الحديدية ونقل مكاتب الوزارة إلى وزارة النقل، بحسب تقرير لوكالة «أسوشييتد برس» الأميركية.

وليست وزارة السكك الحديدية هي الوحيدة التي تستهدفها الحكومة، فهناك أيضا الهيئتان اللتان تتوليان الرقابة على القنوات التلفزيونية والصحافة، حيث سيتم دمجهما بموجب خطة إعادة الهيكلة في هيئة إعلامية كبرى. كذلك سيتم دمج اللجنة، التي تنفذ القوانين «المكروهة» التي توجب على الكثير من الأسر إنجاب طفل واحد فقط، في وزارة الصحة. وسيتم دمج الهيئات الخمس، التي تراقب مصايد الأسماك والموارد البحرية الأخرى، في كيان واحد بهدف تمكين السلطة من السيطرة على الحدود المائية المتنازع عليها بشكل أكبر، وهو ما يمكن أن يزيد من حدة الصراع مع اليابان وفيتنام والفلبين.

توضح الخطة، التي من المؤكد إقرارها من قبل الهيئة التشريعية خلال الأسبوع الحالي، أولويات القيادة الجديدة للحزب الشيوعي الحاكم التي يبدو أنها تسعى إلى الحد من الإهدار ودعم الكفاءة والفاعلية ومعالجة القضايا المتعلقة بجودة الحياة من أجل تحسين حال المجتمع ليصبح أكثر رخاء.

وجعل «نطاق سلطة» وزارة السكك الحديدية من الهيئة «تحديا قائما» للقيادة الصينية، لتؤكد من خلاله على وجودها ونفوذها. وفي إطار عمل الوزارة على توسع نظام السكك الحديدية وإقامة أكبر شبكة قطارات فائقة السرعة في العالم، استدانت مئات المليارات من الدولارات وغرقت في الفساد ومنحت المنتقدين فرصة للهجوم.

ورحب الإصلاحيون بإلغاء الوزارة، حيث قالوا إنها خطوة للترويج للمزيد من الإصلاحات. ونقلت وكالة الأنباء الرسمية «شينخوا» عن وانغ يمينغ، الباحث في الاقتصاد الكلي في الدولة، قوله: «يعني هذا أن الدولة هدمت آخر معقل من المعاقل التي تعرقل إصلاح الصناعة على مسار التحول من الاقتصاد المخطط مركزيا إلى اقتصاد السوق».

ولم يكن أمام وزير السكك الحديدية الحالي، الذي على ما يبدو سيكون الأخير، سوى الخضوع إلى ما هو حتمي. وقال شينغ غوانغزو على محطة الإذاعة القومية الصينية: «لا يوجد ما أندم عليه. لا يهم إذا ما كنت وزيرا للسكك الحديدية أو لم أكن. المهم هو أن يتم تطوير السكك الحديدية الصينية. أنا أخضع لكل ما تمليه مصلحة الوطن».

ويحاول القادة الصينيون والمسؤولون، الذين يتبنون نهجا إصلاحيا، إخضاع السكك الحديدية منذ نحو 15 عاما، حين فصلت الحكومة الصينية للمرة الأولى الشركات التابعة للدولة عن الهيئات التنظيمية. وفي كل مرة كان الوزير يقاوم باستغلال العلاقات الوطيدة مع الجيش وكتابة سجل تاريخي للأداء المشرف. وخلال العقد الماضي، تم إنشاء نظام نموذجي للقطارات فائقة السرعة، روجت القيادة له كمثل يؤكد أن قوة الصين في مجال التكنولوجيا لا تقل عن قوتها في برنامج رحلات البشر إلى الفضاء الخارجي.

وخلال إعلان إعادة الهيكلة، أشاد مسؤول صيني رفيع المستوى بالتقدم. لكنه أوضح السبب وراء ضرورة إلغاء الوزارة. وقال ما كاي، أمين عام مجلس الدولة، أمام المشرعين: «تطورت السكك الحديدية خلال السنوات القليلة الماضية بشكل كبير، مما دعم وعزز الاقتصاد واحتياجات الناس الحياتية والإنتاج. مع ذلك الحكومة والمشروعات كل لا يتجزأ.. إنها لا ترتبط بسلاسة بوسائل النقل الأخرى، فضلا عن وجود مشكلات أخرى».

وتنتشر الشكاوى من السكك الحديدية بين الصينيين. وقال تشانغ شانغزي، رجل أعمال يبلغ من العمر 32 عاما، وهو ينتظر القطار فائق السرعة في شنغهاي خلال الأسبوع الماضي: «أنا متأكد أن قضايا الفساد وراء تراجع الأداء، حيث يتعين على الشركات تعويض ما دفعته من أموال بسبب الفساد». وأدت بعثرة الوزارة المال هنا وهناك من أجل إنجاز الأعمال والحفاظ على سلطتها إلى انهيارها في النهاية. وتم إقالة ليو تشي جيون، كبير مدعمي شبكة القطارات فائقة السرعة، والذي كان يشغل منصب الوزير منذ عامين، على خلفية اتهامات له بتقاضي رشى كبيرة وتدخل في تعاقدات، يرتبط بعضها بشبكة القطارات فائقة السرعة.

ورغم أنه لم يمثل أمام المحاكمة بعد، يبدو أنه تم حسم مصيره، وربما مصير الوزارة بأكملها، في اللحظة التي اصطدمت فيها قطارات فائقة السرعة بالقرب من مدينة وينزو التي تقع شرق الصين في يوليو (تموز) عام 2011، مما أسفر عن مقتل 40 شخصا وإصابة 177. وأثار هذا الحادث غضب الطبقة المتوسطة في الصين، التي يعد أفرادها الركاب الأساسيين للقطارات فائقة السرعة.

وأشارت تحقيقات الحكومة إلى وجود عيوب في التصميمات وسوء إدارة، بعد ذلك بدأت الحكومة تهتم بشكل جاد بالفساد الذي يسود السكك الحديدية والوزارة. في إحدى الحالات كان من الضروري عمل تجديد شامل لخط سكك حديدية في الشمال الشرقي بتكلفة نحو 260 مليون دولار نتيجة عدم كفاءة الشركات المتعاقد معها، حيث ملأت أساسات الجسر بالأحجار والرمل بدلا من الخرسانة.