محمود جبريل لـ «الشرق الأوسط»: العزل السياسي في ليبيا لن يقيم دولة

المجلس الأعلى للثوار يهدد بانقلاب عسكري

TT

قال محمود جبريل، أول رئيس وزراء لـ«ثورة 17 فبراير» في ليبيا، رئيس تحالف القوى الوطنية في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أدلى بها أمس عبر الهاتف، إن التركيز على العزل السياسي في بلاده لن يقيم دولة، داعيا إلى طرح رؤية تنموية لليبيا. وتعاني الدولة النفطية الأولى في شمال أفريقيا من هشاشة الأوضاع العسكرية والسياسية والأمنية، إضافة لانتشار الأسلحة والميليشيات والكتائب المسلحة.

وتسبب مشروع قانون لعزل كل من عملوا في السنوات العشر الأخيرة مع العقيد الليبي الراحل معمر القذافي في إثارة الاحتقان في الدولة وتأجيل انعقاد المؤتمر الوطني (البرلمان). وسيشمل القانون، في حالة إقراره، كل المسؤولين الذين انشقوا عن حكم القذافي في بداية الانتفاضة المسلحة التي أطاحت بحكمه في مطلع عام 2011. وحول ما يقال عن أن مشروع قانون العزل السياسي يستهدف استبعاده شخصيا من العمل السياسي، قال: «إذا كان هذا ما يريده الليبيون فأنا ليس لدي أي مانع. ما يختاره الليبيون هو اختياري». وكان من المفترض النظر في مشروع قانون العزل الذي يدعمه الإسلاميون في جلسة البرلمان الثلاثاء الماضي. وأدى تأجيل الجلسة إلى هجوم على نواب البرلمان وإطلاق النار على سيارة رئيسه محمد المقريف، من جانب محتجين يطالبون بسرعة التصديق على القانون الذي يمكن أن يبعد سياسيين آخرين عن العمل السياسي.

وتواجه ليبيا اختبارا صعبا بعد نحو خمسة أشهر من تشكيل حكومة علي زيدان المدعوم من جانب تحالف القوى الوطنية وتيارات أخرى. وتقول مصادر في المؤتمر الوطني إن الإسلاميين يتخوفون من شعبية جبريل في الشارع الليبي، ويسعون لاستبعاده من احتمال تقلده أي مناصب مسؤولة في الدولة مستقبلا. وأوضح جبريل: «يدور مثل هذا الكلام عن أن هذا القانون مفصل لاستبعادي.. إذا كان هذا فليس هناك مبرر لاستبعاد رجال الدولة (الآخرين).. ويمكن لمحمود جبريل أن ينسحب».

وعن الوقت أو النقطة التي يمكن عندها أن يقرر الانسحاب بالفعل، قال جبريل: «قرار الانسحاب قرار شخصي.. قد يتخذ في أي وقت.. وأتمنى أن أي قانون يصدر يراعي مصلحة الوطن».

ومع استمرار حالة عدم الاستقرار في البلاد ظهرت أصوات في ليبيا تطالب بالمصالحة ولم الشمل وطي صفحة الماضي من أجل بدء مرحلة جديدة، إلا أن هذه الأصوات خفتت في مقابل صعود لغة للتخوين والإقصاء. وقال جبريل: «أصوات لم الشمل والمصالحة موجودة، لكن في زحمة رغبات الانتقام والرغبة في تصفية الحسابات، أصبحت هذه الأصوات غير مسموعة». ويتلخص موقف جبريل على ما يبدو في أنه ليس هو المعضلة التي تواجهها البلاد، ويرى أيضا أن عزله سياسيا لن يحل المشاكل التي تمر بها ليبيا. كما أن الرجل لا يقف ضد مشروع قانون العزل في حد ذاته، ولكنه يسعى، كما يقول، إلى التركيز على الأولويات التي تحتاجها بلاده.

وطبقا لمسودة مشروع قانون العزل التي ستطرح للمناقشة في البرلمان في وقت لاحق لم يتحدد بعد، فإن العزل سيشمل كل من تولى منصبا قياديا في السنوات العشر الأخيرة من حكم القذافي، وطبقا لهذا المشروع سيشمل العزل جبريل وآخرين، لكن توجد مقترحات ستقدم أثناء مناقشة مشروع القانون لكي يشمل العزل كل من عمل مع القذافي في العشرين سنة الأخيرة من حكمه، وهو ما سيطال قيادات تنفيذية ونيابية كثيرة.

كما توجد مقترحات أخرى ستطرح أثناء مناقشة مشروع القانون تنص على أن العزل ينبغي أن يشمل كل من عمل مع القذافي منذ وصوله للحكم عام 1969. وهو ما يعني خروج الغالبية العظمى من وزراء الحكومة ونواب البرلمان من مواقعهم الحالية، بمن فيهم قيادات تنتمي لكتلة تيار الاستقلال والتيار الإسلامي، إضافة لتحالف محمود جبريل. وأوضح جبريل قائلا: ليكن هناك قانون للعزل، ولكن لا بد أن تطرح رؤية تنموية للبلاد، وإيجاد حلول لمشاكل الأمن وقضايا الدستور. وأضاف: لا يجب أن يكون العزل هو الهم الأكبر لأبناء الوطن، ولا يجب أن نترك الأجندة الرئيسية، وهي الحاجة إلى جيش وشرطة ومحاكم ورؤية تنموية لمشاكل تراكمت على مدى 42 سنة. وقال: يمكن العمل على تنفيذ الأجندة الرئيسية للدولة وفي نفس الوقت الاستمرار في قانون العزل. وتابع جبريل: الذي أتمناه ألا يكون العزل هو الهم الوحيد.. العزل لن يقيم دولة. وأضاف: علينا أن نتحدث عن دولة جديدة وكيف نؤمِّن هذه الدولة، من أجل مستقبل أفضل لجميع الليبيين.

إلى ذلك، وفي تطور خطير ومفاجئ، هدد المجلس الأعلى لثوار ليبيا بالتدخل العسكري في أي لحظة، بعدما أكد أن «أعين الثوار الساهرة غير غافلة عما يحدث على الساحة السياسية»، وأنه يتابع تفاصيلها عن كثب، وأن «أمن ليبيا ووحدتها وأموالها خطوط حمراء لا يمكن التلاعب بها». وقال المجلس في بيان له أمس إنه «قادر على اتخاذ كل الإجراءات اللازمة لتصحيح مسار الثورة التي دفع من أجلها أبناء هذا الوطن الغالي والنفيس»، على حد قوله.

وهذه هي المرة الأولى التي يهدد فيها المجلس بشكل صريح بإمكانية التدخل العسكري لإعادة تصحيح مثار الثورة التي اندلعت ضد نظام حكم العقيد الراحل معمر القذافي عام 2011.

وأعرب المجلس، الذي تم تأسيسه في أغسطس (آب) 2012، عن قلقه وتوجسه مما يجري على الساحة السياسية، خاصة ما وصفه بـ«المماطلة من قبل المؤتمر الوطني في حق الثورة بحماية نفسها بقانون العزل السياسي»، مؤكدا أن المساس بالثورة والمحاولات المستميتة لتفريغها من مبادئها والالتفاف والتطاول عليها وعلى قادتها أمر غير مقبول بتاتا.